بحضور وزير الداخلية ومدير الجمارك.. ضبط (141) كيلو جرام من مخدر الآيس    رئيس نادي المريخ السوداني يكتب تدوينة متفائلة قبل مواجهة فريقه المصيرية أمام الجيش الملكي    شاهد بالفيديو.. أموال طائلة "مشتتة" على الأرض بإحدى الطرق السفرية في السودان ومواطنون يتسابقون على جمعها ويفشلون بسبب كمياتها الكبيرة    شاهد بالفيديو.. على أنغام "سوي كدة لمن يسحروك".. الفنانة هدى عربي تشعل مواقع التواصل بوصلة رقص مثيرة خلال حفل زواج أسطوري بالقاهرة وشاعر الأغنية يكتب لها: (الله يفرحك زي ما فرحتيني)    شاهد بالصور.. الشاعرة داليا الياس تخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات وسط جنود الجيش: (أنا زولة بحب الجيش جداً وأي زول بيعرفني كويس عارف إني كنت شرطية في يوم من الأيام)    السودان تزايد الضغوط الدولية والبحث عن منابر جديدة للتسويف    على مراكب الغباء الكثيرة الثّقوب: دولة 56 والحمولات القاتلة    ارتفاع معدل التضخم إلى 218% في أغسطس    شاهد بالصورة.. من أرض المعركة إلى أرض الملعب.. مستنفر بالقوات المسلحة يوقع في كشوفات أحد الأندية الرياضية وهو يرتدي الزي العسكري    شاهد بالصور.. الشاعرة داليا الياس تخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات وسط جنود الجيش: (أنا زولة بحب الجيش جداً وأي زول بيعرفني كويس عارف إني كنت شرطية في يوم من الأيام)    "يقابل بايدن وهاريس" الذكاء الاصطناعي والاقتصاد وغزة والسودان.. "أولويات" في زيارة بن زايد لواشنطن    موجة الانفجارات الجديدة في لبنان تشمل الهواتف وأجهزة البصمة وأجهزة الطاقة الشمسية وبطاريات الليثيوم    وزير الداخلية المكلف يلتقى بمكتبه وفد تنسيقية الرزيقات بالداخل والخارج    عاد الفريق حسب الي مكتبه برئاسة الجمارك .. ويبقي السؤال قائماً : من يقف وراء مثل هذه القرارات؟    المريخ يواصل التدريبات وعودة قوية الي رمضان    عثمان جلال: الواثق البرير ما هكذا تورد الإبل    أطهر الطاهر ضحية الانتقادات الإعلامية والجماهيرية    (كونوا بخير ياأسياد فكل المخاوف في هلالكم أمان)    نقل الرئيس السابق ورفاقه الى مروي لتدهور حالتهم الصحية    والي الخرطوم: تلقينا طلبات من منظمات لاعادة اعمار الولاية    توضيح من شرطة ولاية نهر النيل    هل تنقذ المدرسة الإيطالية أحلام رونالدو؟    باليوم والتاريخ وتحت شعار "وداعاً لن ننساكم".. قائمة طويلة بأسماء مشاهير سودانيين "شعراء وأدباء وفنانين ولاعبي كرة وسياسيين" بلغ عددهم 43 شخص فارقوا الحياة بعد نشوب الحرب في السودان    نصيحة لصلاح.. ستصبح "الأفضل" في تاريخ ليفربول    شاهد بالفيديو.. الكوميديان محمد جلواك يسخر من الحسناء "لوشي": (أنا الحمدلله بي أولادي انتي شوفي ليك "شوكلاتة" أزرعيها) وساخرون: (ضربو يا حكم)    حادث درنة الليبية.. مصرع 11 عاملًا مصريًا وإصابة 15 آخرين .. تفاصيل    خروج 8 من ماكينات غسيل الكُلى عن الخدمة بمستشفى المُجلد المرجعي    التعادل السلبي يحسم قمة مانشستر سيتي وإنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا    وزير المالية الإتحادي يواجه ما يمكن تسميته بتضييق مساحات الحركة واللعب    هل يمكن تفجير الهواتف المحمولة مثل "البيجر"؟.. خبير "تكنولوجيا" يجيب    ضبط بكاسي تحمل كربون نشط ومواد    العلاج الوهمي.. مخاطبة العقل لمقاومة الأوجاع    محجوب فضل بدري: أنقذو عبد الرحيم    تمشيط أحياء واسعة بالأبيض من قبل قوات العمل الخاص    دراسة تكشف التغيرات بدماغ المرأة خلال الحمل    الشاعر والحرب.. استهداف أزهري أم القصيدة؟    