بالمنطق ربنا يشفيهم..!! صلاح عووضة ٭ علم النفس السياسي وحده هو الذي قد نجد عنده تفسيراً لظواهر (الانبطاح) السياسي التي نشاهدها على مسرح واقعنا السياسي هذه الأيام.. ٭ لا تجهدوا أنفسكم في محاولات بحثٍ عن تفسيرات سياسية لهذه الظواهر.. ٭ أنسوا تماماً حكاية الأجندة الوطنية والحكومة العريضة والتحديات التي تقتضي توحيد الصفوف وكل الكلام الفارغ من هذه الشاكلة.. ٭ القصة ببساطة - حسب علم النفس السياسي - أن كثيراً من المعارضين وقعوا فريسة لداء نفسي يمكن أن نعبر عنه بالمثل الشعبي القائل: (الكلب بدور خنَّاقو).. ٭ وأحد أهم علماء النفس - في هذا المجال - الذين أطنبوا في شرح هذا المرض النفسي ذي الطبيعة السياسية هو العالم الألماني ريرك فروم.. ٭ فوفقاً لفروم هذا فإن الانسان المقهور يمكن أن يندفع في اتجاه قاهره إذا ما ضاقت أمامه فرص حرية إختيار طرق أخرى.. ٭ أو قد يرتمي في أحضان منتزع حريته خشية من الحرية هذه نفسها.. ٭ أو قد يرضخ للمستبد يأساً من مُخلِّص طال انتظاره له.. ٭ وضرب فروم أمثلة - في كتاب (رهاب الحرية) - بشعوب استسلمت لقدرها العبودي ممثلاً في أنظمة مارست تضييقاً للخناق لم يعد هناك متنفس معه للحرية.. ٭ أي أنها تسلك المسلك ذاته الذي تسلكه الكلاب المُضيَّق عليها الخناق.. ٭ فلا تتعبوا أنفسكم إذاً - حسبما أشرنا - في تقصيِّ أسباب سياسية قد تكون وراء ما نشاهده من تفاهمات هذه الأيام بين الإنقاذ وبعض من القوى المعارضة.. ٭ فليست هنالك أسرار ذات طابع سياسي ولا يحزنون.. ٭ ولو أردتم فهم حقيقة ما يجري فعليكم بعلماء نفسانيين متخصصين في الشأن السياسي.. ٭ فنحن لدينا الآن ظواهر مرض نفسي سياسي ولم يعد لدينا معارضون.. ٭ ونعني بالمعارضين هنا أولئك الذين رفعوا يوماً شعارات ظن معها الناس أن الإنقاذ توشك أن (تروح في حق الله).. ٭ ثم يفاجأ الناس هؤلاء - في أيامنا هذه - أن الذين على وشك أن (يروحوا في حق الله)، وفي (الرجلين والكازورة) أيضاً، هم رافعو الشعارات تلك.. ٭ فلا هم نجحوا عبر وسائل القوة في استرداد ما أُخذ منهم بالقوة.. ٭ ولا هم نجحوا عبر وسائل التضييق الدبلوماسي الخارجي كذلك.. ٭ ولا هم نجحوا أيضاً حتى عبر الوسائل الشعبية الداخلية.. ٭ فقد جربوا كل خياراتهم في التغيير وفشلوا.. ٭ وسُدَّت أمامهم الطرق كافة المؤدية إلى ما كانوا فرَّطوا فيه من قبل عدا طريقاً واحداً.. ٭ عدا الطريق الذي محاولة فهم نوايا السائرين فيه تحتاج هي نفسها إلى طريق غير مسلوك؛ منطقياً وسياسياً وعلمياً.. ٭ العلم الوحيد الذي بمقدوره أن يسلك هذا الطريق - تعقباً للسائرين فيه بغرض الفهم - هو علم النفس السياسي.. ٭ والظاهرة المَرَضِّية هذه للعلم - من زاوية علم النفس السياسي - ليست بجديدة في تاريخنا السوداني المعاصر.. ٭ فقد حدثت من قبل في عهد نميري عقب فشل المعارضة في استئصال نظام مايو عبر الوسائل كافة بما فيها وسيلة القوة في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي.. ٭ وشهد الناس حينها حالات متتالية من (الانبطاح) من تلقاء قوى المعارضة، والإرتماء في أحضان مايو إلى درجة المشاركة في أجهزتها التنفيذية والتشريعية.. ٭ لقد أضحى كثير من رموز المعارضة آنذاك أعضاءً في الاتحاد الاشتراكي. ٭ وأصابهم مرض الاندفاع في اتجاه (القاهر!!) الذي تحدث عنه إريك فروم في دراساته النفسية.. ٭ ولم يبق بمنأى عن فيروس ذلك المرض - ومحصناً منه - سوى نفرٍ قليل في تلك الأيام على رأسهم الشريف حسين الهندي.. ٭ وكذلك في أيامنا هذه هنالك محصنون ضد الفيروس نفسه ، الذي ينتشر مرة أخرى بين قوى المعارضة ، على رأسهم علي محمود حسنين.. ٭ ولا ننسى أن نشير هنا إلى المُحصَّن (الأكبر) الأمير نقد الله حتى وهو طريح الفراش جراء مرض (عضوي).. ٭ ولمرضانا المعارضين - عضوياً كان مرضهم أو نفسياً - ندعو بعاجل الشفاء حتى يسهموا في إحداث الحراك (الديمقراطي) المنشود.. ٭ فالديمقراطية ذات (التعدد!!) لا تتأتى بالذوبان في (الواحد!!).. ٭ و(الوطن!!) ذو التنوع لا يمكن إختزاله في (الوطني!!).. ٭ ولسوء حظنا فإن فروم شخّص لنا (الداء).. ٭ ولكنه لم يرشدنا إلى (الدواء). الصحافة