تراسيم.. حكاية حسن الخائب!! عبد الباقي الظافر افترش حسن ظهر العبّارة نوح ..جعل حقيبة سفره تحت رأسه ..ثم أخفى وجهه تحت رسقه الأيمن ..كأنه يخشى أن يُقابله أحد رفقاء اغترابه الطويل..بدأ حسن يتحدث لذاته ..العبّارة هذه تختار الأمسيات لتقطع البحر المالح بين جدة وبورتسودان ..ربما اكتشفوا أن النوم يُمثّل ملاذاً آمناً للهروب. قطع أحدهم خلوته النفسية ..وهو يلكزه على ذراعه الأيسر \"ياخوي جدة دي كم ساعة \" .تجاهل السائل والسؤال ..الرجل (الشفقان) تركه فى حاله ومضى باستفساره نحو غريب مجاور.. ثم بدأت شلة السفر السمر.. لكلٍ حكاية مع الاغتراب. هَمَّ أنْ يحدّثهم بقصته مع اغتراب خمسة عشر عاماً ..أراد أنْ يمنحهم خُلاصة التجربة الطويلة ..لكنّه خجل من نفسه ..لم يُرد أن يهزم حماسهم الى الهجرة ..(الشفقان) حدّث المجموعة بأنّه باع حواشة أبيه ..سيجمع مالاً من الاغتراب ليشتري واحدة أكبر ..ثم يعود ليتزوج ..هنا غضب حسن ..انتفض من نومه كالذي لدغه ثعبان ..ثم توجّه بحديثه الى الرجل المتعجّل لجدة قائلاً \" غايتو الزواج مابعرفوا لكن حواشة أبوك لحقت أُمّات طه \" . عاد حسن الى مرقده في الممر الذي يفصل بين الكنبات البالية ..بدأ يسترجع رحلته ..نفس هذه المشاهد تتكرر بالحرف ..جاء الى السعودية معتمراً على ظهر عبّارة أخرى .. ترك وظيفته المصرفية ..أراد أن يتزوّج ويبني منزلاً ويعود الى الوطن ..دراسة الجدوى حدّدت خمسة أعوام للوصول الى المُراد. بعد ثلاث سنوات تمكّن من تدبير تكاليف الزواج ..أنفق ماجمعه في مناسبة ما زالت خالدة فى ذاكرة الحلة ..الفنان إبراهيم عوض الذي كان يطل على القرية من راديو دكان ود الحاج ..جاء فى تلك الليلة بشخصه ولحمه ..السُرّة بت الأمين قطعت من رأسها قصيدة طويلة ..القرية أطفأت نيران المطابخ لثلاث ليال. شعر بالاختناق عندما تذكّر كيف أن الكفيل قد ناداه الى مكتبه ..أبلغه بدون مقدمات أن وظيفة المدير المالي التي كان يشغلها قد تمّت سعودتها ..وأنهم فى الشركة وتقديراً لجهده وأمانته يقترحون عليه وظيفة ضابط مشتريات ..لم يُفكّر حسن بل اعتراه غضب سوداني ..وطالب بكل مستحقاته وحزم حقائب العودة . بعد الغربة المترفة لم تَعُد القرية خياراً لأسرة حسن ..انتفش حسن كالقط الغاضب وهو يتذكّر أول مقلب من السماسرة ..أقنعوه ببيت فى أطراف المدينة ..زيّنوا له الفكرة ..اكتشف لاحقاًَ أن ربع قيمة البيت الجديد كان عبارة عن طاقية ..عمولة السفهاء تشتري قطعة أرض خالية في ذات الحي الشعبي. قام من مرقده وهو يستمع لأُنس الشباب ..بدأ يضحك كالمجنون ..استغرب أصدقاء الرحلة من سلوك هذا الكهل ..حسن في تلك اللحظة كان يسترجع قصته مع الحافلة (الروزا) ..مشروعه للاستقرار في السودان ..الحافلة كانت تكش كل يوم الى شىء أقل ..فى النهاية أصبحت مجرد ركشة. عندما سمع حسن فى الأخبار أن الولاية منعت تصديق الركشات.. قرّر أن يعود الى السعودية معتمراً.. عسى أن يجد وظيفة أمين مخزن. التيار