شاهد بالصورة والفيديو.. بعد أن سألها على الهواء مباشرة "انتي مرتبطة؟".. الفنان المصري سعد الصغير يعرض على "مونيكا" الزواج والمطربة السودانية ترد عليه (انت عايز تأكل بس)    الخلية الأمنية تقبض على معدات متطورة لتزوير العملة بحي المعمورة بالخرطوم    والي الجزيرة يكشف عن خطة إسكان جديدة لأسر الشهداء    الطاهر ساتي يكتب: المهزوم نفسياً..!!    على ذمة مواقع مصرية.. أنباء عن اغتيال قائد مليشيا الدعم السريع "حميدتي" إثر هجوم بطائرة "بيرقدار"    شاهد بالصورة والفيديو.. بعد أن سألها على الهواء مباشرة "انتي مرتبطة؟".. الفنان المصري سعد الصغير يعرض على "مونيكا" الزواج والمطربة السودانية ترد عليه (انت عايز تأكل بس)    شاهد بالصور والفيديو.. بأزياء مثيرة للجدل.. زوجة فنان الثورة السودانية تشعل مواقع التواصل في أول ظهور لها على السوشيال ميديا والجمهور يسخر: (دي القروية الكنت بتغني ليها؟)    شاهد بالفيديو.. الفنان المصري سعد الصغير يطيل الغزل في المطربة السودانية "مونيكا" ويصفها بالبسبوسة والكتكوتة: (آيه دا حلوة أوي وطاعمة أوي.. الله على رموشها الله على خدودها)    شاهد بالفيديو.. الفنان المصري سعد الصغير يثير غضب السودانيين أثناء ترحيبه بالفنانة "مونيكا": (أنا أعرف أن السوداني لازم يبقى أسود أو أسمر لكن من السودان وبيضاء أزاي مش عارف!!)    خسارة مصر أمام أوزبكستان تدق ناقوس الخطر    خالد عمر يوسف: تصريحات روبيو الأخيرة تدعم مسار الرباعية ولا تنسفها... والسلام خيار السودانيين أولاً    الإعيسر: أرواح ودماء أبناء وبنات الشعب السوداني أمانة في أعناقنا جميعاً    اتحاد الجنينة يرد على ادعاءات رئيس اللجنة القانونية باتحاد الكرة السوداني    عامر حسن عباس يكتب: الامارات تسعى لإجبار دولة جنوب السودان لدخول الحرب .    إرتفاع أعداد النازحين بالدبة إلى (40) ألف شخص    خسارة لتصحيح المسار    دبابيس ودالشريف    ضربة روسية قوية بصواريخ كينجال على مواقع عسكرية حساسة في أوكرانيا    من هوانها علي الدنيا والناس أن هذه المليشي المتشيخ لايعرف عن خبرها شيئاً .. ولايعرف إن كانت متزوجة أم لا !!    الالعاب الإلكترونية… مستقبل الشباب في العصر الرقمي    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    تعادل الإمارات والعراق يؤجل حسم بطاقة المونديال إلى موقعة البصرة    إظلام جديد في السودان    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    روبيو يدعو إلى وقف إمدادات الأسلحة لقوات الدعم السريع السودانية    نجم ريال مدريد يدافع عن لامين يامال: يعاملونه مثل فينيسيوس    المنتخب الوطني يتدرب بمجمع السلطان قابوس والسفير السوداني يشّرف المران    لافروف: أوروبا تتأهب لحرب كبرى ضد روسيا    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    غرق مركب يُودي بحياة 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    أردوغان يعلن العثور على الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنفاسُ الهويّة: في ذِكرَى رَحيْل العِملاق عبد الله الطيّب
نشر في الأحداث يوم 21 - 06 - 2012

إنه يوم خميس آخر، وفي يونيو أيضاً، ولكنه يوم خميس أعمق حزناً وأشدا سواداً وأفدح أثرا، ذلك أن العظيم عبد لله بن الطيب، آثر أن يرحل عنا فيه إلى رحاب الله، فخلف في أعماق أمّته من أحاسيس اليُتم والفقد ما قد لا تطيقه الجسوم ولا العقول..
