يقول البعض من المهم أن تبلور لجان المقاومة رؤية سياسية وبرنامج يقدم كترجمة لما يطلبه الشارع. قلت: لا يمكن أن يحدث ذلك للأسباب الآتية: 1- لجان المقاومة شكل أفقي شبكي غير محدد، بلا نهاية ولا بداية، شكل تنظيمي يمكنك أن تدخله أو تخرج منه في أي وقت وكل حين، شكل يمكن أن ينقسم على نفسه كالأميبيا، الطبيعة الأفقية الشبكية الأميبية هذه لن تصنع قيادة، جوهريا هي تشكلات ضد فكرة القيادة أصلا. 2- ظاهرة الخروج في الشارع ظاهرة أوسع من ظاهرة لجان المقاومة نفسها، أكثر شبكية منها؛ بالتالي ومهما اجتهد البعض لنقل الناشطين في اللجان للتفكير السياسي سيجدون أنفسهم وفي لمح البصر خارج طريق الشارع، سيشعرون بالتناقض معه فيصمتون. فظاهرة الشارع هي محصلة علاقات شبكية أوسع تحددها الميديا الحديثة، وهي في عمقها نتاج من هيكل اجتماعي واقتصادي خلق فئات شبابية ضخمة في المدن، لا يستوعبها النظام الانتاجي والتوزيعي. ورغم ذلك هي خاضعة لثقافة ليبرالية عولمية تضع لها خطاب الحقوق في المقدمة بلا تفسير لما يحدث؛ هؤلاء هم المادة الخام للثورة الملونة واحتجاجات قوس قزح الحالية. 3- السياسة نفسها صارت مهنة وحرفة، بمعنى أن التنظير فيها يحتاج لمؤهلات علمية وأكاديمية وإدارية، وهذه المهارات تتوفر إلا في نخبة برجوازية جزء كبير منها صار خاضع لثقافة ليبرالية غير وطنية، هؤلاء لا يمكن الاعتماد عليهم في إدارة الدولة وإلا فرطوا فيها وفي سيادتها الوطنية، هؤلاء متحالفون مع الشرط الاجتماعي والثقافي الذي صنع اللجان وصنع الشارع وبالتالي هم غير حريصين على المواجهة ودعم ما يمسك الدولة السودانية من الانهيار. هؤلاء تجدهم يدورون في فلك اللجان والشارع وهم كاذبون فمصالحهم متحققة ومضمونه في كل الحالات. بالتالي لن يحدث جديد ولن نرى تقدم في السياسة الوطنية على المستوى القريب، وبالضبط هذا معنى المخاطر والاستهداف على الدولة الوطنية والثقافة الوطنية والإسلامية والمحلية، هذه الظاهرة التي نسميها ظاهرة (قوى التحلل والتفكك) تنبئ عن مستقبل مظلم لا يخرج عن سيناريوهين:- 1- حكم عسكري يضبط هذا التفكك، حكم يهاجم قوى اللادولة، اللاسياسة، اللاوطنية، اللاتفكير. وهذا سيناريو خطير نرفضه لسبب واحد هو: إن تحققه يعني موت السياسة، وبالتالي اللجوء للدفاع بقوة الدولة، وهذا الخيار غير ممكن على المدى الطويل لأن الدولة نفسها ضعيفة، وغير سليم لأن لحظة الانهيار ستأتي مع السقوط مباشرة. يجب ألا نواجه قوى التفكك والتحلل بخط دفاعنا الأخير. يجب أن نهاجم ونتحرك للأمام. 2- الانهيار والتفكك التام، لدويلات صغيرة، وشتات سوداني في كل مكان. هذه الصورة قاتمة بالتأكيد، وهي ناتجة من ظروف اجتماعية واقتصادية قبل أن تنعكس في مخطط سياسي أو تدخل خارجي، بالتالي فما نقوله ليس نظرية للمؤامرة، لأن المؤامرة هي النظام كله والشروط التاريخيةكلها. هل يمكننا إذن الحديث عن حل؟ نعم يمكننا دوما الحديث عن حلول، وكلمات الحل المفتاحية هي: (السياسة والحوار والتفاهم) في أي لحظة نرى فيها ما يمكن تسميته بسياسة عقلانية جادة، وحوار فعال وعميق وجاد، وتفاهم يقود لتوافق في حدود معقولة. في أي لحظة نرى هذه الأشياء سنجد حينها الحل مباشرة وهنا فدور المثقفين والسياسيين الوطنيين مهم، دور مواجهة الشروط الثقافية الليبرالية مهم، دور بعث قيم التضامن والتعاون مهم كذلك.