قياداتنا الكبيرة .. والاعتراف بحقيقة الزمن..! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] الحقيقة التي لاجدال فيها ولامهرب منها. ان واحدة من مشاكلنا في عدم استمرارية الحكم الديمقراطي وتعثره بذلك الشكل المتكرر والمتقطع .هو عدم ديمقراطية أحزابنا ذاتها .سواء في تقليدية القيادة أو تكلسها في سدة الحزب أو عدم البرامج التي تقود العمل من داخلها وتوجهه الي خارجها تواصلا مع جماهيرها وتطبيقه كمنهج حكم يطرح رؤى واضحة لمشاكل الوطن على مختلف مشاربها السياسية والاقتصادية والخارجية والأمنية وفي اطار وطني متكامل.. ! ربما تختلف الأحزاب العقائدية في الجزئية الأخيرة عن الأحزاب الطائفية ولكنها تلتقي معها في جزئية التحجر القيادى..الذى تعزوه الأحزاب مجتمعة الى عدم استقرار استمراريتها كتنظيمات في ظل الديكتاتوريات التى تعطل نشاطها وتستهدف وحدتها وبالتالى لاتتمكن من عقد مؤتمراتها داخل الوطن لتجديد قياداتها واعداد برامجها المرحلية.. وهي مشكلة قديمة متجددة أفرزت نتائج سلبية على العمل الوطني والسياسي يدفع ثمنه الوطن شعبا وأرضا..بل وتتخذه ذات الديكتاتوريات كذريعة للانقلابات العسكرية ..فمثلما تسلم الجيش الحكم في نوفمبر 1958 نتيجة الشد والجذب على السلطة داخل البرلمان بين الحزبين الكبيرين ألأمة والوطني الاتحادى وفي غياب الاحزاب الأخرى التي لم تبلغ المدى الجماهيرى الذي يحملها الى دائرة المنافسة وقتها ..فان مبررات ذات الجيش للقفز الى السلطة في مايو1969 كانت فوضي الديمقراطية وعدم احتمالها لكيانات بلغت سن الحلم ورفض اعطائها حق الدخول في جلباب العمل السياسي التعددي..الى جانب اخفاق الديمقراطية في تحقيق الأحلام الجماهيرية والوطنية التى سكبتها تلك الجماهير في الشارع مع دماء التضحيات التى أتت بثورة أكتوبر العظيمة.. صحيح أن تعقيدات مختلفة ومستجدات اخرى كانت من بواعث انقلاب الجيش في يونيو 1989 على الديمقراطية الثالثة التى اتت بها انتفاضة ابريل . في ظل تنامي الاسلام السياسي وتراجع المد اليساري وارتباك الاحزاب الطائفية الكبيرة التى دخلت السباق في المضمار نحو منصة الحكم بخيول انهكتها ستة عشر عاما من الحكم الشمولي التي ناصبته العداء في مراحل وغازلها في منعطفات كثيرة واستفرد بقاصية المستجيب من كوادرها ..ولكّن ذلك لاينفي بالطبع مسئوليتها في التقصير بل والتفريط عن تحصين ديمقراطيتها وتأمين حكمها واتخاذ الاحتياطات داخل قواتها المسلحة و تخيّر عناصرها الأمنية ..وتحقيق القدر المناسب من المصداقية تجاه جماهير الوطن بصورة عامة ومع جماهيرها هي بصورة خاصة..بالاضافة الى هشاشة ائتلافاتها غير المدروسة ولا المنسجمة حول القضايا المصيرية الهامة كمشلكة الجنوب التى جعل منها كلا الحزبين الكبيرين كعب أخيل الآخر ودخلا في سباق لينال كل منهما منفردا بشرف الفوز بقصب السبق فيها. وقوانين سبتمبرالتى كانت مسمار جحا الذي انغرس في عين الوطن ولم يجرؤ أحدمنهما منفردا او مؤتلفا من اخراجه منها وسط تزايد هيجة الاسلاميين الذين ارهبوا القيادات وحتى الشارع بمصاحفهم التى رفعوها على اسنة الرماح مستغلين عاطفة الناس من المسلمين وحساسيتهم تجاه الدين..! الان كل ذلك أصبح تاريخا بالطبع .. ولكّن المرارة تكمن في أن له ثمنا غاليا دفعه الوطن والمواطن وكل الشواهد على مسرحنا السياسي و الوطني والاجتماعي . تنطق بملامحه التي يبدو أن قادتنا من زعماء الأحزاب الكبار باتوا بحكم العشي الذي أصاب عيونهم مع الزمن لم يعودوا يتبينوا قسماته جيدا .. ولا سطور الدروس التي تنضح بها ثنايا صفحاته كسفر كبير لاستقاء العبر منه .. مما مكن النظام الحالى من مد لسانه لهم كلما هموا بالتحرك نحو الشارع ولو همسا ..