لا أملك إحصائية حديثة عن ضحايا الحوادث المرورية في السودان، ولكن متابعة ما نشر في الصحف خلال ستة أشهر تنبئك بأن الحوادث المرورية صارت أكبر قاتل في السودان، ولعلها تفوقت على الملاريا وأخواتها من أمراض البلاد الفقيرة التي رزئنا بها زمنا. خلال الأيام القليلة الماضية لم تخلو صفحات الصحف يوما من صور وأخبار قتلى الحوادث المرورية، وبالذات في طريق التحدي (الخرطوم- عطبرة). وقد احتل هذا الطريق، حديث التشييد، مقارنة بالطرق القومية الأخرى، مقدمة الطرق الخطرة في البلاد والتي تربع عليها لزمن طويل طريق الخرطومبورتسودان، بالذات الجزء الذي يربط مدني بالخرطوم، ثم طريق النيل الأبيض الذي امتد من الخرطوم للأبيض. ومن الواضح أننا لا نتعامل مع خطورة الحوادث المرورية بما تستحق، ولا ندرس مسبباتها كمدخل لمعالجة الأخطاء والتقليل من نتائجها الكارثية بالشكل العلمي الوافي والمناسب، بل نلجأ للتبرير والحديث عن المكتوب والمقدر باعتباره تدبير إلهي لا شأن لنا به، بينما علمنا صحيح الدين أن لكل شيء سببا، وإن علينا أن نفعل ما يجب فعله، ثم نتوكل على الله بعد ذلك. لم نقرا أو نسمع بأساليب حديثة في الفحص الجنائي للحوادث المرورية وهي الوسيلة الوحيدة لمعرفة مسببات الحوادث بدلا من الاعتماد على الإشاعات والمعلومات المنقولة شفهيا بلا تثبت. هناك حديث كثير يدور عن عدم ملائمة الإطارات التي يتم استيرادها للمواصفات المناسبة للسودان، وإنها تصنع من طبقات أقل كثافة مما هو مطلوب لأجواء وبيئة السودان، لهذا كثيرا ما تنفجر وتتسبب في الحوادث. واستطيع من تجربة شخصية أن أساهم في دعم هذه الشكوك لأن الإطارات التي نستخدمها صارت تستهلك في وقت أقل كما أننا صرنا نسمع كثيرا في محلات تصليح الإطارات عبارة \"اللستك قطع سلك\" وهذا يعني انه لم يعد يصلح للاستخدام تماما، وعيوب الصناعة واضحة في هذا السبب. ثم إن سوء الطرق والشوارع أيضا سبب واضح ومعروف، ومع كل \"مطرة\" تهطل في الخرطوم تتبدى لنا عورات الشوارع، ويذوب الإسفلت قبل أن يكمل أشهر قليلة وكأنه مصنوع من البسكويت، يحدث هذا والولاية تتعاقد مع نفس الشركات مرة ومرتين وتدفع لها الملايين في كل مرة. وعندما يتكرر نفس السوء، وقيل الفساد، في تعاقدات الطرق القومية فإن نسبة الحوادث تزيد وعدد الضحايا يتضاعف. ثم إذا انتهى الأمر عند شرطة المرور ومدى فاعليتها فلدينا هنا حديث كثير. وأشهد وأنا أقود سيارتي في شوارع الخرطوم حوالي عشرين عاما أنني لم أرى ولا مرة واحدة شرطيا يوقف سائقا ويعاقبه لأنه يقود بسرعة كبيرة أو يتصرف بطريقة خطرة في الشارع أو يغلق مسارا يفترض أن لا يقف فيه...الخ. فالمخالفات المرورية التي يتدرب عليها أهل شرطة المرور معروفة ومشهودة وليس لها علاقة بالمعنى الحرفي للمرور، وهي ترخيص السيارة ثم رخصة القيادة، وهي ما يمكن تسميتها بالمخالفات الدفترية أكثر منها بالمرورية. نحتاج لجهة تحقيق تعمل بالتعاون مع شرطة المرور وإدارات الطرق والمرور السريع و تستعين بالعلماء والمتخصصين لتدرس ظاهرة الحوادث المرورية ومسبباتها وتقترح حلولا عادلة لها، وأتمنى ألا تكون من نوع اللجان إياها التي يعلن عنها، ثم لا يعلن عن نتائجها. الأخبار