يبدو أنّ الاجتماع الذي دعت إليه الإدارة الأميركية بشأن قضية سد النهضة في واشنطن يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي سيظلّ محاطاً بالخلافات والارتباك حتى اللحظات الأخيرة قبل سفر الوفود المشاركة من القاهرةوأديس أبابا والخرطوم، ليس فقط بسبب مشاكل في الاتفاق على أجندة اللقاء وهدفه وما إذا كان طابعه سياسياً أم فنياً، بل أيضاً بسبب عدم وضوح الرؤية داخل الإدارة الأميركية بخصوص الجهة التي ستدير الاجتماع وستلعب دور الوسيط بين مصر وإثيوبيا تحديداً. وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية ل"العربي الجديد" أنّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أبلغ نظيره المصري سامح شكري بأنه "من الوارد عدم حضور ممثلين عن الخارجية الأميركية اللقاء من الأساس"، إذ كلّف الرئيس دونالد ترامب وزير الخزانة ستيفن منوتشين بإدارة الاجتماع، وبأن يكون بنفسه نقطة الاتصال بين العواصم ذات الصلة بالقضية، وبين البيت الأبيض. مصادر: من الوارد عدم حضور ممثلين عن الخارجية الأميركية للاجتماع من الأساس وأشارت المصادر إلى أنّ رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس سيكون حاضراً في الاجتماع أيضاً، بناء على دعوة من منوتشين، في تعبير غير مباشر عن استجابة واشنطن للرغبات المصرية، إذ سبق أن اقترحت القاهرة تدخل البنك الدولي كطرف رابع في المفاوضات منذ العام الماضي، لكن إثيوبيا رفضت ذلك، فيما لم يعلق السودان، مما أدى إلى تعطيل المساعي في ذلك الوقت. وأضافت المصادر أنّ ترامب كلّف منوتشين بهذا الملف أخيراً على سبيل "إيلائه اهتماماً إضافياً، تلبية لطلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، مرجحةً أن يكون اختيار وزير الخزانة يرتبط ب"وعود سابقة قطعها ترامب للسيسي بعدم المشاركة في دعم مشروع سد النهضة والمشروعات المنبثقة منه بشكل رسمي، طالما لم تكن مصر راضية عن خطة التشغيل والملء الأول للخزان والتحكم في فترات الجفاف". وذكرت المصادر أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان منوتشين سيدعو بومبيو أو أياً من مساعديه لحضور الاجتماع من عدمه، كما أنّ الاتصالات المصرية والإثيوبية والسودانية مع وزارة الخزانة الأميركية لم تتوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن على شكل الاجتماع، وما إذا كان سيضم وزراء المياه والري من عدمه. وتحاول واشنطن إقناع الدول الثلاث بحضور وزراء المياه والري، بعدما كانت قد أشارت إلى عدم حضورهم في الاتصالات الأولى التي أدارتها الخارجية. وتوافق مصر على هذا التوجه، لكنها في الوقت نفسه تريد أن يكون هناك أثر إيجابي لحضورهم، أي أن يتم الاتفاق أولاً على إمكانية إنتاج اتفاق واضح بشأن الخارطة الزمنية للمفاوضات الفنية، سواء عن هذا الاجتماع أو اجتماع لاحق. لكن الجانب الإثيوبي ممثلاً في وزير المياه والطاقة سيليشي بيكيلي، يرفض تماماً هذا الطرح، ويتمسّك باستقلال المفاوضات الفنية عن المسار السياسي أو حتى الاستخباراتي، بحسب المصادر الدبلوماسية المصرية، التي أوضحت أن بيكيلي يخشى توريطه ووضعه أمام حلول غير مرغوبة بقوة الأمر الواقع، ولذلك فهو في المحادثات داخل الحكومة الإثيوبية يتمسك باستقلال المفاوضات الفنية تماماً. تحاول واشنطن إقناع الدول الثلاث بحضور وزراء المياه والري وأكدت المصادر أنه على الرغم من اتفاق الدول