هناك فرق تصريح جديد ..! منى أبو زيد عندما وقف الرئيس الصيني الأسبق ماو تسي تونغ على أعتاب السبعين، روّجت المخابرات الأمريكية لإشاعة صغيرة مفادها أنّه طريح الفراش، وأنّ حالته الصحيّة في خطر، وبالتالي فإنّ حكم الشيوعية الصفراء - التي حكمت شعبها، وزجرت غيرها بقوة الفولاذ والنار - مصاب بأعراض الحمى الصفراء.. كانت إشاعة مثل عشرات الإشاعات السياسية، تعاملت معها الصين – كعادتها - بجدية بالغة.. فظهر الرئيس الصيني السبعيني على شاشات التلفاز بلباس البحر.. بجسد نصف عارٍ.. والموج الأزرق يتكسر على قدميه الواقفتين برسوخ الأصحاء..! وفي أمريكا الدولة العظمى التي يموت فيها الآلاف كل مطلع شمس.. والتي يموت فيها أشخاص مهمون في مختلف المجالات كل يوم أيضاً.. ظهر الرئيس الأمريكي الأسبق (بيل كلينتون) على شاشات التلفاز.. منكس الرأس.. دامع العينين.. بالغ الحزن.. وهو يستثمر الجماهيرية الرياضية للاعب كرة السلة الأمريكي (ماجيك جونسون) لصالح جماهيريته السياسية.. مواسياً الشعب الأمريكي في مصاب عظيم جلل.. ألا وهو إصابة اللاعب المذكور بمرض الإيدز..! الشاهد هو تجاوز هؤلاء وأولئك مرحلة الدقة في (فلفلة) التصريحات إلى قمة الحرص على تفاصيل الإيماءات السياسية.. ولا غرو فالعلاقة بين الحكم الديموقراطي والحرص على صناعة الحاكم السياسي طردية.. (صناعة الحاكم في الدول الديموقراطية، هي مشروع حياة.. يبدأ بخطبة الوالدين، ولا ينتهي بالموت)..! وبينما لا مجال للتظارف المطلق في مواضع التبسم المدروس، ولا سبيل إلى الارتجال في مواضع التفنيد، في مواقف وتصريحات الساسة عند ساسة العالم الأول.. يدهشنا ذلك الاختلاف (المتوحِّش) ل تصريحات ساستنا المحليين..! فبينما يسبق السيف العذل أحياناً.. يسبق القول العذل – عندنا - في تصريحات الساسة.. وهذا السلوك ليس مرتبطاً بحزب أو جهة سياسية معينة، بل صفة لصيقة بشخصية السياسي.. الأمر الذي لا يمكن عزله عن طبيعة الشخصية السودانية نفسها..! تاريخ التصريحات السياسية في السودان يوثق لانتقالها من مرحلة ثورية الخطاب إلى مرحلة تضارب/ تنازع الاختصاص.. ولا ندري إلى أين ستنقلنا الحقبة الوزارية الجديدة.. إذ من المعتاد في السودان أنّ يصرّح وزير بأحاديث نارية تخص شئون وزارة أخرى.. وغالباً ما تكون تلك الوزارة هي وزارة الخارجية..! وزارة الخارجية – نفسها – تواجه اليوم نتائج انطباعات الآخرين عن (متن) التصريح السياسي في السودان.. إذ بحسب صحيفة اليوم السابع المصرية كلفت مصر سفيرها بالخرطوم بالاستفسار عن حقيقة تصريحات السيّد علي كرتي وزير الخارجية عن الدور المصري في قضايا السودان..! وكان السيّد الوزير– خلال حديثه في إحدى الندوات- قد تحدث عن تواضع معلومات مصر عن تعقيدات الحياة السياسية في السودان، وتواضع دورها في خدمة قضايا مؤثرة على مصالح الطرفين.. وهو كلام يتفق معه معظم السودان الشعبي قبل الرسمي..! السؤال القائم هنا ليس عن دقة التصريحات.. بل عن ما يجب بشأن تقييمها محلياً قبل مصرياً.. هل هي بداية صفحة جديدة في (قماشة) التصريحات الوزارية.. حيث التصريح الوزاري هو المعادل الموضوعي للموقف السياسي؟!.. أم هي تصريحات (بالقديم)..! التيار