إذا استطاع نظام الانقاذ أن يعي حقيقة أن الشعوب لا تقهر ولا تعرف المستحيل ومستعدة لتقديم التضحيات بالدم وارتال الشهداء ، اذا دعي المؤتمر ذلك ، مستنيراً بما حدث ويحدث من ثورات في العالم العربي وغيره ، فانه سيوفر الكثير من الأموال والضحايا. ما عاد السلاح قادراً علي إرغام الشعوب علي التراجع عن مطالبها العادلة والخنوع والقبول بالعيش في ظل انظمة تسوده بالقهر والبطش ليرضخ ويبتلع مأساة معاناته ومهانته ، فالشعوب عندما يصل تصميمها مداه ، وترفض ان تحكمها انظمة موغلة في الفساد وترى وتقرأ كيف تقسم الثروة لتستقطب في آيدي فئة قليلة من الرأسماليين الطفيليين وخدام نظامهم والقائمين بحراسته ، بينما لا يجد الاطفال ملابس العيد نتيجة لإرتفاع أسعارها بصورة لم تشهدها البلاد من قبل ، وينطبق الحال علي معظم أسعار السلع الضرورية لحياة المواطن فتنزلق بمستوى معيشته الى أسفل سافلين ويتحول حال الأسر –معظم الأسر- الى جحيم لا يطاق . الأن وصل واقع الحياة نقطة الافتراق بين نظام الإنقاذ والشعب السوداني ،وما عادت لحظة الانفجار سراباً بعيد المنال . بل صارت تقترب يوماً بعد الأخر من جراء سياسات الانقاذ الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية. ولاتكتفي بذلك، فهي بعد كل فترة وجيزة تفتح لنفسها طاقة من جهنم في جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وهي تعتقد أنها انتصرت في معارك لم تجلب لها في الواقع سوى المزيد من السخط الشعبي والاقليمى والعالمي . وهي انتصارات مؤقته لن تصمد أمام غضب الشعب والرأي العام العالمي. ليس ذلك فحسب أنها تراكم من هذا السخط وتوسع من قاعدته وحتماً سيصل مرحلة اللاعودة اذا واصلت الانقاذ سياستها هذه . نبأ أهل الإنقاذ اتخطوا بما حدث في مصر وتونس ويجري الأن في ليبيا. وفروا ما تصرفونه من أموال وصلت المليارات علي أجهزة القهر والبطش لحماية وحراسة نظامكم ،فلو صرف نصف هذه المبالغ علي رفع المعاناة عن الشعب لما وصل الحال الي ما هو عليه الأن. أسألوا أنفسكم ، هل يمتلك نظامكم من المال والعتاد وأجهزة الحماية أكثر مما كان يمتلكه القذافي . فقد حصن نفسه وأسرته في مدينة كاملة سميت باب العزيزية في مساحة قدرها (6) كيلومترات وسورها بالأسمنت المسلح بثلاث أسوار بين كل سور والأخر مئات الجنود والأفضل تدريباً ، ولها انفاق تحت الأرض ، يفضي كل نفق الي عالم مجهول وسراديب واقبية يلجأ إليها اذا ما دارت علية الدوائر . فلم تسعفه جميعها ، لا دبابات ولا قصف الطائرات والصواريخ والقتل الجماعي والاعتقال والتعذيب والتصفيات الجسدية وكل أنواع القهر من المصير المحتوم . وهو الأن يبحث عن دار أو زنقة تأويه فلا يجد حتي جحر ضب . فليس أمامه سوى الهروب الى خارج ليبيا أو الاستسلام أو الموت علي يد الثوار الذين يقتحمون الآن أخر معاقله. هذا مصير كل الحكام الطغاة الذين إضطهدوا وقهروا وجوعوا شعوبهم فهل يتعظ أهل الإنقاذ قبل فوات الأوان. أستمعوا لصوت العقل ولو لمرة واحدة فقد حكمتم البلاد لاكثر من عشرين عاماً ولم تحصد البلاد سوى الخراب والتمزق وانفصال جزء عزيز وغال من الوطن وفقدت بفضل الخصخة أفضل المؤسسات التي كان يعند عليها اقتصاد البلاد، وصارت الأول في قائمة البلادالأكثر فقراً والثانية الأبشع فساداً بين بلدانه. يحدث ذلك لأن المؤتمر الوطني يصر علي التمترس في كراسي الحكم ، بكل الحيل والمبررات التي فشلت طوال الفترة الماضية. فشل الخداع بإسم الدين والمشروع الحضاري والنفرة الزراعية ، وكل المسميات المخادعة. الأن لن يسعفكم السلاح ، فقد تأكد فشله في أكثر البلدان طغياناً وإمتلاكاً للسلاح كما أشرنا من قبل.ومع ذلك فأنتم الأكثر علماً بأنكم لستم الوحيدون الذي تمتلكون السلاح في السودان ، فقد أصبح بفضل الحروب والصراعات القبلية متاحاً للجميع حتي رعاة الماشية . وهذا يعني أن الإصرار علي حل مشاكل البلاد بالحرب أو القهر أو فرض دستور غير ديمقراطي ، سيزيد النار ضراماً والسخط الشعبي اشتعالاً وتصاعداً . وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون. لا زال الوقت يسمح بجلوس جميع القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني للتفاكر حول كيفية اخراج البلاد من الأزمة الشاملة التي استحكمت حلقاتها . شريطة أن يسبق انعقاد هذا اللقاء وقف الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان وسحب القرارات المنافية للدستور التى اعلنها رئيس الجمهورية وأمر بتطبيقها في النيل الأزرق ، وسحب القوات الحكومية وعودة الحياة الس طبيعتها . والاعتراف بالحركة الشعبية كتنظيم سياسي في السودان الشمالي ، حتى تتمكن من المساهمة في اللقاء الجامع لكأفة القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني.. نجاح انعقاد هذا المؤتمر لا بد أن تسبقه لجنة تمثل القوي السياسية علي قدم المساواة ولا يهيمن عليها المؤتمر الوطني ، وسيند اليها تحضير اجندة الاجتماع ومكانه ومستوى تمثيل القوى السياسية وعدد كل حزب. أما إذا أصر المؤتمر الوطني علي ذات سياسته الانفرادية أو اعتمد علي الحلول الثنائية ، فلن يكون مصيره أفضل من الأنظمة التي أطاحت بها شعوبها. الميدان