في الرد على أنجلو، هذا العنوان لفت انتباهي عبر زاوية \"رؤيا\" في هذه الصحيفة يوم الأحد الماضي. لم أقرأ تعقيب أنجلو، لكن عند اطلاعي على ردك أدركت الحقيقة, حقيقة الخطاب الاستعلائي منذ الاستقلال إنها لغة قديمة لو كنت جلابي ولما عقبت لأن اللغة تلك لا تشبه أبناء الغرب الغرّابة. من الذى دوّن تاريخ السودان القديم ؟( والماسك القلم ما بكتب نفسو شقي ) ومن هنا كانت بداية التهميش الحضاري والثقافي والسياسي، قلت: ( كان السودان عبارة عن ممالك وسلطنات فماذا كان الجنوب وقتها تحديداً) أليس هذا تناقضاً؟ جهلك وجهل الشماليين بماذا كان الجنوب وقتذاك وتجاهلك وتجاهل الشماليين للجنوب الآن هو الذى قادنا لما نحن فيه اليوم.. وذهبت بعيداً حينما ذكرت, وتتعامى النخبة الجنوبية الانفصالية عن قراءة تاريخ هذه البلاد - إنها عبارة مفخخة واستهلاك لجمل وعبارات حفظناها وفهمناها نحن أبناء الجنوب العجم قبل الإخوة العرب الشماليين - إلى متى تظل النخبة الشمالية المثقفة تفترض الغباء في الجنوبيين. فيا أخي مريود جنوبيو اليوم ليسوا هم جنوبيو 1947 ليسوا هم الجنوبيون الذين كان يتاجر بهم الزبير باشا، لا تستطعيون تمرير أجندتكم الخبيثة هذه المرة مهما حاولتم بشتى تلك الأساليب المعروفة والمكشوفة باسم الدين تارة وباسم القبلية وإثاره النعرات العنصرية تارة أخرى, وتعتقدون أن المشكلة دينية بين الإسلام والمسيحية، القضية قضية هوية، هناك زرقة وعرب بلغة أهل الغرب، هذا واضح وهناك أولاد عرب وهناك من فيهم عرق. الكلام مشهور (فلان فيهو عرق) ربما يقصدون الغرابي، أما الجنوبي لا يحتاج مبررات لأنه يعرف من سحناته واسمه. ولا أدري هل المسيحيون فى المسالمة جنوبيون أم شماليون؟؟ نحن كجنوبيين لا فرق عندنا بين الإسلام والمسيحية، والمسلمون الجنوبيون لا يحتاجون إلى الجلابي الشمالي ليدافع عنهم، انتهت دولة الوصاية, على مر التاريخ ممالك وحضارات سادت ثم بادت... أين سلطنة الفور على الرغم من وجود الفور ؟؟ أين سلطنة الفونج على الرغم من وجود الفونج؟؟ قولك إن الجنوب لم يضع سهمه ولم يسع إلى إقامة نظامه الخاص ولم يتطور ( أبداً) إلى أفق( السلطنة) ناهيك عن أفق الدولة . فلماذا لا تتركون الجنوب وشأنه؟ بلاش تذرفون دموع التماسيح على الوحدة, الآن وبعد خمسين عاماً شئت أم أبيت ولو قبل الشماليون أم رفضوا فإن جنوب السودان الآن والجنوبيين يدخلون التاريخ من أوسع أبوابه عبر اتفاقية نيفاشا ولم يشهد تاريخ السودان الناصع حدثاً بمستوى ما أحدثته اتفاقية السلام حتى استقلال السودان كان ناقصاً. يمكن أن يكون الجنوب قد أدلى بدلوه فى تغيير وجه السودان أخيراً. الجنوب لا يحب (الملح) لكنه كره (الاستملاح) أما حكاية الجنوب يحب أن يدلل ويتم ( تدليعه) لو( ما عندو شئ ما كان دلعو) يا مريود.. شول دينق دنقلاي * من المحرِّر * حين كتبت في هذه الزاوية بعنوان: (حريات باقان أموم), كنت أرغب في كسر صمت المثقفين والأكاديميين من أبناء جنوب السودان. منعاً لمصادرة الانفصاليين من نخبة الحركة الشعبية، الذين يختزلون الجنوبيين، تطلعاتهم، آمالهم، رؤاهم، في مناجزة المؤتمر الوطني، والعمل بنظرية (المعاكسة الخلاقة)، وهي نظرية يبدو أن أساطينها هم باقات أموم، دينق ألور، إدوارد لينو، وإلى حدٍّ ما ياسر عرمان، وتقوم ببساطة على بناء نقيض المؤتمر الوطني والعمل به. * الحمد لله أن وجدتْ الدعوة التي أنا بها زعيم صدىً، فعقب الأخ أنجلو، ثم هذا شول دينق يعقب على تعقيبنا على السيد أنجلو، ومع أن نَفَس الأخ شول دينق (حار شوية), إلاّ أنني أجدني متحمساً لنشر مساهمته، حرصاً على إذكاء نار التفكير بصوت مسموع في حوار بنَّاء حول الوطن، لعلنا نتخطى مستنقع التجاذب السياسي. * وآمل حين أعود معقباً على الأخ شول، بإذن الله، أن أقف قليلاً في النقاط الثلاثة الآتية: أ النقطة الأولى مرتبطة بتاريخ السودان عامة، وتاريخ الجنوب خاصة, حيث أخذت شول دينق حمية عصبية، تريد أن تقفز فوق الحقائق والمسلمات، واضعاً فرضية أن من كتب تاريخ السودان هو الشمال، وهذا خطأ شنيع، إذ ما يزال الشمال يتبنى الدعوة لإعادة كتابة هذا التاريخ، وآمل أن نتفق مع شول دينق على بعض النقاط. ب الثانية هي مسألة الزبير باشا التي أثارها الأخ شول، وتجارته للرقيق. وهي دعاوى قديمة، لا أدري ما الذي حرض شولاً يجوز صرف الاسم مع الكراهة للزج بها هنا، على مجافاتها الواضحة للحقائق. ج الثالثة هي مسألة نيفاشا، والأخ شول يفخر بها أيما فخر، وهذا حقه. وأعتقد أنها من أعظم إنجازات السياسة السودانية الحديثة. لكن الذي استوقفني فيها، كأنما يفاخر بها شول كإنجاز جنوبي صرف. فالاتفاقية أية اتفاقية تقوم بالأطراف. وطرفاها هنا الجنوب والشمال، أو حكومة السودان والحركة الشعبية, وحين تشعر بفخر، لا ينبغي أن تكون جنوبياً, كأنما وقعت الحركة الشعبية الاتفاقية مع أستراليا أو واق الواق. * أملي كبير في أننا لو سقنا مثل هذا الحوار قدماً، وبعقل مفتوح، سنصل إلى سواحل آمنة. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. صحيفة الحقيقة