الثلاث على الحضور، إلا أنه لا توجد تصورات لما يمكن أن يسفر عنه الاجتماع، في ظلّ رفض أديس أبابا الحديث عن أمور فنية، حتى إذا حضر وزراء المياه والري. غير أنّ إدارة هذا الاجتماع بواسطة وزير الخزانة الأميركي توحي بأنّ إدارة ترامب ترغب في الوصول إلى نتائج أعمق من مجرد عبارات دبلوماسية عن ضرورة توثيق التعاون والاستمرار في التفاوض كما كانت اللهجة في البيانات السابقة الصادرة عن الخارجية الأميركية، سواء في الأسابيع القليلة الماضية أو قبل ذلك. وسبق أن قالت مصادر بوزارة الري المصرية إنه عقب اجتماع السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في مدينة سوتشي الروسية الشهر الماضي، طلبت الخارجية من وزارة الري بعد اتصالات مع نظيرتها الإثيوبية المساهمة في وضع جدول زمني لجولة مفاوضات جديدة تبدأ باجتماع للجنة العلمية المستقلة المكونة من 15 عضواً بواقع 5 أعضاء من الدول الثلاث، ثم اجتماع ثلاثي لوزراء الري والمياه. وأضافت مصادر وزارة الري أنّ الجانب الإثيوبي رفض بشكل مبدئي مقترحاً مصرياً بحضور ممثلي المكتب الاستشاري الهولندي "دلتارس"، الذي أعدّ الدراسة الوحيدة المتكاملة عن القضية، الاجتماعات لإعادة تقديم بعض المعلومات مع التركيز على جوانب جديدة خاصة بإدارة فترة الملء الأول لخزان السد، وسط استمرار تعنت الجانب الإثيوبي إزاء مناقشة قضية كيفية إدارة المياه في فترات الجفاف المحتملة، بينما يبدي مرونة أكبر في النقاش حول الملء الأول للخزان. إدارة ترامب ترغب في الوصول إلى نتائج أعمق من مجرد عبارات دبلوماسية وسبق أن كشفت مصادر دبلوماسية مصرية في تصريحات ل"العربي الجديد" نشرت في 26 من الشهر الماضي، أنّ الخارجية المصرية طلبت من نظيرتها الأميركية المبادرة لاتخاذ خطوة وساطة من نفسها، بدلاً من انتظار التوافق الثلاثي على اللجوء إليها، وفقاً للصياغة غير الموفقة للمبدأ العاشر من اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/ آذار 2015، والذي يشترط "اتفاق الدول الثلاث" لاستدعاء الوساطة. وهو ما لا يتوفر رسمياً في الوضع الحالي، فالسودان الذي يبدو من الناحيتين الفنية والاقتصادية مستفيداً من بناء السدّ سبق أن جدد ثقته بإمكانية التغلب على الخلافات باستمرار المفاوضات، أمّا إثيوبيا فلم تصدر أي تصريح رسمي بشأن الوساطة عموماً والأميركية خصوصاً، ليستمر التناقض بينهما وبين خشية مصر استمرار إهدار الوقت من دون اتفاق. ودفع فشل جولة المفاوضات الأخيرة بين الدول الثلاث السيسي للمطالبة العلنية للمرة الأولى بتدخل الولاياتالمتحدة، إذ أصدر بياناً في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ذكر فيه أنّ "مصر تتطلع لقيام الولاياتالمتحدة الأميركية بدور فعال في هذا الصدد، خصوصاً على ضوء وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى طريق مسدود بعد مرور أكثر من أربع سنوات من المفاوضات المباشرة منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في 2015. وهي المفاوضات التي لم تفض إلى تحقيق أي تقدم ملموس، مما يعكس الحاجة إلى دور دولي فعال لتجاوز التعثر الحالي في المفاوضات، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يقوم على احترام مبادئ القانون الدولي الحاكمة لإدارة واستخدام الأنهار الدولية، والتي تتيح للدول الاستفادة من مواردها المائية من دون الإضرار بمصالح وحقوق الأطراف الأخرى".