لا أحد ينكر أن الفساد له أشكال مختلفة استشرت في مجتمعنا. *فأضحى كالسوس الذي ينخر في عظام الوطن. *وهناك من يساهمون في ترسيخ الفساد في كافة قطاعات الدولة. *وتعتبر الرشوة أحد أشكال الفساد بمسمياتها المختلفة. *فمن الصعوبة أن يتم إنجاز خدمات جماهيرية للمواطنين في المصالح والمؤسسات الحكومية دون دفع (رشوة). *بل أصبح من الغريب أن تجد امرءاً يطلبها بكل جرأة ووقاحة. *وإن كنا لا ننكر أن هناك العديد من الذين يتمتعون بالنزاهة. *وينجزون عملهم دون اللجوء لتلك الأساليب الفاسدة. *لقد استفحلت ظاهرة الرشوة نظراً للظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد. *ولا ندري إن كانت هناك دراسات قد أعدت من قبل منظمات للنزاهة والشفافية حول ما تجذر من رشاوى في المجتمع. *وتمركزها في قطاعات حكومية بعينها. *ولكن المؤكد أنها تلتهم المليارات من الجنيهات سنوياً. *وندرك أن السودان قد تراجع في القائمة بين الدول المحاربة للفساد. *ربما يكون قد احتل (مرتبة) عليا.. حتى بلا قطن أو اسفنج!! *ونعتقد ونظن أن أكثر من 50% من المواطنين يقبلون الرشاوى. *تحت بند الاكراميات والعمولات.. ولا عزاء للأخلاق. *إن الحكومة التي سوف تُشكل في مقبل الأيام عليها أن تنظر بعين الاعتبار لظاهرة الرشوة. *وتحاول طرح حلول جدية لها وتعاقب المرتشين بالفعل.. لا قولاً. *ونعلم أن المشرع يعاقب على جريمة الرشوة في مواد بعينها. *وإن كنا نؤمن إزاء هذا الأمر أن الوقاية خير من العلاج. *إن تكدس الإدارات الحكومية بالموظفين ليس له فائدة. *فيجب تقليل أعدادهم ورفع الكفاءة لديهم مع رفع مرتباتهم. *لا شك أن مما ساعد على توغل هذه الظاهرة هناك (البعض) ممن استفحلت ثرواتهم خلال العقدين الماضيين وصارت كسباً غير مشروع. *فثراء البعض على حساب الآخرين يعتبر فساداً أخلاقياً لا يقره أي دين. *إن تجاهل الأسباب التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة الرشوة. *لن يقود إطلاقاً إلى الحد منها.. بل إلى التشجيع على ممارستها. *لأن الرشوة وهي أحد أذرع الفساد تأتي نتيجة لغياب الديمقراطية الحقيقية. *وتأتي نتيجة لسوء توزيع الثروات. *وعدم توفر العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع المختلفة. *ونخشى أن تصبح الرشوة سمة من سمات الترشيح في الانتخابات القادمة. *إن تحقيق العدالة الاجتماعية يحد من انتشار الرشوة ويمتص الحقد الطبقي بين من لا يملك ومن يملك. *إن كثيراً من سياسات الحكومة ضربت قيم المجتمع وحلت محلها قيم فاسدة بل واستحدثت قيماً عجيبة لم يسبق لها مثيل. *ومنها سياسة التعيين في القطاع العام وخاصة في الوزارات منتفخة الأوداج .. وأصبحت معوقاً للتنمية. *إن الرشوة بالأساس تنتج عن طريق وجود ضعف يعاني منه المجتمع.. *لهذا يقوم بعض الأفراد داخل مؤسسات المجتمع المختلفة بممارسة الرشوة. *كنوع من التعويض عن الدخل الضعيف الذي لا يتناسب مع احتياجاتهم. *نحن هنا لسنا استثناء لأن الرشوة معروفة في الوطن العربي من محيطة إلى خليجه. *ولأنها أصبحت فهلوة وشطارة فقد اطلقت على الرشوة اسماء اخرى. *فهي عندنا (مسح الشنب) وفي مصر (شخشخ جيبك) وفي المغرب (حق الحلاوة) وفي الجزائر وليبيا (القهوة) وفي اليمن (حق القات). *إن الرشوة ليست وليدة عصرنا الحديث بل ظهرت بعد انتهاء حكم الخلفاء الراشدين وأخذت مصطلح (البذل والبرطلة). *وتجلت في العصر المملوكي والعثماني والكارثة أن (التوزير) والمناصب الحساسة كان يأتي عن طريق (الرشوة). *ونشير إلى (أغرب) رشوة تلك التي قدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية للزعيم جمال عبدالناصر وهي حوالي 6 ملايين جنيه مصري آنذاك.. *للتأثير عليه بعدم مناصرة قضية تحرير الجزائر في وجه الاحتلال الفرنسي. *فما كان من الزعيم ناصر إلا أن أخذ الملايين الستة وبنى بها (برج القاهرة). *ليكون أثراً يتذكره الأمريكان بأسى لأنه لم يحقق لهم رغبتهم!!