القول الذهبي في الاستعانة بالأجنبي(2-2) رشا عوض أن النظم الاستبدادية عندما تغلق بإحكام كل منافذ الخلاص الوطني وتنحط لدرك قطع ألسنة وآذان وأيدي وأقدام المعارضين حقيقة لا مجازا إضافة إلى القتل الجماعي بالسلاح الكيماوي كما فعل نظام صدام حسين، وعندما تبلغ قسوتها على الشعوب درجة القصف بالطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة كما يفعل القذافي وبشار الأسد، فإن النتيجة الحتمية لذلك هي التدخل الأجنبي الذي لا يستقيم عقلا ولا خلقا الحديث عن المرحبين به كخونة وعملاء ومرتزقة بصورة مطلقة وغوغائية كما يفعل سدنة أنظمة الاستبداد والفساد، فهذه الأنظمة إما حليفة للغرب كالنظام المصري والتونسي واليمني، أو تم تدجينها واستئناسها عبر الضغوط كالنظام الليبي والسوري ومصلحة الغرب في بقائها ولذلك نصحها مرارا وتكرارا بإجراء إصلاحات ديمقراطية كي تتمكن من البقاء وتكون مؤهلة لخدمته، ولكن هيامها المجنون بالسلطة المطلقة جعلها تمانع الإصلاح حتى انفجرت الثورات، والغرب تخلى عن دعم هذه الأنظمة لأنه أدرك استحالة استمرارها لأنها بلغت درجة غير معقولة من العطب والتعفن ، ان الخيانة العظمى في حق الأوطان ارتكبتها الأنظمة المستبدة غير المؤهلة على الإطلاق لادعاء الطهر الوطني والاستقلال عن الهيمنة الأجنبية والتعفف عن الاستعانة بالأجنبي، فقبل أن تحسم أمريكا والدول الغربية مواقفها تجاه الثورات العربية لم يكف القذافي وعلي عبدالله صالح وبشار الأسد عن الغزل الفاضح لأمريكا والغرب بترديد نغمة أن الثوار سلفيون يحركهم تنظيم القاعدة ويسعون لإقامة إمارات إسلامية تصدر الإرهاب للعالم ظنا منهم أن الغرب يمكن أن يساعدهم في قمع الثوار أو على الأقل يقف متفرجا على مجازرهم ، وما تفعله أنظمة الاستبداد والفساد على أرض الواقع يؤكد تهافت منطق من يدافعون عنها باعتبارها دروع حماية للوطن من التدخل الأجنبي، فهذه الأنظمة بطبيعتها أفضل من يخدم مخططات الهيمنة الدولية، لأنها وبسبب افتقارها للشرعية الشعبية واحتياجها الدائم لحماية الأجنبي تكون عرضة للابتزاز والمساومات، وبسبب غياب المساءلة الشعبية لا تتردد في تقديم التنازلات، وبسبب الاحتقان السياسي وتراكم الغبائن تولد آيدولوجيات التطرف الديني المفضية إلى الإرهاب! وشواهد ذلك ماثلة في الواقع فدكتاتور ليبيا قبل أن تهب ضده الثورة تحول إلى دكتاتور أليف ومستأنس غربيا يفتح بلاده بكل أريحية لفرق التفتيش الامبريالية ويتنازل عن برنامجه التسلحي ويسلم الإرهابيين الذين بسببهم كلف البلاد حصارا وعقوبات لسنوات طويلة أهدرت مليارات الدولارات لتتم محاكمتهم في الغرب، ثم يدفع مليارات الدولارت تعويضات للغربيين عن يد وهو صاغر، فالشعب الليبي دفع ثمن حماقات الزعيم مرتين، مرة بسبب العقوبات والحصار ومرة لفك الحصار! مرة لممانعة الزعيم ومرة لانبطاح الزعيم! والزعيم زعيم في الحالتين ومن يجرؤ على مجرد التساؤل حول زعامته (كلب ضال)!! بالله عليكم لو سلمنا بنظرية المؤامرة ومنطقها التبسيطي الذي يقول ان الغرب لا شغل له في هذه الدنيا سوى تدمير العرب والمسلمين فهل هناك من هو أصلح وأكفأ للقيام بهذه المهمة من القذافي وأمثاله؟ لا أحد ينكر أن أمريكا والدول الغربية لها مصالحها وأطماعها ومخططاتها للهيمنة على العالم ولكن الترياق لهذه الهيمنة هو بناء ذات وطنية قوية ومتماسكة وعصية على الاستغلال والإخضاع، وبناء هذه الذات الوطنية لا يتم إلا عبر مشاريع وطنية تحرر الشعوب من الاستعمار الداخلي ممثلا في أنظمة الفساد والاستبداد، مشاريع أدواتها في التعامل مع العالم الخارجي هي اتقان مهارات التأثير في السياسة الدولية وتوازناتها عبر الفكر والرأي العام والمصالح الاقتصادية وهندسة التحالفات والتكتلات الإقليمية ، وليس الخطابة الجوفاء التي يناقضها السلوك العملي.