كنا في لندن من بين آخر الذين تحدثوا إليه قبل يومين من سقوطه مغشيا عليه في بيته في «لويشام»، جنوب شرق لندن، ثم دخوله هذه الغيبوبة الطويلة التي غادرنا بعدها في يونيو 2003، إلى الرّحاب العليا. كان سعيداً بشوشاً وقتها، ولندن في صيفها بحرارته النسبية تلك، وقد جاء إليها الراحل لتوّه من المملكة السعودية بعد زخم احتفالات نيله جائزة الملك فيصل للآداب لعام 2000 ميلادية. آثر أن يبر سفارة بلاده في لندن بزيارة خاصة وما غادره إجهاد السفر، وأن يترك آخر طبعة من كتابه الأحاجي السودانية ، هدية لمكتبة السفارة.. ثم ذهب إلى «لويشام»، ثم إلى الغيبوبة الطويلة.
كانت الجوهرة - جريزيلدا - رفيقة عبد الله، أستاذ الأجيال ، في رحلته الطويلة الغنية - هي رفيقته أيضاً في غيبوبته تلك . حزينة كانت، لكنها كانت حريصة أيضاً ، لأن ترى كيف يقدر الناس هذا الطود الذى غدره المرض. تقاطر السودانيون المقيمون في لندن والزائرون من خارجها، إلي مستشفي كرومويل حيث يرقد عبد الله ، صغيرهم وكبيرهم، الشعبيون والرسميّون، ثم من الإخوة العرب الذين يعرفون قدر الرجل ومكانته في خارطة الثقافة العربية. ولكن حين تذكرت الجوهرة أن الرجل الذى أقتسم الجائزة معه لم يفتح لله عليه برسالة أو مكالمة هاتفية مباشرة أو غير مباشرة يسأل فيها عن صحة العملاق ، تلوّن حزنها بحسرة عميقة محسوبة . فالجوهرة هذه المرة أدهشتنى لكونها الآن مثل غيرها من السودانيات بنات جيلها ، ينظرن في مثل هذه الظروف من زاوية العتاب المُحبب، «والما لامك، ما رادك»، فا للوم عند السودانيين، مجلبة للمودة والحميمية المزيدة. وما ذهبتْ بعيداً عن هذا، الجوهرة – جريزيلدا، فقد سودنها عبد الله، وأحسن سودنتها. أما د. عز الدين إسماعيل الذي اقتسم الجائزة مع الراحل العلامة فقد درس في جامعة الخرطوم في كلية الآداب تحت رئاسة الراحل عبدالله الطيب، وقد توفاه الله بعد ذلك في عام 2007.
(2)
لهذه السيدة الجليلة أصدق عزائنا. هذه السيدة التي حفظت هذا الطود وحافظت عليه، حتي غادر هذه الفانية، فأورثها والأمة معها ، يتماً عارماً.. وفقدها هي له - أعرفه، قد تضاعف ثلاثاً، فقد كان الطود، زوجاً وأبا وإبناً، وفقدتهم جميعاً، ذلك الخميس الحزين. وما بقي لها إلا أن تواصل برها بابنة أختها، براً يماثل برّ الراحل بابن أخته في حياته، أو هومثل برّ كليهما ، بالوطن السودان وبأبناء السودان . تعلمنا أن نقراء، ومنذ بداياتنا في فك الخطّ، إسم عبد الله الطيب في الصفحات الأولي من كتب مناهج تعليم العربية في المدارس الأولية، ثم ونحن في قاعات جامعة الخرطوم، نتحلق في قاعة «الون أو تو» (102)، تحلق المريدين بشيخ العارفين.. كنتُ في كلية الاقتصاد وقتها، ولكننا كنا نسترق السمع إلى محاضرات معلم الأجيال ولا يلحقنا شهابٌ رصدا من طرف الكلفين بأستاذهم في كلية الآداب. يجلجل صوت العملاق وهو ينتقد الشعر الحديث، وبعض رواده المحدثين من أبناء العربية، ويعجب أن لا يدرك هؤلاء، إنما يأخذون ممن أخذ أصلا من بضاعتهم. ويثبت لك بالدليل، كيف أستلف ت. س. إليوت معانيه في أرضه الخراب، من بعض شعراء العربية.. يلسع محدثينا من الشعراء ببيت يردده:
لو كان عبد الله عبداً عذرته
ولكن عبد الله عبد مواليا
كان معلماً شاملاً، تعهّد أجيال السودان في مراحل تعليمهم، منذ مراحل التعليم الأولية ، ثم الإبتدائية وحتى الجامعة، وما بعهدها، كما لم يبخل بعلمه علي طالبيه من وراء الحدود، وقد آثر حينا من الدهر أن يخرج بعلمه – وقد ضاقت به البلاد على سعتها – إلى آفاق أنجز فيها وأبدع، وأسّس فيها للسودان اسماً وذكراً يخلد مع الأيام، في كانو وفي فاس.. وكأنّي به في رحلته تلك، يلاحق آثار فرسان تغريبة بني هلال في الزمان الغابر.. وما كان الملك الحسن الراحل في المغرب، يطرب أو يستذوق لياليه «الحسنية» في رمضان من كلّ عام، إن لم يكن من بين نجومها أعزّهم وأغزرهم علماً ، فقيدنا العملاق عبد الله بن الطيب . يجلس أمير المؤمنين، الملك الهمام، إليه جلوس التمليذ إلى أستاذه.. وذلك ملكٌ كان يدرك جلال العلم وسمو مكانة العلماء العارفين، عليه الرحمة.
