شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي كرتي والحركة الإسلامية .. بي وين السكة يا انتَ؟
نشر في النيلين يوم 21 - 04 - 2022


الحلقة الأولى
عزمي عبد الرازق
عشية إعفائه من منصبه التنفيذي بعد طول مكوث، ذهب الشيخ علي عثمان محمد طه إلى منزله الذي نزعته لجنة التفكيك لاحقاً، الكاميرا التي اختطفت وجه الرجل بينت حُمرة خجل وتقاطيب صغيرة، بيته كاد يتحول إلى صيوان عزاء، بعدها انزوى الرجل في مزرعة جنوب الخرطوم بكل ملحقات العزلة المجيدة، ليتأمل الزمن والرحلة ببصائر، ضمن الزوار الذين لم ينقطعوا عنه علي كرتي، ومن ثم خط رسالة رقيقة إلى الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير محمد الحسن، شهيد السجون الإنتقالية، راجياً منه استلام العهدة، والتي هي عبارة عن منزل في شارع أوماك وبعض الملفات، شيئاً فشيئاً بدا أن علي عثمان يرتب لمرحلة جديدة بعيد أن أغرق التجربة بتصوراته وأفكاره، لكن السؤال الذي ما انفك حينها، كيف غادر علي عثمان أمانة الحركة الإسلامية والقصر الجمهوري على ذلك النحو المفاجئ، ومن هو رجل الظل القوي الذي تولى إليه ودس في يده كلمة المرور؟
تلك الأجواء رسمت نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة، وقد انطلقت فعاليات الحوار الوطني بمشاركة الدكتور الترابي والإمام الصادق المهدي، لتوفر مخارج الطوارئ من مأزق السُلطة، أو ما يعرف بالهبوط الآمن، البشير كان على رأس أهداف التغيير أيضاً، لكنه لم يطمئن للترتيبات اللاحقة، خصوصاً الموقف من المحكمة الجنائية، حينها تفجرت أزمة التعديلات الدستورية، التي زحفت داخل مفاصل الحزب الحاكم بشدة، وكان علي كرتي ضمن خاصة الفاعلين في ذلك الملف، يميل في رأيه إلى الدفع بقيادة بديلة في انتخابات (2020) دون التفريط في سيادة البلد، وقد أدرك باكراً أن سفينة الانقاذ سوف تصطدم بجبل الجليد لا محالة.
تدحرجت ثورة ديسمبر ككرة الثلج وجاءت الأيام الأبريلية الحاسمة، وأُخذت السُلطة ورجالها وزخرفها على حين غِرّة. اللجنة الأمنية المؤتمنة كانت هى الأداة التي اقتلعت المؤتمر الوطني وتحفظت على رأس النظام في مكان آمن، أول المعتقلين الفريق عبد الرحيم محمد حسين رفيق البشير ومدير جهاز الأمن المكلف لتوه، بعد ذلك توالت الاعتقالات من قبل قوة مكونة من الجيش والدعم السريع، وتم التحفظ على قيادات الصف الأول، تم استدراج الدكتور نافع علي نافع برسالة مشفرة، ليسلم نفسه طوعاً، وقد انقلب حميدتي الذي جاء به البشير خصيصاً في ليلة الخناجر الطويلة تلك، ليبقى في الجوار، لكنه ليس وحده بالطبع من أشعل في الذاكرة ذلك المشهد الروماني الانقلابي" حتى حتى أنت يا بروتس؟" قصر الخرطوم أشبه بملعب المجالدين (الكولوسيوم)، لكن ابن ماركوس جونيوس لم يجاري قائده: إني أحبك لكني أحب روما أكثر، فما كان من القائد العظيم إلا أن قال: إذا فليمت قيصر.
