طرفا الحرب في السودان يتقاتلان على مستودعات الأسلحة والوقود    شاهد بالفيديو.. طلب غريب من ادارة الهلال السوداني لمواجهة النادي الصفاقسي والإعلام التونسي يسخر من خطوة ممثل السودان    شاهد بالفيديو.. في السودان.. مواطنون يؤدون الصلاة تحت صوت الرصاص المخيف بخشوع وثبات وجمهور مواقع التواصل: (اللهم نسألك ثبات كثبات هولاء)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تكشف عن تلقيها تعليقات غزل حربية من أحد معجبيها (عيناك جميلة كجمال السوخوي ألف دعامي يتمنى إسقاطها)    ورشة القطاع الزراعي بالنيل الازرق تصدر بيانها الختامي    إرتفاع أسعار الزيوت والصابون وإستقرار أسعار السلع الأخرى بسوق مدني    الخارجيةتدين إقتحام المليشيا المتمردة سفارات الصين وفلسطين ومنزل سفير عمان    صبري محمد علي (العيكورة) يكتب: حبيبي حوٌل لي وأنا أحوٌل ليك    عقد تاريخي مع اتحاد جدة.. كم يتقاضى بنزيما في اليوم والساعة والدقيقة؟    الأعلى للجامعات الخاصة: استيعاب الطلاب العائدين من السودان    هل يهدد الذكاء الاصطناعى و ChatGPT صناعة الإعلام فى العالم؟    كيم كارداشيان تبحث عن شريك جديد .. إليكم الشروط!    التنفس من الفم أثناء النوم ضار بالصحة    قوات الدعم السريع تقتحم وتنهب عمارة الصحفي والأكاديمي د. عبد المطلب صديق بالأزهري    القضارف: ترتيبات لتوفير الامن الغذائي بزراعة سبعة ملايين فدان    البرهان يتلقّى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية السعودي    وكيل وزارة التربية والتعليم يكشف تفاصيل جديدة حول امتحانات الشهادة الثانوية والعام الدراسي    كان بيعمل حاجات غريبة .. ممرضة طبيب روض الفرج تشهد ضده في قضية هتك عرض    لمسة الشبح .. نقرات مرعبة تهدد باختراق أجهزة المحمول واقتراب يوم الصفر    شركة هجرة وتوظيف تستولي على أموال فتاة    البامية تساعد في إنقاص الوزن وتعزيز صحة القلب وضبط السكر وتحسين مستويات طاقة الجسم    ما هو دايت الآيس كريم؟ وكيف يمكن أن يساعد في إنقاص الوزن الزائد؟    تجديد حبس تاجر عملة بالسوق السوداء 15 يوماً    قصة الشهيد البطل عثمان مكاوي    الحدود المصرية.. خاصرة أمنية رخوة للاحتلال الإسرائيلي    في إفتتاح دورة فقداء نادي الفريع الأهلي .. الفريع يقدمُ عرضاً كروياً ممتعاً ويُمطر شباك الحسناب برباعية:    لماذا كنا ضد الدعم السريع؟    تنويه جديد من شركة (زين)    تنويه بشأن خدمات "بنكك"    البنك المركزي يتعهّد بضخ النقد للبنوك لبدء التمويل الزراعي    الثغر والسامبا يتعادلان بدورة السلام بحى كادوقلى    ضمن الدورة التنشيطية بكسلا المكينات المحلية تسحق المنشية بثلاثية نارية    معرض المدينة المنورة للكتاب يختتم فعالياته بحصيلة مبيعات تجاوزت 3 ملايين ريال    فنانة سودانية شهيرة تقود حملة للتبرع بالدم    حكمان سودانيان في نهائي الكونفدرالية    الدعم السريع يقصف القاعدة الجوية في وادي سيدنا بأم درمان من منطقة الخوجلاب في بحري    الخرطوم الان : انفجارات وقذائف مدفعية عنيفة في امدرمان صباح اليوم في ثاني أيام الهدنة    حسن فضل المولى يكتب: ظروف بتعَدِّي..    