وفاة الموسيقار حذيفة فرج الله    إدانة رجل في هونغ كونغ.. بسبب قميص "مثير للفتنة"    شيخوخة السكان.. كيف أثرت على اتجاهات شركات الأغذية؟    المرصد السوداني يدين قصف طيران الجيش للمدنيين وتدمير البنى التحتية    ترامب: خطاب بايدن وهاريس هو السبب في إطلاق النار عليّ    جابر يوجه بتكثيف العمل فى تأهيل طريق القضارف الحواتة    متحور جديد لكورونا يثير المخاوف.. هذه أبرز أعراضه    شاهد بالفيديو .. "شالو نومنا وشالو نعاسنا شالو روحنا وشالو انفاسنا" أداء رائع بمصاحبة الكمان    حوجة البشرية للاقتصاد الاسلامي، وقصة إنشاء بنك فيصل الاسلامي    ضحايا ومصابون بحادث تصادم قطارين في الزقازيق    500 يوماً مناصفة بين مناطق الجيش والدعم السريع (5)    القضية هزّت البلاد..محكمة تركية تصدر قرارها    لجنة أمن ولاية الخرطوم تؤكد إستقرار الوضع الجنائي وتتخذ تدابير لمكافحة الظواهر السالبة    ترامب: المناظرة أمام هاريس لم تكن منصفة بحقي    الداخلية السودانية تصدر قرارا    الحرب وتضخم الأسعار    مساعد البرهان يبشّر بتشغيل باخرة نيلية بين السودان ومصر    القبض على سعد الصغير في مطار القاهرة    دار الإفتاء توضح حكم التطوع بالصيام فرحا بمولد النبى الكريم    نُذُرُ الموت    مصطفى ميرغني: جنازة الخوف    أبناء المهاجرين في الغرب وتحديات الهوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبدالوهاب الأفندي : الرواية الخاطئة (والصحيحة) لسيناريو الإبادة في سوريا ومصر
نشر في النيلين يوم 01 - 01 - 2014

ظلت الرواية المتداولة حول تحول الثورة السورية من احتجاج سلمي يطالب بالديمقراطية لكل السوريين إلى حرب أهلية مزقت سوريا شيعاً، ظلت هذه الرواية تعاني من تضارب باختلاف هوية الراوي. فبحسب الثوار، فإن شراسة النظام ضد ثورة سلمية وجامعة هي ما دفع السوريين للدفاع عن أنفسهم، وبحسب النظام فإن الثورة كانت هجمة إرهابية منذ البداية، غذت نيرانها جهات أجنبية تريد إضعاف سوريا وضرب دورها المقاوم.
ولا داعي بالطبع لإضاعة أي وقت في تفنيد رواية النظام، لأنه حتى لو كان صادقاً في أنه يحارب الإرهاب فإن طريقته تؤكد عدم صلاحيته لهذه المهمة. فهو كمن يطلق الرصاص على رأس طفله ليهش الذباب عنه. فقد بدأ النظام إطلاق الرصاص الحي على المدنيين وتعذيب الأطفال لإرهاب المتظاهرين، ثم ثنى باستخدام أسلحة الدمار الشامل لتدمير مدن ومجتمعات بكاملها. وهذه سياسة قديمة، جربها في تل الزعتر وحماة وكل منطقة أخرى تمردت عليه: استخدام أقصى درجات القوة لإخضاع من لا يقبل الركوع وتقبيل الأحذية. ولكن هذه السياسة فشلت لأن الشعب صدق في شعاره: ‘الموت ولا المذلة'. فقد شهدت سوريا وستشهد موتاً كثيراً، ولكنها لن تذل أو تهان بعد اليوم.
ولكن رواية المعارضة تحتاج إلى تصحيح بسيط يتعلق بدور الجيش. ذلك أن المشكلة لم تبدأ بصراع مسلح بين المدنيين والنظام، لأن المدنيين لا قبل لهم بمواجهة الجيش السوري وأجهزته القمعية المتوحشة. ولكن ما حدث هو أن العديد من أفراد الجيش لم يعودوا قادرين على تحمل المهام البربرية التي كلفوا بها، فبدأوا بالهروب من الخدمة، دون اي نية لمحاربة النظام، بل كل ما كانوا يريدونه هو عدم تلويث أيديهم بدماء أهلهم. ولكن النظام لم يكن يقبل أن يكون هناك من يتنزه عن المشاركة في جرائمه، فهو مثل زعيم عصابة المافيا، يصر على تلوث أيدي كل افراد العصابة بالدماء لضمان ولائهم.