المشهد الأول للبشير وهو يجلس على مقعد داخل المسجد الملحق ببيت الضيافة، وقد انتبه إلى تغيير أطقم الحراسة، تجاهل الأمر، بعدها بنصف ساعة لاحظ وجود ثلاثة ضباط لم يكن على صلة مباشرة بهم، تحلقوا حوله وأخبروه أن اللجنة الأمنية قررت استلام السُلطة، بينهم ضابط كان مكلفاً بنفس المهمة قبل نحو ثلاثة عقود تقريباً لصالح مجموعة عسكرية أخرى! لطالما ردد البشير آية الملك ونزعه، لم ينزعج وقد اكتفى بعبارة واحدة" خير .. أوصيكم بالوطن والدين" ثم حملته بعد ذلك سيارة عبد الرحيم دقلو إلى سجن كوبر خلف زجاج معتم كليل المدينة، وصيحات هستيرية في الخارج، وقد أخبره دقلو أنه لا يوجد مكان أنسب من كوبر لضمان سلامته، ريثما تهدأ العاصفة، لكنه بقى هنالك لثلاث سنوات، بمعية أمين الحركة الزبير أحمد الحسن، وكان التحدي الأبرز من سيدير الحركة الإسلامية بالخارج؟
كل الذين عرضت عليهم أمانة التكليف رفضوا حملها وأشفقوا منها، فحملها علي كرتي، وقبل التحدي وانخرط في أول مهمة وهى تجنب المواجهة مع القوات النظامية والكتلة الثائرة، من خلال السيطرة على المغامرين في المؤتمر الوطني، وفي الأجهزة النظامية كذلك، إلى جانب العمل على توحيد الشتات الإسلامي، ليأخذ بعيد ذلك عنوان التيار العريض، وقد رافقته في خلوته السرية أشواق قديمة، كان يفتل على جديلتها الدكتور الترابي، أدواته الظاهرة تسجيلات صوتية مشفوعة بالصبر على المكاره والعودة للمجتمع كأصل في الدعوة وتربية الفرد ومن ثم تجديد البيعة، يرفع شعار " كلنا عطاء" ويتجنب طريق "من جماجمنا ترسى زواياه" لكن مسألة خطيرة كانت تؤرقه، كما يبدو، نهض للقيام بها، قبل أن نخوض فيها سألت قيادي بارز في الحركة الإسلامية هل ثمة تنسيق أو تواصل بين كرتي والبرهان، كان رده مفاجئاً، غير متوقع، بالنسبة لي على الاقل.
نواصل
علي كرتي والحركة الإسلامية .. بي وين السكة يا انتَ؟ الحلقة الثانية
عزمي عبد الرازق
لمس الأشياء والتأكد منها، كانت هذه أحدى طُرق الفريق عبد الرحيم محمد حسين لمعرفة ما يحدث حوله، لذلك فارقه النوم في تلك الليلة. يساوره شعور دفين بأن صلاح قوش يخطط لانقلاب، وقد دنت ساعة الصفر بالفعل. بعد أن صلى ركعتين، وأزاح بعصاه شبح مؤامرة ما انفكت تطارده، غموض يحيط بكل المباني العسكرية وسط استعداد من الدرجة الأولى، وبالرغم من أنه لم يتم تكليف عبد الرحيم بعد بإدارة جهاز الأمن في تلك الليلة كما صوبت أسرته، يندفع مسرعاً إلى الخارج، سألته زوجته: ماذا هنالك؟ قال إنه يريد أن يذهب لمبنى الجهاز لينظر ما يجري على الأرض، ومن ثم يصلي الصبح حيث يصلي. البشير لوحده في بيت الضيافة تحاصره أصوات الثوار والطائرات التي تهبط في مدرج المطار بين الحين والآخر. الساعة الثالثة فجراً من أخر ليلة في عمر الإنقاذ، أدار محرك السيارة وشق عتمات الفجر بحذر، حاول إدارة مؤشر الراديو، لكن الإذاعات معظمها كانت متوقفة بعد أن استولت عليها قوة عسكرية. في الطريق أوقفته سيارة تابعة لجهاز الأمن، على متنها ضباط وجنود مدججون بالسلاح، وأخبره أعلاهم رتبة بما جرى، وقال له:" سعادتك .. عندنا أمر باعتقالك".
في الإجتماعات الملحقة بمكتب وزير الدفاع الفريق عوض بن عوف يدور نقاش صاخب، نياشين الضباط الكبار تتوهج تحت الأضواء الملونة، هنيهة من الصمت، وقد تم جمع الهواتف كلها، كانوا يخططون لخلع المشير في سرية تامة، ولكن من يبادر بقولها؟ من يفعل ذلك يزيح صخرة من الخوف جاثمة على الصدور، الفريق قوش ينظر إلى نائبه جلال الشيخ. ماذا تريد أن تقول يا جلال؟ ويندفع جلال بحماس دولفيني " الرئيس لازم يتنحى، بالحسنة .. بالقوة" صمت رهيب يعم المكان، ثم أردف أخر " نحن عاوزين نحقن الدماء، فما مكن عشان نفر واحد يموت الآلاف"، يبدو ان جلال الشيخ مأمور يبحث عن مسحة بطولية. ينظر الضباط إلى بعضهم البعض بتحديق متوتر، كما لو أنهم بالفعل في حاجة إلى أول من يرمي بحجر على البركة الساكنة.. قوش يتنفس الصعداء، ومن ثم يتداخل الفريق عوض بن عوف، يريد أن يذيع البيان الأول ويقود التغيير حتى لا يصبح هدفاً له، ويذهب إلى السجن.
