بشفافية التعايش لا التحرّش حيدر المكاشفي كان مدهشاً لبعض من شاركوا في ورشة موضوعها التغطية الاعلامية المهنية المحترفة للاستفتاء، أن يصر البعض الآخر من المشاركين على تضمين خطاب الكراهية «Hate speech» ضمن وثيقة السلوك الصحفي التي ستخرج بها الورشة، كان ذلك قبل قيام الاستفتاء بمدة، والورشة التي عقدت بمدينة جوبا حاضرة الجنوب «المؤقتة»، كان غالبية المشاركين فيها من الصحافيين والاعلاميين الجنوبيين من الداخل والخارج مع وجود تمثيل ضئيل للصحافيين من الشمال لم يتعدى عددهم الثلاثة أو ربما الاربعة إذا لم تخني الذاكرة، كانوا بالطبع في صف المندهشين وكان اكثر ما أدهشهم ان من كان يقود هذا الخط اللا مهني أحد الزملاء الجنوبيين ممن عاشوا طويلاً في الخرطوم بل وأصدروا فيها صحيفة ناطقة بالانجليزية ما زالت توالي الصدور حتى يومنا هذا، وبطبيعة الحال ما كان ممكناً بأية حال أن تخرج ورشة مهنية متخصصة بما يقنن ويكرّس هذه الممارسة الكريهة التي أُصطلح على تسميتها «خطاب الكراهية»، ولهذا كان من المنطقي والمهني أن لا يعود أولئك المصرّون بشيء سوى «صرّة» الوجه التي بدت على محياهم، حيث إشتملت وثيقة أو مدونة السلوك على نقيض ما طالبوا به وأصرّوا عليه، وللغرابة لم يكن إصرارهم ينم عن جهل بالقواعد الاساسية للعمل الاعلامي والصحفي المهني الصحيح وإنما كان عن تعمد مع سبق الاصرار والترصد وهنا كان بيت القصيد، إذ تبين لي شخصياً ومن خلال مناقشة من كان أعلاهم صوتاً أنه كان ينطلق في مطالبته المثيرة للدهشة والاستغراب تلك، من مرارات وترسبات وضغائن كتلك التي جعلت أحد الشماليين يكون الاعلى صوتاً وقلماً في الاساءة لكل ما هو جنوبي، فسبحان الله الذي جعل الانفصاليين ملّةً واحدة هنا وهناك، وصدق من قال أن الطيور على أشكالها تقع... أما الآن وقد وقع ما وقع، فقد سرّني جداً أن ثلة نيّرة ومستنيرة من الصحافيين الشباب قد طرحوا مبادرة لمحاصرة ولجم هذا الخطاب الكريه لم يتوانى مجلس الصحافة في تبنيها للحاجة الملحة لخطاب إعلامي عاقل ومتعقل وموضوعي ومتوازن وبكلمة واحدة مهني وإحترافي خاصةً خلال المرحلة المعاشة التي شهدت ذهاب الجنوب لحاله وخشية من أن تذهب أجزاء أخرى لحالها أيضاً ما لم يعمل الجميع على لملمة الشتات وتطبيب الجراح وعلى رأسها جرح دارفور الغائر، وكل هذه قضايا معقدة يحتاج التعاطي معها إلى عقلاء وقبل ذلك خطاب عاقل يسعى إلى تثبيت وترسيخ قيم التعايش بين مختلف المكوّنات الاجتماعية والثقافية والعرقية لما «تبقى من السودان» وفي ذات الآن ترعى نفس القيم مع الجارة الدولة الجديدة، ولا اعتقد أن لنا خِيرة في غير هذا الخطاب، إذ أن أي خطاب آخر خاصةً في ظل هشاشة وخطورة الأوضاع التي تعايشها البلاد، وتعتبر كثير من قضاياها قنابل موقوتة قابلة للانفجار تحت أية لحظة، لا يعني سوى الدمار لهذا البلد الذي لم يبق في جسده موضعاً إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، والعاقل من إتعظ بغيره وما حدث لدول وشعوب أوردها خطاب الكراهية موارد الهلاك، فلو قُدر لهذا الخطاب الكريه والمشين أن يسود ويستمر فسلامٌ على الاستقرار وسلامٌ على دارفور بل وسلامٌ على الوطن، فهل هذا ما يريده كل همّازٍ مشاءٍ بنميم وعُتلٍ بعد ذلك زنيم... الصحافة