تراسيم.. هجمة مرتدة !! عبد الباقي الظافر ذات صباح أغرّ فوجئ الشباب الذين يحرسون بيت الشيخ الترابي بزائر أشعث أغبر.. الزائر لم يكن إلا الصحفي محمد طه محمد أحمد.. محمد طه أراد مقابلة الشيخ لأمر مهم وعاجل.. كان برفقة محمد طه الصحافي الشاب (وقتها) عادل سيد أحمد خليفة.. الصحافي جاء لينصر رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي.. محمد طه وصلته معلومة أن حفيد المهدي يتعرض للقهر والاستفزاز في معتقله.. الحوار بين الصحافي والشيخ لم يكن ليناً ناعماً.. محمد طه يذكر الترابي أن المحبوس أخ كريم حفيد أخ كريم.. والشيخ في ذلك الوقت ما كان يحتاج لأن يأمر.. إشارته كافية لصناعة أكبر الأحداث. الوسط الصحفي يتأهب لإحياء ذكرى شهيد الصحافة السودانية محمد طه محمد أحمد الذي قتل في مثل هذه الأيام قبل خمسة سنوات.. مجلس الصحافة يقدم مساهمته بإيقاف ستة صحف رياضية دفعة واحدة.. ثم يؤكد المجلس الموقر أنه يعد العدة لإرسال سبعة وعشرين صحافيا لنيابة الصحافة والمطبوعات.. المجلس لم يحدد الأسماء بعد.. وأصبح كل صحفي يتحسس قلمه ويعيد البصر كرتين على إرشيفه. وقبل أيام كانت الأستاذة سناء حمد العوض وزيرة الدلة بالإعلام تبشرنا بغضب من الحكومة على الصحافة.. ذات الإشارات السالبة كات تصدر من وزير الإعلام شخصياً.. ويضطرّ زميلنا الصحافي الكبير ضياء الدين بلال الخروج من هدوءه المعتاد ويصوب مدفعيته تجاه وزير الإعلام كمال عبيد ويقترح تعيينه وكيلاً لإحدى الجامعات المعروفة. حتى عندما تفكر أحزاب المعارضة السودانية في صناعة جمعة غضب سودانية أسوة بما يحدث في دول الربيع العربي.. تمد الحكومة لسانها ساخرة من مقدرات المعارضة وفي ذات الوقت تشهر (سوطها) وتحرس المساجد بقوات مكافحة (الشعب).. الخرطوم لم تحتمل مظاهرة صغيرة تعبر عن رأيها في الحرب.. الحكومة تسمح لنفسها أن تصنع المسيرات التي تعطل المدارس والمصانع في أيام العمل الرسمية. الآن الحكومة تريد أن ترينا بطشها في الصحف الرياضية.. في ليلة واحدة يهيم مئات الزملاء على وجوههم.. في يوم واحد تغلق مئات البيوت دون سابق إنذار.. في ساعات معدودة يتم تقرير مصير مئات من الأسر بجرة قلم.. الحكومة تخطط لهجمة انتقامية ضد الصحافة التي قادت حملة التقاوي الفاسدة والمبيدات غير الفعالة والأتاوات والرسوم المسيئة التي تفرض على حجيج بيت الله الحرام. صحيح أن أداء الصحافة الرياضية وأختها الاجتماعية لم يكن يسر صديقاً ولا عدواً.. ولكن الأجهزة المسؤولة مهنياً وإدارياً عن هذه الصحف كانت تنوم نوم العوافي.. غياب المسألة الفردية العاجلة أزم الموقف.. جعل كل صاحب قلم يقتص بنفسه لنفسه.. فجأة يستيقظ مجلس الصحافة ويمارس العقاب الجماعي لمعالجة ظواهر فردية سالبة. الرسالة التي تصل ستكون سالبة جداً.. البلد في حالة حرب تستوجب توحيد الصفوف.. ولكن مثل هذه التوجهات القمعية تطعن وحدة الشعور بنصل حاد.. أما المصيبة الكبرى فإنها تسجل في سجلاتنا العالمية كمخالفة واضحة ضد حرية التعبير.. السودان في ستين يوما من عمر جمهوريتنا الثانية يمنع خمسة عشر صحيفة من الصدور. التيار