الأضواء الكاشفة تغمر المكان، في شرفة مطلة على الفناء الخارجي ينفث قوش دخان سجارته، يركض مدير مكتبه في الفضاء الرحب ركض الخائفين. فجأة يقتحم أحمد الشايقي مدير شركة زادنا التابعة للجيش غرف الإجتماعات، ويمسك بخناق أحدهم، وهو يلسعه بالقول "خائن.. خائن" يفض الحضور الإشتباك.. يقف عبد الرحيم دقلو بكلتا قدميه على سور الشرفة، يتراجع قليلاً خشية أن يرميه أحدهم من الطابق الثاني، الأنفاس منقبضة واللحظات حرجة رهيبة، أبواق السيارات في شارع النيل تردد في معزوفة متناغمة " تسقط بس" ويبدا دسيس مان في تأليف الأغاني التي هى مزيج من جلالات الجيش والكلمات الثورية.
المكان. مركز الدراسات الاستراتيجية، ينعقد اجتماع هام وخطير لغرفة دائمة معنية بإدارة الأزمة. ضمن الحضور على كرتي، علي عثمان، سيد الخطيب وأحمد هارون، كانت الخطة "ب" معدة سلفاً لإدارة حوار ساخن، طويل ومثير حولها. في حال غدرت اللجنة الأمنية بالحركة الإسلامية كيف سيكون التصرف؟ يفتأ الشيوخ الكبار يتصفحون صور الضباط واحداً بعد الأخر، كمال عبد المعروف منا والطيب بابكر أيضاً، الجهاز والشرطة لا يستطيعان وحدهما التورط في انقلاب، ولكن ماذا عن البقية؟ مكالمة هاتفية يتلقاها علي كرتي تحول مسار النقاش إلى النقيض تماماً، ولسان حالهم " لسنا بطير مهيض الجناح"، بدا أن الحركة الإسلامية سوف تصيد مع الصياد وتعدو مع الطرائد، ولذلك كان موقف علي كرتي الرافض لإنقلاب رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب، محيراً ومربكاً، وقد أبطله بالفعل، لسبب ما.
نواصل
علي كرتي والحركة الإسلامية .. بي وين السكة يا انتَ؟ الحلقة الثالثة
عزمي عبد الرازق
النبرة المتشفية في صوت حميدتي كانت تقول كل شيء أثناء التحقيق مع رئيس هيئة الأركان السابق الفريق هاشم عبد المطلب. لقد حاول حميدتي وهو يقوم بدور المحقق كونان، في سلسلة المانغا، أن يورط الحركة الإسلامية، بسؤاله الاستدراجي لهاشم: هل قابلتهم؟ لكنه فوجئ برد هاشم عندما ذكر له أنه تلقى اتصالات مختلفة من قيادات الحركة، ونصحوه بالحرف: " الكلام دا بجيب دم ما تستلمها" وسمى منهم علي كرتي، عوض الجاز، الزبير أحمد الحسن، بشكل دفع المسربين لقطع التسجيل، وإظلام مشهد الاعترافات، والإكتفاء بخديعة القبضة اللازوردية للدعم السريع. لقد كان ذلك الانقلاب أشبه بأوردر سابق لطابعة رديئة الصُنع تسرب الأوراق شيئاً فشيئاً بعد تركها، ولا يبدو أن رئيس الأركان يريد بالفعل إنهاء المشهد السيادي الذي صنعه المجلس العسكري الإنتقالي برئاسة برهان وحميدتي، كما أسفرت النوايا التي تخلى عنها صاحبها، وقبعت في "فلاش" مُهمل تحت تصرف الأبناء.
نحن الأن في أبريل_صيف 2019، السيارات والأقدام والبرقيات المشفرة التي تغمغم بين مبني الجهاز ووزارة الدفاع، كانت تحاول رسم أخر مشهد في حقبة الإنقاذ، وكان البشير لا يزال يحمل أكبر رتبة في الجيش السوداني، وقد بلغ عمره حينها (76) عاماً قضى منها في الحكم (360) شهراً، وفي هذا الشهر تحديداً كان مأخوذاً بما يجرى حوله ولم يكن مضطرباً، بعد أن عزل نفسه من الناس والأضواء، فنذر للرحمن صوما لا يريد أن يكلم إنسيا، وقد فوض اللجنة الأمنية بصورة كاملة للتعامل مع التطورات، كثير من قيادات الحزب الحاكم يحاولون الوصول إليه دون فائدة، وقد وضع صلاح قوش هواتفهم تحت الرقابة، وزرع أعينه في القصر وبيت الضيافة، وظل يرقب حتى خطوات الضباط المكلفين بعزل البشير من خارج اللجنة، أحدهم المفتش العام الفريق عبد الفتاح البرهان، والأخر هو اللواء محمد عبدالله قائد استخبارات الدعم السريع، الذي أعفاه حميدتي لاحقاً، كان البشير قد تعود على ظهور محمد عبد الله داخل مسجد بيت الضيافة بحكم وجوده السابق في الحراسة، كأحد ضباط الجيش المُعارين للدعم، لكنه لم يتعود على مشهد تغيير أطقم الحراسة دون علمه، وقد أدخل في روعه ظهور العقيد عبد الغني الماحي مدير الأمن الوقائي، وأحد رجال صلاح قوش، الذين أوكل له مدير الجهاز مهمة وضع دائر خاصة لحماية البشير ومنعه أيضاً من التحرك ضد الانقلاب الذي بلغ أخطر مرحلة، حد أن بن عوف أوقف البث التلفزيوني بمجرد تحرك البرهان وبدا بث المارشات العسكرية بالفعل ومراجعة المسودة الأولى للبيان، وقد لاحظ البشير أيضاً وجود قوة بديلة للحرس الرئاسي التي كان يشرف عليها ضابط الاستخبارات اللواء سيف الدين، الذي رفض الذهاب قبل تاكده بأن الأجهزة النظامية كلها وراء هذا التغيير، فيما تجاهل البشير كل ذلك ومضى يشق رصيف بيت الضيافة بتؤدة إلى داخل المسجد الصغير، ومنه إلى الإقامة الجبرية، وقد غاص في متاهة جنرال ماركيز، حين قال لجوزيه بالاسيوس: منذ الساعة السابعة من صباح القرن لم أسمع صياح الديكة. فقال جوزيه: لا توجد هنا ديكة. قال الجنرال: لا يوجد شيء، إنها أرض خونة.