من سياسة النظام كذلك ممارسة الإرهاب ضد أنصاره قبل غيرهم لضبط المتفلتين. يكفي ما اتخذ من إجراءات ضد رفعت الأسد، وخطف شبلي العيسمي، واعتقال كثير من العلويين وقادة الحزب لمجرد الشك في ولائهم. ويتم تهديد كل موال باستهداف أسرته في حالة تذبدب ولائه، وذلك لأن شياطين النظام يعلمون أن الكثيرين مستعدون للموت من أجل قضية، ولكنهم لا يقبلون التضحية بأطفالهم وأسرهم. لهذا فإن سياسة الابتزاز هي المفضلة لذلك النظام. وكجزء من هذه السياسة، قرر النظام تلقين الجنود الهاربين درساً يفهمه الجميع، فأخذ يتتبع الهاربين، وينكل بالمدنيين الذين يقومون بإيوائهم. ولهذا شهدت بداية الثورة السورية في درعا وحمص وغيرها مشاهد سريالية وبطولية في نفس الوقت: مدنيون يقومون بإيواء الجنود وحمايتهم بأجسادهم من بطش نظام لا يرعى احدا، ويدمر البيوت على رؤوس ساكنيها لإرهاب كل من يجرؤ على إيواء جندي.
عندها أدرك الجنود أن مجرد الهرب لم يعد يكفي، فأخذوا يتجمعون ويتسلحون للدفاع عن أنفسهم. وهكذا تشكل الجيش الحر، كنتيجة حتمية لحماقة النظام وعنجهيته الدموية. ولكن النظام بدلاً من أن يعترف بفشل سياسته ويبحث عن خط رجعة، قرر المضي إلى النهاية في تلك السياسة رغم الكوارث التي تسببت فيها للنظام قبل غيره. وهذا يعني أنه تورط ويتورط في جريمة الإبادة الجماعية، وهي جريمة أنشئت الأمم المتحدة خصوصاً للتصدي لها. وقد كان ميثاق منع ومعاقبة الإبادة الجماعية من أوائل المواثيق التي تبنتها الأمم المتحدة، ولم يحدث أن أفلت مرتكب لهذه الجريمة من العقاب منذ إجازة الميثاق، ولن تكون الحالة السورية هي الأولى باي حال.
وفي الأيام الأخيرة، أخذت الحالة المصرية تقترب كثيراً من الحالة السورية، حيث تجاوز الأمر الحديث عن أن مصر على حافة الحرب الأهلية، وأصبح الجميع يعترف بأن مصر الآن في قلب تلك الحرب المستعرة. ولكن هذه حرب غير اعتيادية لأنها من جهة حرب من جانب واحد، ومن جهة أخرى حرب ثلاثية الأضلاع. فالحرب يشنها النظام وأنصاره ضد الأحزاب التي كسبت الانتخابات ويوقن هؤلاء بأنها ستكرر الفوز، وعليه لا مفر من إعلان أنصارها جميعاً إرهابيين وقتلهم وسجنهم، حتى لا يربحوا أي انتخابات قادمة. وعندما تعقد تلك الانتخابات، ويفوز فيها السيسي، سيعلن النظام أن كل الحديث عن انقلاب لا معنى له، لأن الرئيس منتخب من 99′ من الشعب، تماماً كما كان مبارك والقذافي وصدام والأسد وبن علي. وعاشت الديمقراطية!
ولكن من جهة أخرى فإن هذه الحرب ثلاثية الأضلاع، لأن هناك في مصر، كما في سوريا، تنظيمات متطرفة تحارب النظام بسلاحه. إلا أن الأنظمة توجه ضرباتها للمدنيين العزل بدلاً من تلك التنظيمات. والنتيجة هي أن الحركات المسلحة تتكاثر عدداً وتزداد انتشاراً وقوة رغم جهود الأنظمة، بل بسببها. وفي الحالين، فإن سياسة الأنظمة هي ممارسة الإرهاب على أوسع مدى من أجل إخضاع هذه الغالبية المشاكسة، مهما كلف ذلك. وهذا هو تعريف الإبادة الجماعية التي تورط فيها النظامان، ويغرقان في وحلها، كما ظهر من القرار الاعتباطي بتسمية حركة الإخوان حركة إرهابية، مما يجعل من مصر عاصمة الإرهاب في العالم باعتبارها تؤوي خمسة ملايين إرهابي على الأقل!
