التهافت الاخير... وداعا ايها الوطن القديم د. يونس عبدالله يونس [email protected] السودان يقف علي اعتاب الاستفتاء الذي تفصلنا عنه ايام قلائل ، وبعدها سنحدث الاجيال القادمة عن الخارطة القديمة لبلدٍ قديم كان يمثل السودان الموحد الذي يمتد من حلفاء الي نمولي طولا. ولا اظن ان احد يرغب في التأمل الشفاف الذي سوف يعقب تلك المرحلة التي تطرق الابواب اذاناً برحيل الجنوب الذي صبر علي اذي وظلم الشمال ، ولا نقصد بالشمال هنا الشمال الاجتماعي الذي يمثل غالب قطاعات الشعب المقهور ،المرتوي ظلماً وغبنا، بل نقصد به الشمال السياسي الذي تمثل في حفنة من الحكام اسأءوا التعامل مع كينونة الوطن ، فبدلا من ان يحملوه الي غايات التقدم والنماء ، حملوه الي مسواه الاخير و الي نهايات التمزق والفناء الذي لن ولم يقف عند الجنوب وحده. لا احد ينكر ان هذا البلد لم يشهد هكذا نكبة وكذا تمزيق منذ ان نفخ في روحه السياسي واضحي في ضمن منظومة الاقطار الحرة المستقلة ، ويرجع جل فضل هذا القبح الشنيع الي السلطة الرابضة علي انفاسنا منذ اكثر من عشرين عاما. وان كان جل اللوم في ذهاب الجنوب يقع علي عاتق السلطة الراهنة ، الا انه غالب الحكومات التي تواترت علي حكم السودان لم تسلم من مسؤلية التفريط في الجنوب. فبعد الاستقلال مباشرةً كانت قضية الجنوب شاخصة حاضرة ، الا ان جيل الاستقلال لم يكن بعيد النظر في التعاطي مع هذه القضية ، اذ انهم لم يضعوا في الحسبان وضعية الجنوب الخارج تواً من قبضة قوانين المناطق المقفولة التي كرّس لها الاستعمار البريطاني ، وظل الجنوب دوما في الهامش السياسي والاجتماعي لا يذكر الا لماما. وعندما رفع الجنوب رأية العصيان ، كانت الفرصة ايضا مواتية لنظام مايو بشقيه المدني والعسكري لاصلاح الحال وانصاف الجنوب ولكن شي من هذا لم يحدث ، ونفس المتوالية المنهجية يمكن تعميمها علي الفترات الديمقراطية المتعاقبة اذ كان بالامكان حلحلة شوائك الجنوب قبل حلول الكارثة والثوار ما زالوا في شوارع الخرطوم يرقبون مسيرة الاحداث وربما لم تراود البعض منهم فكرة التمرد اصلا. وعندما اطل ليل الانقاذ الدامس كانت الفرصة في المتناول لكسب الجنوب والفرصة كانت اكبر حتي بعد توقيع سلام نيفاشا ، ولكن تحولت نيفاشا لموسم للمشاحنات والكيد والكيد والمضاد ، فتارةً تدعم سلطة المؤتمر الموطني المليشات المناؤة لحكومة الجنوب وتارة اخري ترفد القبائل المتناحرة بالسلاح لتعزيز اللا استقرار واثارة التوتر ، هذا بالاضافة للتماطل في انزال بعض بنود الاتفاق الي ساحة الواقع . كل هذه المعالجات الامنية الماكرة وسعت من شقة التقارب الجنوبي الشمالي وفتحت اكثر من نافذة لعدم الثقة مما جعل الجنوب يعد العدة لانفصال حتمي وشيك تسمع وقع خطاه علي الابواب . وسلطة المشير البشير التي هيئت كل الساحات لطرد الجنوب انطلاقا من اعلام الانتباهة (صحيفة الخال الرئاسي) وحتي منابر تيارات الظلام الدامس والي كل فعل باطل ، تأتي اليوم وبعد كل هذا العبث لتتباكي علي الوحدة وتعلن زورا حرصها علي ابقاء الجنوب عبر تدابير محكوم عليها بالفشل الذريع والموت المؤكد. كان الاجدر بسلطة المشير ان تخصص كل دخل البترول ولو لسنوات محدودة لصالح التنمية في الجنوب بدلا من اقتسام بترول الجنوب ، ولا ضير ان ذهبت بعض اموال المزانية العامة للجنوب بدل الذهاب لشركات الحزب الحاكم العملاقة وجيوب التماسيح من انصار السلطة واحباء التسلط ، ولكن حتي نصيب الجنوب الشرعي من البترول كان بخرج بصعوبة وبعد علا الصراخ . وبعد ان يئس الجنوب من كل خير يأتي من سلطة المشير البشير ورتب كافة اوضاعة للانفصال ابتداءا من الخدمة المدنية وحتي النشيد الوطني ، خرجت علينا سلطة المؤتمر الوطني بتراتيب مخجلة ومثيرة للضحك وباعثة للتهكم وغريبة كغرابة اطوار الحكومة . فبعد ان لعبت صحيفة الانتباهة دورها المنوط من اثارة للكراهية وبث للفتنة وازكاء لروح التعنصر وبعد كل هذا واخيرا ينتبه الابن الرئيس الي ان الخال كان يعمل ضد الوحدة ومطلوباتها ويتم اغلاق الصحيفة والاستفتاء علي بعد اربعة اشهر فقط (اللهم احسن وبارك). ما فعلته الانتباهة من تخريب في السنوات الاربعة الماضية من اثارة للكراهية وتراكمات الخطاب العنصري ، فاق كل ما صنعة المستعمر في خلال ثمانية وعشرين عام. اغلاق الانتباهة وحده غير كاف ، بل الاجدر حرقها وحرق صاحبها الاهوج الدميم الذي يقطر فمه حقدا، وغباء تحسده عليه البهائم. اذن ما الذي سوف يقدمة سماسرة النظام للجنوب حتي يتراجع عن فكرة الانفصال ؟ هل هي فكرة التبادل الرئاسي الموسمي؟ ولا اظن ان حكام الجنوب سوف يجذبهم هذا الحافز المتواضع الذي ينم عن افتقار في ابتكار الحلول، لانه ببساطة هذا ليس حل دائم اذ ان الفعل الديقراطي يقتضي ان يختار المواطن من يحكمه ، واين ستذهب هذه القسمة لو ان الممارسة الانتخابية جاءت برئيس من الجنوب لاكثر من مرة او العكس؟؟ هذه حلول تتجاوز الشعب ولا تضع له اعتبار وتقوم علي فرضية حكم المؤتمر الوطني الي قيام الساعة وبقاء اطراف نيفاشا الي ما لا نهاية. هذه الدموع التي يذرفها سماسرة المؤتمر الوطني بعد فوات الاوان لن تجدي شئيا ولا تضيف الي راهن الحال ما هو اجدي وانفع . هذا الحرص الكاذب بعد ان بانت معالم دولة الجنوب لن يؤدي الا تعميق رغبة الجنوب في الانفصال. والسؤال الذي يلقي بنفسه، هل ما سيبقي من السودان بعد ذهاب الجنوب سيكون مؤهلا للتوحد في ظل سياسات سلطة المشير البسير؟ لا اظن ذلك.. ولنا عودة