في تلك الليلة الأخيرة كانت الأوراق الجافة تتساقط من شجر اللبخ على رؤوس المحتشدين قرابة ميدان القيادة، الأقدام الثائرة تغص في وحل مرعب، بعد محاولات فاشلة لفض الإعتصام، وقد شعر المؤتمر الوطني أن ثمة أمر يدبر له في الخفاء، الرمال تتحرك تحته أقدامه بسرعة، وقد فوجئ أحمد هارون أثناء اللقاء التلفزيوني ليلة الخميس أن اللجنة الأمنية أوقفت المسيرة التي كانوا يعدون لها، وهى أشبه بمسيرة الردع أواخر أيام جعفر نميري، لكنه لم يعرف من أين ستأتيه الصفعة، لقد كانت مؤلمة، لقد كانت مُباغتة. وتحول الرباط في المركز العام للمؤتمر الوطني بشارع المطار إلى تحصيل حاصل، وذلك بعد أن طرح أعضاء المكتب القيادي عدة سيناريوهات للتعامل مع المستجدات على الأرض، من بينها مهاجمة اجتماعهم هذا، الساعة تزحف نحو الثانية فجراً، بعض الحضور قرروا الذهاب إلى منازلهم، والبعض الأخر ممن لديهم شكوك ذهبوا إلى بيوت سرية.
في مركز الدراسات الاستراتيجية يستدعي سيد الخطيب مثل فرنسي شائع استخدمه " أندرية موروا " عنواناً لإحدى رواياته " غير المتوقع يحدث دائماً "، خصوصاً بعد أن اقتحم صلاح قوش ذلك الاجتماع ليتفحص الوجوه، وأخبرهم أن الجهاز أعد خطة لفض الإعتصام، وليس عليهم أن يقلقوا، كان كرتي ضمن الحضور، ويعرف أن قوش على صلة سرية بقوى الحرية والتغيير، مجموعة المهدي ومحمد وداعة، وقد جلس إليهم أكثر من مرة في شقة عبد الرحمن الصادق وسط الخرطوم، ودس قوش في أذن الإمام الصادق المهدي عبارة مربكة على سبيل المزاح، لكنه في الحقيقة كان يحاول معرفة ردة فعله، قال له: (البلد بلا رأس تعال قودنا!).
بدأت الحركة الإسلامية تكثيف اجتماعاتها في أكثر من مقر، وانخرطت في طرح كل السيناريوهات المتوقعة بما فيها سيناريو الانقلاب، ظهور خلية بعثية داخل الجيش، هجوم الحركات المسلحة على العاصمة الخرطوم، حركة السفراء الأجانب ووكلاء المخابرات العالمية، وفي الوقت نفسه توزع الحرس القديم بين المدن الثلاثة، أو ما يعرف بالبيوت الأمنة، مزرعة أحمد إبراهيم الطاهر كانت أحد مقار الاجتماعات، وكانت زوجته تطبخ لهم طول مدة الإقامة، وقد أمن علي كرتي في مكان أخر على حديث الشيخ الزبير أحمد الحسن بأن أعضاء اللجنة الأمنية لهم حق تقدير الموقف والتصرف، دون أن يتخيلوا تطور الأحداث المندفعة كالشلال، لكنه بعد ذلك طغى سؤال أثار حالة من الجدل وهو كيف انتقلت قيادة الحركة الإسلامية إلى علي كرتي بينما يوجد نائب أخر للأمين العام، هو حسبو عبد الرحمن؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.