.. محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] مصطلح غواصة في العرف العسكري والسياسي والامني معروف علي مستوي الدول والتنظيمات.. انه يطلق علي الجواسيس أو من تسخرهم جهة ما للتغلغل وسط جهة منافسة لها تمويها بادعاء الانسلاخ من تلك الجهة الأولي والانتماء للأخري كنوع من الاختراق بغرض كشف خططها أو التأثير في مواقفها وتجييرها لصالح الجهة المسلطة لهم.. ففي التاريخ العسكري والأمني ابان الحروب التي شهدها العالم وفي زمن الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين أمريكا والاتحاد السوفيتي أو حتي في زماننا الحاضر ..هنالك قصص تحكي عن نجاحات كبيرة حققها جواسيس لمصلحة بلدانهم ..اذ لعبوا دورا مزدوجا انطلت لعبته علي العدو..مثل قصة رافت الهجان التي صورتها الدراما المصرية كملحمة بطولية وطنية... فيما حصد بعض الجواسيس الذين خانوا بلدانهم الشوك الذي زرعوه..فلا هم نالوا رضاء الذين خدموهم ..ولا استطاعوا العودة الي اوطانهم التي خانوها ..بل أن بعضهم اعدم بواسطة الدول التي تجسسوا لصالحها ..خيانة لوطنهم لان العدو الشريف لايثق في من يبيع وطنه.. فيما عقوبة الذي يقبض عليه بواسطة حكومته متجسسا علي بلده هي الموت في جل بلاد العالم ان لم يكن كلها.. وعلي المستوي السياسي كثيرا ما شهدنا النهايات المخزية لمن انسلخوا عن جماعتهم وباعوا المباديء في سبيل المصالح الذاتية من مناصب وشهرة ومال..وكانوا دائما ما ينتهي بهم الأمر الي مزبلة الزمان بعد ان يستنفدوا دورهم وتحرق ورقتهم( كمغفلين نافعين الي حين )..فلا هم استقروا مقبولين عند جماعتهم الجدد ولا استطاعوا العودة الي شواطئهم القديمة التي لفظتهم هي الأخري.. ولعل الشواهد في ساحتنا السياسية السودانية كثيرة..خاصة في زمن النظم الشمولية وبالأخص ابان نظام الانقاذ.. مع التحفظ عن ذكر الأسماء لان فيهم من ذهب في رحاب الله وفيهم من طوته عجلة النسيان وفيهم من ظل يكابرفي ذل الاسترزاق رغم اهتزاز صورته حتي في مرآة ذاته.. بالطبع الانسان له كامل الحرية والحق المشروع في تبديل قناعاته في شتي أمور الحياة ..لان العمر مراحل ولكل مرحلة معطياتها..فمثل ما للشباب فورته الثورية لاسيما في القناعات السياسية فللكهولة موازين مخلتفة ..وكذا فالشيخوخة لها من هدوء الورع في خلق تحولات تكون مفهومة وفق حاجة المرحلة من التقوي والنظر الي ابعد من متطلبات الدنيا الزائلة..وهذا التحول الأخير ينطبق علي من يهديهم الله من عنده ولا يبتغون من التبدل الا كسب انفسهم وراحة ضميرهم و خدمة من حواليهم ومن قبل كل ذلك مرضاة الله ان كانوا مقبلين علي قبلة خير ..ومدبرين عن وجهة سوء.. ولكن شتان بين التحول التدريجي في القناعات التي تبني علي تطور مراحل القطب السياسي ..وبين التحول الفجائي الذي يندفع صاحبه الي الحضن الجديد راضيا بوضاعة الاغراء..ويتنكر لماضيه ويبيع تاريخه ويذم رفاقه وحتي نفسه بانه كان مضللا سواء في ذهابه أو ايابه ..لاسيما اذا كان وضعه السابق في دفة القيادة التي كانت تستقطب الآخرين ولا نقول تضللهم.. مناسبة ضربة الزاوية هذه ما يتردد هذه الأيام من عودة الانقاذ حكومة وحزبا لسياسة اضعاف الأحزاب الكبيرة..للاتيان علي البقية الباقية من مفاصلها التي أجهدها مشوارها الطويل..اما باستدراج المراكب التائهة في موج الانتهازية والطمع من كوادر تلك الأحزاب أو اختراقا بالوصول الي مكاتبها السياسية والقيادية وزرع العناصر الموالية أصلا للأنقاذ من خلف ستائر احزابهم..والهدف معروف ويتلخص في ان تكون خطط هذه الأحزاب مطروحة اول بأول علي طاولة المؤتمر الوطني وحكومته علي الأقل ..ان لم تنجح تلك العناصر المسماة ( الغواصات ) وكذلك تلك المستقطبة في اقناع الأحزاب المخترقة بتغيير مواقفها تجاه الانقاذ أو علي اقل تقدير مهادنتها لاسيما في هذا الظرف الذي تحتاج فيه السلطة الخائفة من غضبة الرياح الي( مرق كبير) يسند خيمتها التي بدأت تتراقص من الآثر البعيد القريب لتلك العواصف التي حركت رائحة الفساد وبات حديث المجالس واعمدة الصحف وهو ما قد يكون القشة التي ستقصم ظهر بعير الأنقاذ المحمل بذنوب ضياع التراب ..وامكانية التفريط في العقاب.. وارواح الشيب والشباب..واخفاقات المشروع الحضاري الذي وان انجز شيئا علي مدي سنوات تعثره الطويلة فانه باهظ الثمن ..ومدفوع من مقدرات الوطن ..ومعيشة وخدمات وعمر المواطن.. هي سياسة مارستها الانقاذ.. واكتوت بها الأحزاب ..ولم ترعوي أو تستوعب الدروس وهي التي تأخرت بفعل وقوعها في فخ الاختراقات والتجزئة وخداع الغواصات كثيرا عن طموحات الشارع الذي استجمع كل الملفات التي تدين هذا النظام في محكمة التاريخ و التي ستنعقد قريبا بحضور الآحزاب أو في غيابها وهي تسبح في بحور خرفها المزمن ومن حولها العديد من الغواصات الحائمة وألالغام الموقوتة .. تسعي لان تأخذ ما تبقي لها من عمر افتراضي هو في الأصل قد انقضي..ولن تأتيها بعمر جديد من الانقاذ..ففاقد الشيء لا يعطيه..و سيفاجئها شعبنا وقد بدأ يقول كلمته الفصل بعد أن صمت عن حكمة وحلم ولم يكن خائفا..وهاهو ينسج لها من خيوط صبره كفن التشييع .. ويشغل منها ايضا في ذات الوقت شباكا لاصطياد غواصتها التي تهيم في المياه العكرة ..لتكون ( الخرجة ) الي محارق الجيف واحدة وفي نفس اليوم..باذن الله المستعان ..وهو من وراء القصد..