وهذا يعني أن مصر على أعتاب أكبر عملية إبادة جماعية في تاريخ المنطقة بعد سوريا والعراق ودارفور. ذلك أن المجموعة الحاكمة في مصر في سباق محموم مع الزمن لإعادة صياغة مصر كما يشكل النحات التمثال، باستخدام الإزميل والتخلص من ‘الزوائد'، سوى أن الجسد الذي يجري نحته هو جسد حي من لحم ودم. وقد تم تجريب هذه العملية أكثر من مرة في السابق، مع كل نظام حكم مصر منذ عام 1882.
وبعد تقطيع الكثير من اللحم، وإراقة الكثير من الدم، يكتشف النحات أنه فشل في تشكيل المخلوق على هواه، ثم يأتي نحات آخر يريد أن يعيد الجسم شكلاً آخر. وقد تم تقطيع أوصال مصر عدة مرات وإعادة رتقها في جراحات لم تترك في جسد مصر مكاناً للسيوف أو السهام. فمرة كان التحدي هو القضاء على الإقطاع ومرة محو آثار العهد الناصري ومرة التخلص من الإسلاميين. والأمر أشبه اليوم بما حدث عندما قمعت ثورة عرابي بإنزال جيش أجنبي، سوى أن الشعوب لم تعد تقبل الاستعمار بجيش أجنبي أو محلي، فذلك زمان ولى.
الفرق هذه المرة كذلك هو أن ‘الطبيب' المداوي ليست لديه أي خبرة بالطب، ولا يملك أي مشروع سوى محاربة الشعب. فنحن هنا أمام تحالف ‘أقليات' من مخلفات العهدين المباركي والناصري ورموز الفساد ومجموعات الخائفين والموتورين، لا تجمع بينهم إلا كراهية الإخوان، قلوبهم شتى ولا يحسبهم أحد جميعاً.
وقد أدرك هؤلاء أن خطتهم لن تنجح إلا ببث الكراهية بين المصريين، فأخذوا يوقدون نارها ليل نهار، وهي لهيب يحرق صاحبه قبل أن يهلك ضحيته المفترضة. فنحن أمام جمهورية الحقد والكراهية، كما كان الحال في صربيا حين تجبرت في الأرض وعاثت فيها فساداً، أو في رواندا التي تولى الإعلام الرسمي وشبه الرسمي فيها التحريض على المجازر. وقد حوكم كبار المسؤولين في راديو الالف تل (راديو ميل كولين) وصحيفة ‘كانغورا' بين عامي 2000 وعام 2009، وحكم على عدد منهم بالسجن مدى الحياة وواحد بالسجن 35 عاماً في محكمة رواندا الأممية في أروشا والمحاكم المحلية بتهمة التحريض على الإبادة الجماعية. وتذكرنا أجواء مصر وإعلامها هذه الأيام بأجواء رواندا، حيث تربع ناشرو الكراهية والبغضاء على عروش الإعلام والسلطة مثلما تربع متطرفو الهوتو على عروش الكذب والضلال في أيامهم، فبدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار.
وفي كل من مصر وسوريا تجذرت الكراهية وأصبحت ديناً، بحيث أن هذه البلاد أصبحت تتدحرج نحو خراب مؤكد، وستمر سنوات طويلة قبل أن تخرج من أنقاض هذه البلدان وخرائبها كيانات قابلة للحياة، ولله الأمر من قبل ومن بعد. وهذا يعني بدوره أن هذه البلدان ستصبح ساحة للتدخلات الأجنبية، ليس فقط لأن الإبادة الجماعية تحت أي مبرر لم تعد مقبولة في عالم اليوم، بل قبل ذلك وبعده لأن مثل هذه الأنظمة الانتحارية تستدعي التدخل استدعاءً. فمن يخرب بيته بأيديه يخلق حالة من الجوع والخوف والاضطراب تدفع الخارج دفعاً للتدخل دفاعاً عن مصالحه، خاصة في منطقة حيوية مثل هذه. وعلى كل فإن الأنظمة التي تقتل شعوبها تحتاج إلى دعم خارجي مستمر، وهو لا يأتي على شكل صدقات، لأنه لا توجد في العالم صناديق خيرية لدعم الإبادة الجماعية وتشجيع المجازر. ولمثل هذا الدعم ثمنه المعروف. وكما جاء في محكم التنزيل، فإن عاقبة من ينفقون أموالهم في مثل هذه المهام معروفة: ‘فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون'.
صحيفة القدس العربي
د. عبدالوهاب الأفندي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.