درجت إسرائيل على إرسال الرسائل للعرب، ودرج العرب كذلك على تلقيها وفك شفرتها، دون أن يكون بمقدورهم، تجاوز مربع الخذلان والاستسلام، واسرائيل بعدوانها على أسطول الحرية الذي أراد إيصال المؤن والغذاء إلى غزة المحاصرة، وأراد كذلك أحرار العالم في كل مكان كسر الحصار على غزة والى الأبد، هؤلاء المتآزرون والمتناصرون في الإنسانية أصبحوا بين عشية وضحاها إرهابيين، وأضحت مناصرة غزة جريمة يعاقب المشارك فيها والداعي إليها والداعم لقافلتها، بل أكثر من ذلك يسفك دمه ويسفح، ومن ينجو يقاد الى المعتقلات تحت سمع العالم وبصره. وعمرو موسى أمين الجامعة العربية، يعبر في بلاهة لا أدري إن كان فطر عليها، أو استجدت عليه في خريف عمره، يعبر بقوله: إن اسرائيل لا تريد بفعلتها التي فعلتها وبجريمتها التي ارتكبتها، لا تريد سلاماً، وإنه لابد من البحث عن وسائل أخرى تفهم اسرائيل لغتها، هذا نوع الكلام (اللا يودي ولا يجيب)، كيف لموسى بعد كل هذه السنوات من عمر الصراع أن يكتشف فجأة، أن اسرائيل لا ترغب في صلح مع العرب، إسرائيل قالتها من أول يوم، ولكن السيد العربي، لا يريد أن يفهم حتى لا يتهم بالتفريط في كرامته والتخلي عن سيادته، والتنازل عن شرفه. اسرائيل بفعلتها التي فعلتها، صحيح أنها صدت الأسطول وحبسته من الوصول الى غزة الجريحة، لكن اسرائيل أخطأت خطأ عمرها، وارتكبت فضيحة لا يمكن مداراتها ولا التستر على سوأتها، فبعدوانها البربري والهمجي على أحرار العالم، إنما وضعت نفسها في مواجهة مجموعات، لا تيأس من متابعة قضيتها، ولا تكف عن فضح اسرائيل ونبش جرائمها الإنسانية، وهي ذات المجموعات التي أفلحت اسرائيل ولزمان طويل في اقناعها، أنها كانت ضحية الهتلرية والنازية الألمانية، واستنجدت بأوربا وبأحرارها، ليعوضوها الظلم الذي حاق بها وليدفعوا عنها الوحش العربي، والهمجية الفلسطينية وإرهاب حماس، وصدق هؤلاء المحبون للإنسانية، أن اسرائيل يحتوشها غول عربي، ولكنهم من بعد الهجوم الذي وقع عليهم أدركوا واستيقنوا كذب ادعاءات اسرائيل، ورأوا رأي العين وحشيتها، ولمسوا كذلك كيف أن اسرائيل تنسج الأحابيل وتفبرك الحيل وتحتال وتختال لتسفك الدماء غير هيابة ولا مرتاعة ولا ملتاعة. وضح للعالم جلياً، كيف أن اسرائيل تملك القدرة على تلوين وتزييف الحقائق، الآن اسرائيل حولت الإنسانيين والبرلمانيين والحقوقيين الى إرهابيين، والآن تصور موقف جنودها القتلة، أنهم كانوا مدافعين عن أنفسهم، وذائدين عن حوض أمتهم، وما دروا أن أمتهم على امتداد التاريخ ظلت أمة طريدة شريدة، كتبت عليها الذلة والمسكنة وحلت وحاقت بها اللعنة. خطأ اسرائيل المميت أنها نقلت المعركة الى ميدان عالمي، وفقدت بفعلتها الخرقاء، مجموعات كانت مؤازرة لها ومناصرة، وأيقظت ضميراً أوربياً ظل غافياً، إن لم يكن مغيباً ومحجوبة عنه المعلومات. إن الذي حدث يستفز كل الأحرار وكل أصحاب الضمائر الحية، و يكشف كم باتت هي خربة المؤسسات والمنظمات الدولية، وكيف أن تغيير أوباما ارتد على البشرية عنجهية ووحشية وبربرية. ولكن مثلما قال الشاعر: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم. وها هي تركيا التي ظلت على الدوام تحاول أن تلعب دوراً متوازناً في القضية، هاهى اسرائيل تدفعها دفعاً لخانة العدو والغريم، ولتغادر مرة واحدة مربع الحليم. صحيفة الحقيقة