في زمن الحرب، ليس من الصعب أن تُقنع شعباً أنه يقف على حافة الفقد العظيم، إن كان يستشعر الخطر الذي جرّف ماضيه ويلامس أعصاب حاضره الحية ويشوه مستقبله القريب والبعيد، فالشعوب في أزمنة الحروب لا تنتظر من يوقظ فيها روح المقاومة، أو يُعيد ترتيب أولوياتها بالدعوة إلى التهدئة أو يفرض عليها هُدنة! ولا يدور غرضنا هنا للتأكيد على أن الحرب في السودان ليست مجرد نزاع على سُلطة وإن بدأت كذلك، ولا لبيان أنها خصومة بين جماعة 56 ومليشيا مُتمردة، ولا للقول بأنها صراع يُهدِّد نسيج الدولة وسلامة المجتمع، إنما يدور غرضنا للإنطلاق من تصنيف وتوصيف دقيق تستحيل معه الحلول التي لا تخاطب جذورها أو تُعالج أصلها، فحربنا هذه حرب وجودية ودعوة صريحة لاستعادة شروط البقاء المتمثلة في دولة تحمي، ومجتمع يتماسك، وقيم لا تنهزم أمام الفوضى. فالوجود هنا ليس لجسد، بل لهوية وطن، فإذا تشظت مؤسساته وانقسمت ولاءاته وضاعت حدوده، فقد تُرفع الراية اليومية لحياة الناس، ولكن تسقط الراية الكبرى للوطن! السودانيون لا ينتظرون من أحد مِخاطبة ذاكرتهم الحيّة، وما الذي جرى لأمنهم؟ وما حل بمعاشهم – دع عنك المادي – بل الذي فقدوه معنوياً ونفسياً واجتماعياً، ثكالى وأرامل وفاقدي سند وتشوهات وجدانية، وحالة إحباط عامة وذكريات سُلبت قبل سلب المُقتنيات، وهل هناك من مفر غير الحديث عن التجريف المُتعمد للحضارة والآثار والمتاحف والمكتبات ودور العبادة؟ وكيف يُتجاوز هتك الأعراض والإشارة إلى الخوف وقد صار لغةً مُشتركة بين الجميع؟ هذه الشواهد ليست لرفع حالة القلق، بل هي حقائق تُخبِر بأن الحرب تتسلل إلى تفاصيل حياتنا، وأننا إن لم نتكاتف لرفع البلاد من وهدتها، فقد نجد أنفسنا غرباء في وطن يتضاءل أمام أعيننا، ويضيع! فحربنا هذه كما قال الجنرال والفيلسوف الصيني (سون تزو) في كتابه (فن الحرب) تحتاج منا أن ندافع مثل الأرض، ونهاجم مثل السماء! وللاهثين لفرض الهدنة – رباعية كان مصدرها أو ترامبياً – نقول: إن معركتنا هذه ليست معركة طرفين، بل امتحان لوجود الوطن نفسه، وأن خلاصه يتأتى بالسلاح، وبوعيٍ جمعيٍ يُدرك أن السودان إذا انهار، فلن يبقى لأحدٍ ما ينتصر به أو عليه! عصام الحسين إنضم لقناة النيلين على واتساب Promotion Content أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك