بسم الله الرحمن الرحيم الاختلاف المميت ...... مشكلة ولها حل بقلم ..سامي طراف الاسطل كانت شمس الأصيل تلقي بأشعتها الذهبية على كوخ أبي علي الواقع في إحدى زوايا حقله الواسع الذي ورثه عن أبيه ، عندما زاره صديقه الغالي أبو راشد ،فأبو علي يتخذ هذا الكوخ ملاذا ليمسح به عناء اليوم ويروح به عن نفسه وذلك بجلوسه من بعد العصر وحتى غروب الشمس وأحيانا يتأخر إلى بعد ذلك ، يزوره أصدقاءه ومحبيه في هذا المكان يتجاذبون أطراف الحديث ويتمتعون بشمس الأصيل . وجد أبو راشد صديقه أبا علي مهموما مشغول البال سارح الفكر ووجده على غير العادة جالس كالحداد بدون فحم – كما يقول المثل – فلم يجد موقد النار وإبريق الشاي وبكرج القهوة كعادته، إذن لابد أن هناك أمر ما اشغل أبا علي فبادره ابوراشد قائلا : - مالي أراك سارح الفكر مشغول البال يا أبوعلي ؟! أين الشاي ؟! وأين القهوة ؟! ولماذا لم تشعل النار كعادتك ؟!. - ماذا أقول وماذا احكي قالها أبوعلي بصوت متقطع . - كل خير إن شاء الله ماذا جرى - ألا ترى هاتين النخلتين الصنوين اللتين أمامنا . - إنهما في غاية الروعة والجمال ، ولا أنسى الكثير من الأصدقاء الذين رافقوني لزيارتك أنهم أعجبوا بهذا المنظر لدرجة أنهم التقطوا لهم صورا بجانبهما للذكرى و....... - فقاطعه أبوعلي : آن الأوان لان ينتهي هذا المنظر والى الأبد . - لماذا يا أباعلي ؟ ماذا جرى !!!؟ - ألا تراهما يا أبا راشد في انفراج وابتعاد عن بعضهما البعض. - أمر طبيعي يا أبا علي ، فبعد استغلالك للأرض وإمدادها بالماء والسماد أصبح نمو النخلتين زائداً وكثر جريدهما وزادت قطوفهما فضاق عليهما المكان فكل نخلة بدأت تتوسع في الجهة المقابلة . - وهنا مكمن الخطورة . - وكيف ؟!! - إنهما في ابتعاد وهذا يؤدي إلى ميلهما كل على ناحية التي يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوطهما . - صدقت يا أبا علي ، ولكن ... - ولكن ماذا ؟!! - ألم تستشر أولي الخبرة وأصحاب الرأي في هذا المجال ؟؟. - لقد فعلت واستشرت كل مزارعي النخيل ، ومن لهم خبرة ، فلم أجد عندهم حلا مقنعا ، فمثلا أشار علي بعضهم أن أدعمهما بأعمدة طويلة كل من ناحية تمنعهما من الميل والاعوجاج فرأيته مكلفا وغير ذي جدوى . - وأخيرا ماذا قررت . - اقتنعت برأي المهندس الزراعي الخبير في هذا المجال . - وبماذا أشار عليك ؟ - أشار علي بالتضحية بإحداهما . - فأنتفض ابوراشد ، لا تفعل ، لا تفعل بحق الله عليك . - فرد أبوعلي : وهل هناك بديل ؟ ما في اليد حيلة يا اباراشد . فلقد أقنعني المهندس بأنه لامناص من بقاءهما على هذه الحالة وقال مطمئناً ومهوناً: ثمر الواحدة يكفي ويقارب من إنتاج النخلتين . فأجبته : والله لا للثمر أسعى ولا أنشده ،إنما يعز علي فقدان هذا المنظر الجميل الأخاذ . وقد اتفقت مع عامل النخيل ليجتث لي إحداهما غدا، وأنت ترى حالي كالذي ينتظر حكم الإعدام . وهنا تكلم ابوراشد وقال ممازحاً : يا أبا علي : لقد قلت إنك استشرت الكثير من الناس ، ولكنك لم تستشر صديقك أباراشد، أليس هو من ذوي الخبرة أم هو دون الرأي ؟! - معاذ الله يا أباراشد ، ولكنها هفوة ، وأصدقك القول أنها راحت عن بالي . وهنا قام أبوراشد وأخذ جولة حول النخلتين ، ثم عاد إلى أبي علي يقول له : وماذا تقول في راي يبقيهما على حالهما . فقال أبوعلي متلهفا إلي به كأن الله ساقك إلي سوقاً في هذا الوقت الضائع . - قال أبو راشد وبأقل جهد وبأقل تكلفة . - إلي به ولا تحرق فؤادي بالله عليك أبا راشد . - استمع إلي يا أبا علي : هاتان النخلتان لا يبقيهما على حالهما إلا هما فالحل كامن في المشكلة ، و المشكلة جزء من الحل . - فرد عليه أبوعلي ممازحا لا علم لي بالفلسفة يا أبا راشد . - ليس بالفلسفة يا أبا علي ، وكل الذي عليك أن تأتي بطلاع النخل لربطهما برباط من أعلى جذعيهما فهذه تشد هذه ،وهذه تشد هذه ، فكل منهما تشد الأخرى، واجعله يقطع بعض الجريدات المتشابكات من هذه ومن هذه مما يشكل مكاناً واسعاً فلا يحدث التضايق ، وغداً عندما تكبر القطوف من هذه قطفين ومن هذه قطفين ، خففهما، يحصل نفس المراد . عندما سمع أبو علي كلام أبي راشد وفكر فيه ، اقتنع به تماما وكأنه أُنزل عليه كنز من السماء وصاح بمل فيه \" ففهمنها سليمان \" وخر لله ساجداً شكراً لله .ثم شكر صديقه أبا راشد على هذا الرأي الصائب، وعمد إلى النار وأشعلها وأخذ يعد الشاي والقهوة.