قديما قيل (ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء) هذه الكلمات القديمة المتجددة توصف حالة من يحاول ويغامر ليصنع النجاح في السودان ، ففي كل العالم للنجاح بيئة ووسائل وأدوات ومشجعين بينما عندنا تغيب كل تلك المعينات البيئة والادوات والوسائل ولكن يتكاثر المثبطون والمعوقون وأعداء النجاح ، الغريب في الأمر تفوق ثقافة التخريب وأنعدام ثقافة المغامرة والتجريب ، وما الوصمة المتداولة حول كسل السودانيين في حقيقتها ماهي الإ حالة خوف من المبادرة والتجديد والمغامرة تسيطر علي العقل الجمعي لدينا فيكون النشاط في دوائر محدودة متوارثة. الثورة من اعظم اوجه المغامرة وطلب التجديد ، ولكنها غالبا ما تصطدم بالبيئة السودانية المذكورة آنفا وهي انعدام الادوات والوسائل والمتحمسين والمغامرين لتحقيق أشواق التغيير واهداف الثورة ، لأن هناك ثقافة سالبة تسيطر علي عقولنا وهي التي يتوالد في بيئتها أعداء التغيير ويتكاثر فيها عشاق التطفل والإسترزاق السهل وأنتظار الآخرين. وربما يكون كل مانحتاجه في السودان ثورة تقتلع الثقافة السالبة لتنشأ ثقافة جديدة تشجع التجريب والمغامرة وتعاقب المثبطين وأعداء التغيير ومدمني التطفل والفهلولة والإسترزاق عبر توظيف الفساد . التقييس علي ماذكرنا أعلاه يمكن التاكيد علي أن رئيس الحكومة الإنتقالية حمدوك ليس فاشلا ، بل انه رجل ناجح يحارب جيوشا من الفشل ويعمل في بيئة تكره التجديد وتنعدم فيها الأدوات والوسائل ويكتفي فيها أنصار الثورة وصناعها بالجلوس علي مقاعد المتفرجين أو قد تطالهم تاثيرات ترويجات اعداء الثورة فيسقطون في حبائل التثبيط والتنازع والتعويق. فتتحول الأدوات التي يعول عليها حمدوك لإحداث التغيير وبلوغ اهداف الثورة إلي خانة التحييد او التقييد وكلاهما يضر الوطن والمواطن ويجعل مهمة حمدوك وحكومته شاقة جدا. والفشل حالة نفسية تتلبس المجتمعات نتيجة سيطرة الوهم والعقائد المشوهة والإستسلام للروتين والإرتكاز علي التاريخ المزور والهوية المزيفة والإدعاءات الكذوبة . ولن تنجح ثورة مهما عظم شأنها الإ بإقتلاع الثقافة السالبة وتصحيح السلوك الفردي من عند التبول في الطرقات والجلوس فوق اكوام القمامة وحتي يطال التغيير من يتنافسون للجلوس علي القمة بالتدليس والخداع والمكر واستخدام السلاح والإحتماء بالجهة والقبيلة او الإرتهان لدول أخري. حمدوك ناجح إذا اقتحم الشباب مواقع العمل وتعلموا من جرأة فلسطيني تزوج سودانية وقرر بعزم وحزم الإتجاه إلي صحراء الخوي بشمال كردفان ليزرع ثلاثمائة فدان ويحيل الصحراء الي حقل اخضر ينتج محاصيل متنوعة وليبتكر بمشروعه سعادة أسرية لاتضاهي تصلح للرصد التلفزيوني أو التوثيق المفيد لنتعلم كيف أن الجرأة والمغامرة والهروب من دوائر الروتين هي أولي خطوات النجاح وافضل الطرق لإحداث ثورة حقيقية تجعل التغيير واقعا نتنفسه كما الهواء ونعمل علي تحقيقه كأفراد ومجتمعات لاتنتظر الحكومات ولا تعيش علي المنح والهبات والتسول بين دول العالم. إذن الثورة نجحت في اقتلاع نظام الإنقاذ ولكنها لم تنجح بعد في إقتلاع ثقافتنا البائسة (السالبة) ولم تصحح سلوكنا المخجل المتمسك بالروتين ومحاربة التغيير والسؤال إذا لم يكن حمدوك فاشلا فمن أين يأتي الفشل ؟؟ والإجابة بلا مجاملة الفشل يأتي مني ومنك ومن كل الشعب السوداني الذي يحسن في صناعة الثورات في الشوارع ولكنه لا يجيد المحافظة عليها او تمكينها لتقتلع فهمنا المتخلف للحياة وخوفنا المزمن من الجرأة والمغامرة والتغيير.ل صحيفة التحرير