ساخرا من دعوتهم تارة و مهددا ومتوعدا تارة أخرى وكأنه يذكركم باخافاقات الماضي ويقول لهم من طرف غير خفي ( الفيكم معروفة ).. حاليا وبعد أن رشحت تسريبات بان حكومة المؤتمر الوطني المحاصرة بعدة ازمات اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية وتحديات أمنية تسمع طلقاتها من أغلب ربوع الوطن .فضلا عن عدم تماسك البنية الداخلية للحزب رغم انكار قياداته التى تحاول سد عين الشمس باصبع واحد..وقد فشلت في استدراج المعارضة بشتى الوان طيفها السلمي والمسلح الى فخ تشكيلتها الحكومية الموسعة وفق برنامج المؤتمر الوطني لحل أزمة الحكم وليس على أساس برنامج قومي لاستئصال مشاكل الوطن.. فان رفض تلك الأحزاب والحركات لاشك يعد صفعة ستربك مافيا الانقاذ حكومة وحزبا .. وستفقد دربها في مياه الحيرة . ويزيد ذلك من معضلات تلمسها للمخارج من الازمة الاقتصادية المستفحلة والتي يتزايد انعكاسها ساعة بساعة على حياة المواطن وبالتالى تفاقم من احتقان الشارع وتصاعد وتيرة نقمته المكبوتة والتى لن يطول قدوم أوان انفجارها وهو الأمر الذي كانت تتحسب له الحكومة رغم مكابرتها فيه لتعجل من مشاركة المعارضة ومساعدتها في جر جنازة بحر سياساتها التى وصلت ميس الفشل وارتدت عليها في وجهها بعد عقدين ونيف من التخبط والتجريب والتكرار و الحماقات التى صدعت الأرض وقسمتها ومست المواطن وأرهقته شتاتا وجوعا وافتقارا وضعفا عن مواجهة وتوفير أبسط مقومات حياته وخدماته..! بناء على كل ما تقدم نقول لقياداتنا الكبيرة ومع احترامنا لهم ككبار سنا وقدرا وتجربة بكل ما عليهم ولهم .. ان للزمن حكمه وللطبيعة قوانينها .. وكما يقول المثل عند أهلنا في غرب السودان ان أم جركن وهي الجرادة لاتأكل خريفين.. فكيف لهم أن يصلحوا لكل الأزمنة وقد أكلوا مايزيد عن الأربعين خريفا..؟ فقد آن لكم ان تفسحوا الفرصة للقيادات الشابة في أحزابكم ليمروا من تحت أكتافكم ويتقدموا للقيادة في مجال السياسة ببرامج تواكب مستجدات الحداثة وتتلاءم مع واقع المتغيرات وفقا لتنافس ديمقراطي يعيد الثقة في مصداقية الأحزاب جماهيريا ووطنيا من اساسها..فهم أعرف وأجدى وانفع لزمانهم ..و تقدموا انتم الى الامام شخصيات تتمتع بالقداسة والوقار كمرجعيات يؤخذ بالثمرات الحلوة من شجرة تجاربها التى ستظل وارفة يستظل بها الجميع ليختاروا من يصلح للمرحلة دون نظر الى جهويته أو يشترط فيه ارثا تاريخيا يميزه عن الأخرين كابن بطة لها دلالها دون غيرها لنسبها أو حسبها.. فتلك معايير كان لها زمانها الذي فات وغنايتها الذي مات .. وان لم تبدأوا بتطبيق الديمقراطية نصا وروحا ومبدأ وقناعة داخل كياناتكم الحزبية فلن تستطيعوا اعطائها للوطن لعلاج أمراضه المزمنة . وسيظل الى يوم الدين كرة تمر من تحت أقدام ديمقراطية قصيرة التمريرات ..لتستلمها قدم ديكتاتورية تقذف بها في ضربات طويلة ولكن بعيدا عن الهدف..! فخافوا الله في وطن له يد عليكم قد سلفت ودين مستحق علينا كلنا .. ياهدانا وهداكم.. الرحمن المستعان.. وهو من وراء القصدد..