(3)
يخذلنا القلم، خذلانا مبينا، ونحن نجهد أن نكتب أسطرا، نعزى فيها أنفسنا.. قبل أن نعزيك في فقده، أيتها الجوهرة. فقد أحدث رحيله شرخاً في دواخل أمّة تتكون، ونقصاً في استواء هويتها وتخلقها. وكنت قد كتبت في نوفمبر من عام 2000، كيف أنّ الراحل قد حمل في رحلته الكثير من سمات هوية الوطن. فقد كان عملاقنا عميداً للأدب العربي، يتحايل على الإعتراف بعمادته من يدعون حراسة العربية ، فهوية العملاق العلامة– هذا الواقف في منطقة رمادية بين دائرتي انتماء عربية- إسلامية، وأخرى أفريقية - هوية تثير نوعاً من الانزعاج والتوتر عند هؤلاء الحرّاس.. تحايلوا على منحه جائزة للادآب، كان يستحقها كاملة حتى من قبل أن تنشاء تلكم الجائزة. تحايلوا لمنحها له مناصفة مع من هو في مقام تلميذ له. إن في هوية الراحل العملاق ما يشكل انعكاساً لهوية الوطن بأكمله، في نظر الرائي الحصيف.
ولعلي أرى في انتماء الجوهرة إلى العملاق، وجهاً من وجوه رحلة الهوية هذه. قدمتْ هذه السيدة الطيبة من بلادٍ يهلك الناس في صقيعها، إلى بلادٍ يفتك التهاب السحائى بأهليها. تسامى إنتماؤها الصرف إلى العملاق، إلى مراقٍ ميتافيزيقية من التوحد والتمازج والإندماج. لا أنتوى عسفاً في الرؤية، غير أني أرى كبيرنا في الدبلوماسية والشعر، محمد المكي إبراهيم، صادقاً في المعالجة ، إذ يقول:
لا أنتمي أبدا إليك
ولا أطيق تخليا..
ألا ترى معي إشكالية الهوية في الإزدواج، وفي معراجها من الإنتماء الحرفي الصرف إلى الإنتماء الميتافيزيقي المركب؟ إن ثراء الهوية فيما أري، هو في ازدواج تراكيبها، تماما كما يتركب السحر في النيل، من نيليه الأبيض والأزرق، عند امتزاجهما في المقرن يلتقيان، فلا تتبينهما في النيل الواحد.. تأمل معي كيف سمّي ديوانه الأول أصداء النيل!
(4)
رحل العملاق ، وإني أرى في رحيله الآن، ما يحفزنا لأن نرتق ما انفتق من جروح الوطن ، وأن نلحقها بالرعاية والتطبيب، إذ أن رحيل رمز لجيل كامل وسابق ، لهو إشارة علي إكتمال وعي جيل جديد لاحق، وأن الأجيال تلاحق بعضها بعضاً، تواصلاً وإتصالاً ، فلا تنقطع حبال الهوية أو يعتريها اهتراء. نجزع الآن، أيما جزع أن تقسرنا صروف الدهر وصروف السياسة ومصانعاتها، إلى التحاكم إلى صناديق الإقتراع حول هويتنا.. إن التحدّي الماثل لهذا الجيل هو في أن تتسامي رؤاه، وتتسامق آماله، وتتصافي إرادة بنيه ، فتنمو البذرة التي دفنها جيل الآباء- وعبد الله آخر عقدهم - في تراب الوطن، شجرة مباركة، تضرب هويتها السودانية في عنان السماء.
إن عبد الله كتاب أمة ، فهل تواري الأمة كتابها في الثرى..؟ وأنّ البيت الذي ببري، قد «بيّن» فيه عبدالله ، و حريّ بنا أن نبقيه - وجامعة الخرطوم معنا - صدقة جارية ومركز اشعاع، بل جامعة موازية... له الرحمة والمغفرة..
صحيفة سودانايل الإلكترونية يونيو2003 - لندن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.