تطورات مهمة بشأن خدمة (بنكك)    السلطات في السعودية تحبط محاولتي تهريب    واتساب يكشف عن ميزة طال انتظارها    جبريل إبراهيم يبحث ثلاث نقاط    توجيهات حكومية بشأن صرف المرتبات    تنويه مهم من (زين)    عادل الباز يكتب: أنس.. وهيهات    صحيفة أرجنتينية تكشف عن 5 وجهات محتملة لميسي    مداهمات واعتقالات في السعودية    نقل "أوراق امتحانات" يؤدي لمصرع شرطي وإصابة آخرين    فيديو / الدعم السريع يستعين بجندي أسير لأداء أنشودة في المديح النبوي    وزير الصحة يؤكد استمرارية خدمات التحصين    أهالي الحارة ال58 (المثلث) بمدينة أم درمان يناشدون القوات المسلحة لحمايتهم من عصابات النيقرز    ظهور لمتطوعي الأمن الأهلي والجزولي يكشف التفاصيل    وفاة (7) من مرضى الفشل الكلوي بسبب المواجهات    (فَإِنَّ مَعَ 0لۡعُسۡرِ يُسۡرًا .. إِنَّ مَعَ 0لۡعُسۡرِ يُسۡرࣰا)    الرابح خسران    أحكام دينية: صلاة التهجد.. وقتها.. حكمها وكيفيتها    فنشقى!    هيئة كبار العلماء في السعودية تردّ على دعوة إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبد الماجد يكتب: الكنداكة جريزيلدا
نشر في النيلين يوم 22 - 05 - 2022

لم تكتف بالوفاء له وهو على قيد الحياة، وإنما ظلت وفيّة لها حتى بعد رحيله من هذه الحياة. أوفت له وهو ميت وأوفت له وهي ميتة، حيث اوصت بأن تدفن بجواره بعد موتها، وقد تحقق لها ذلك لتحقق كل الوفاء وهي تقبر امس الى جواره في مقابر حلة حمد بالخرطوم بحري.
انها (جريزيلدا الطيب) زوجة المفكر والعلامة البروفيسور الطيب عبد الله. المرأة التى بددت مخاوفنا من (الخواجية) أم عيون خدر.
في قصص الحب (قيس وليلي) و (عبلة وعنتر) و (روميو وجوليت) لا يوجد مثل هذا الوفاء الذي لم يكن مجرد قصة او قصيدة شعر نقرأ عنها في التاريخ، وإنما كان ذلك (الوفاء) واقعاً جسدته جريزيلدا في حياتها ومماتها ايضاً لزوجها البروفيسور عبد الله الطيب. ان الحب والإخلاص سوف يكون فخوراً بهذه القصة التى جمعت بين (عبد الله وجريزيلدا).
سنجد في واقعنا المعاصر ما نضاهي به التاريخ والخيال في الحب والوفاء.
العالمي الطيب صالح نجح في ان ينقل الثقافة السودانية للخارج، واستطاع ان يجعل الرواية السودانية رواية عالمية بهجرته الى بريطانيا واستقراره هناك. والعالم عبد الله الطيب نجح في ان ينقل الثقافة السودانية من الخرطوم والدامر. ومن هنا من السودان لم يهاجر من السودان رغم الفرصة التى اتيحت له وهو في بواكير حياته وفي قمة طموحه، ليترك وظيفته في لندن ويأتي للسودان ليعمل في بخت الرضا. وهذا الوفاء والحب للسودان انتقل من عبد الله الطيب لزوجته جريزيلدا التى استقرت في السودان حتى بعد رحيل زوجها عبد الله الطيب في عام 2003م، لتسير على دربه وتبقى في بلاد تصل درجة الحرارة فيها الى (50) درجة في فصل الصيف، مع قطوعات الكهرباء ولسعات الباعوض وإغلاق الشوارع والجسور.
هي بعد أن تجاوزت التسعين كانت تستحق ان تستقر في بلاد آمنة ومستقرة بعد ان هاجر ابناء السودان من بلادهم. وفضلت هي ان تبقى في بلاد يموت فيها الانسان بالرصاص الذي يصوب على الاعناق والرؤوس من السلطات.
(2)
لقد استحقت جريزيلدا لقب (الكنداكة) بجدارة واستحقاق. ولا اتخيل ان هناك امرأة في الارض يمكن ان تترك الامبراطورية التى لا تغرب فيها الشمس، لتأتي وتعيش في مستعمرة تلاحقها الخرافات في احدى دول العالم الثالث.
امرأة كان والدها محاضراً في جامعة لندن، وكان عبد الله الطيب (الطالب) وقتها حسب قول جريزيلدا نفسها في احدى الحوارات الصحيفة عن المضايقات (العنصرية) التى تعرض لها عبد الله الطيب في بريطانيا تقول عنه: (قبل الزواج من عبد الله ذهب مع أحد أصدقائه الى مانشستر وعندما دخل القطار قام أحد الركاب بطرده).. ومع هذه النظرة كانت تقول جريزيلدا عن عبد الله الطيب: (اول ما شدني اليه (وسامته) وحديثه وجمال أسنانه).. انه الحب الذي جعل شمس عبد الله الطيب لا تغرب حتى بعد رحيله.
لم تتحدث عن علمه وثقافته ونبوغه وإنما تحدثت عن وسامته وحديثه وبياض اسنانه.
(3)
عندما تزوج الاديب العالمي الطيب صالح من (أجنبية) استقر معها في لندن، وكذلك فعل محمد مفتاح الفيتوري الذي استقر مع زوجته المغربية في المغرب.. وفعل السر قدور نفس الشيء وهو يستقر في القاهرة بعد ان تزوج من مصرية.
البروفيسور عبد الله الطيب مع انه لم يرزق بالبنين فمع زواجه من الانجليزية جريزيلدا استقر في السودان واستقرت معه زوجته جريزيلدا في الدامر اولاً ثم في الخرطوم بعد ذلك، لتظل في دار زوجها حتى بعد رحيل زوجها في عام 2003م في منطقة برى (المترّسة) التى تحتجب سماؤها بالغاز المسيل للدموع وتطلق فيها الذخيرة الحية، وتصدر السفارات الخارجية من وقت لآخر تحذيرات لرعاياهم في الخرطوم من اجل اخذ الحيطة والحذر او مغادرة البلاد.
هذا الوفاء لا يمكن ان تجده عند احد حتى عند (السودانيات)، فكيف ان كان عند فنانة وباحثة انجليزية مثل جريزيلدا؟ الفاتنة التى تركت اهلها ووطنها وجاءت من اجل ان تبحث في اللغة العامية السودانية وزوجها عالم في اللغة العربية ولغة القرآن الكريم.
كان عبد الله الطيب سبباً في ان يدخل جريزيلدا في الإسلام، وان يجعلها (سودانية) بهذا العمق الذي يجعلنا اكثر فخراً بهذا الوطن.
كتب عبد الله الطيب (من نافذة القطار) وكتب عن الاحاجي السودانية، لكن (جريزيلدا) كانت اجمل قصص عبد الله الطيب.. كانت سودانية بتفاصيل (الاحاجي) التى يكتب عنها عبد الله الطيب رحمة الله عليه.
(4)
جريزيلدا شربت (المواصة) وعملت (الرواب) وعاست (الكسرة) ولبست (التوب السوداني) وولعت (الرتينة) ولفحت (الصينية) من الديوان وسمعت محمد وردي وشاهدت مباراة الهلال والمريخ وكتبت في خطاباتها لعبد الله الطيب (مشتاقين).
فعلت كل شيء من أجل عبد الله الطيب لتمنحنا من قصة زواجها وارتباطها بالعلامة عبد الله الطيب مثالاً حياً للوفاء والإخلاص.
اعطتنا مثالاً (للوطنية) حين يمتد عشقها للسودان لتحلب (اللبن) وتصر (الغنم) وتقيف في الباب وتلخ (العجين) وتتحدث بالعامية (يا زول ويا فردة).
. يستحق عبد الله الطيب ان نضع صورته على العملة السودانية تقديراً للعلم والعلماء.. اما جريزيلدا فهي تستحق أن يطلق اسمها على اكبر شوارع العاصمة الخرطوم او مدينة الدامر التى كانت جريزيلدا تجامل اهلها وتدخل في بيوتها وتشارك في افراحها وأتراحها وتدخل في (الختة) مع نساء الحارة التى كانت تسكن فيها.
مهم ان نطلق اسمها على احدى قاعات جامعة الخرطوم، وعلى احد شوارع منطقة بري العريقة. واقل شيء ان نرد الوفاء لمن كانت تمثل (الوفاء) كله.
(5)
استمر زواج عبد الله الطيب وجريزيلدا (55) عاماً منذ عام 1948م الى رحيل عبد الله الطيب في عام 2003م، لتقدم لنا جريزيلدا بعد ذلك أبهى صور الوفاء والإخلاص حتى وفاتها وقبرها جوار زوجها في يوم الجمعة المباركة في 20 مايو 2022م.
هذا العمر من الوفاء والرفقة والصحبة الطويلة هو الذي منح السودان رجلاً في قامة العلامة عبد الله الطيب.
لا اريد ان اقول ان عبد الله الطيب بدون جريزيلدا لن يكون عبد الله الطيب، ولكن اقول ان السودان بدون هذه المرأة كان سوف يفقد الكثير.
نسأل الله لها الرحمة والمغفرة والجزاء على هذا الوفاء والإخلاص، ونحسبها إن شاء الله في عليين.
(6)
بغم/
هذا الوطن العظيم أحياناً لا نعرف قيمته إلا عند الآخرين.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.