مصطفى عبد الله أحمد: ٭ إهداء: إلى الأستاذ ميسرة حسن يعقوب «المحامي» «من أدباء كسلا»: إلى الأستاذ فتح الرحمن البشرى: «من أدباء كسلا»: إليهما وقد جمعنا معاً هوى الأدب، فكانا من ذلك في جهات الروح: شقائق الروح. ٭ مدخل أول: بالله قل لي أقرطاس تخطط به من حلة هو أم ألبسته حُللا بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا عسلا الصاحب بن عُباد ٭ مدخل ثانٍ: وأكثر هذه الأشعار الساذجة الباردة تسقط وتبطل إلا أن ترزق حمقى فيحملون ثقلها فتكون أعمارها بمدة أعمارهم، ثم ينتهي بها الأمر إلى الذهاب، وذلك أن الرواة ينبذونها وينفونها فتبطل، قال الشاعر: يموت رديء الشعر قبل أهله وجيده يبقى وإن مات قائله ٭ مدخل ثالث: كان «محي الدين» بين الشعراء فارساً من صلب «فارس» كان «سيف الدين» بين الشعراء كان «عِز الكون» قلب الكون والدنيا وقلب الأتقياء. التيجاني حسين/ دراسة في الشعر السوداني والشعراء السودانيين. هذه المداخل نجعلها المدخل لهذه القراءة التذوقية التي تعنى بشاعرنا الكبير سيف الدين الدسوقي، ذلك المبدع والشاعر الملهم الواحد من أصوات ورموز الشعر السوداني وإحدى العلامات المضيئة والباسقة في حركة المشهد الأدبي في السودان. نذكر هذه الحقائق ولا يغيب عن بالنا ما له من وسامة الكلمة وما في شعره من حلاوة وطلاوة، وما فيه من المشاعر والأحاسيس الوسيمة التي تلامس النفس وتنفحها بتلك الجمرة التي عناها الجرجاني بقوله عن: تمثيل الشعر للوجداني والروحاني: «هو بحال يشرق وبحال يحرق» «1» وهو الشيء الذي يتلاحظ ونحن نطالع شيئاً كقول شاعرنا الكبير: الشاعر يسمع صوت الحُسن ويحسن كل فنون القول لكن أن يحيا في أرض جفاف أن يصنع أعصاباً من ألياف لتكون مكان الحس في الإنسان فمحال ذلك ليس من الإمكان ٭ ذات الأمر يطوقنا ونحن نقف على قدر ذلك الشاعر كما صوره: كلماتي يا زمن الأفراح الوردية عبرت موجات البحر لتصل إليك لتقول أنا مشتاق لتظل قليلاً في عينيك ولتحمل عذرى في سفري فأنا يا سمراء الصحراء هذا قدري أما أن أعشق أُنثى للإنسان أو أعشق أُنثى عاصمة تلك المحبوبة أُم درمان عاشق آخر لأم درمان هذا المبدع الفذ والذي جاهر بعشقه لأم درمان«المدينة الرمز» والتي أمطرت قصائد العشق والتي تقص العراقة والتاريخ والماضي البهي والمسطوع... سيف الدين الدسوقي عاشق أكسبه العشق وعلى ما فيه من جمال الروح حصائد العشق... الغربة محور دار فيه بعض شعر ذلك الشاعر الفذ والذي تميز بالإلقاء الشعري البديع... وأشعاره التي دارت في هذا المحور مفعمة بالاشتياقات والحنين وبالشجن والتأسي من الفرقة... كتب حين شاءت الأقدار أن يعيش بعيداً عن أنموذج الشعر: لو كنت أعلم إني بعد فرقتكم يصيبني الشوق بالتبريح والسهر ما كنت أرحل عن أفياء دوحتكم وأصبح الآن لا شمسي ولا قمري يا منبع الخير والأيام مقبلة متى تعود إلي أوقاتنا الغُرر؟ فيزدهي الفن والإبداع يا أملي ويؤرق الحب كالأغصان في الشجر كما أن في الغربة انداحت من ذلك المبدع... القصيدة المغناة الذائعة «ذات المطلع المسكون بالعتاب الجميل»: ما في حتى رسالة واحدة بيها إتصبر شِويه والوعد بيناتنا إنك كل يوم تكتب إليا ومن ذات المحور جاءت قصيدته «زمن الأفراح الوردية» السابق ذكرها.. ولذلك حين عبرت البحر إلى السودان: غنيت سعيد كالأطفال ونسيت حلاوة طعم المال ورجعت أغرد بالأفياء بكل مكان وركعت أُقبل أُم درمان هذه العاصمة الأُنثى أهواها مذ كنت غراماً في عيني أُمي وأبي وحملت الحب معي بدمي القصيدة طويلة ومتضمن فيها غربة صاحبها: وعن جنونه وجانب الحب الساكن فيه: وأنا مجنون تعرفني كل الأشعار يعرفني الليل المسدل سترته وشقاء الفن وكل نهار لا أحسن أن أبقى من غير الحب والحب حرام في الصحراء وأنا يا أنت يا سمراء إحساسي لا يعرف طعم المال ولا البترول مبدعنا الشاعر الكبير سيف الدين الدسوقي عاشق أُم درمان وحامل المحبة والجميل جداً يكتب ما هو مكتوب بدمع العين وماء القلب وملون بالأحاسيس والمشاعر «الرقيقة» وبكل ما يقول بأن الشعر وجدان وروح عصر، كما أن أشعاره تعكس ما في الألم العظيم والمعنى الحقيقي للقول بأن المعاناة تخلق الإبداع... أنا يا أحبة رغم أودية الزمن رغم البعاد وغربتي ومطامحي رغم الشجن أنا مثلما أحيا هنا أنا عندكم أحيا على أرض الوطن أنا يا أحبة عندما نادى الأذان ذكرتكم وسمعت في البعد البعيد مرتلا للذكر، أي الله يثري فجركم فعرفت في الصوت الجميل أبي أبي وعرفت في الفجر البديع خصالكم أنا يا أحبة في الصباح ذكرتكم ورأيتكم عندي بعين مشاعري وسألتكم عن أُمي الفُضلى وعدت سألتكم فبخلتمو حتى بحمل تحية استودعتها إنه يوماً عندكم فعتبت.. والله العظيم.. عليكمو جاء المساء أحبتي ورأيت أطياف المساء حدقت على عندها ألقاكمو وعسى وعسى فإذا خيوط الليل في أبعادها: بنتي «لدينة» والشقيق أخي «بها» فحضنت في الليل الكئيب مباهجي وبفجاءة أدركت أني حالم عانقت أفراح المُنى أمالها وخيالها هذه العواطف الجياشة حملها الشاعر قصيدة سماها «الغربة والعيد»، وفيها كما نلاحظ استخدامه لتقنية التكرار التي تخدم التأكيد كما لها وظيفتها الجمالية. وشأنها شأن كل أشعاره الفخيمة بلغت حد الامتلاء والذي عناه قول القائل عن: الألفاظ المليئة بالرحيق كأعناب الذئب «2» كما تعمر وتموج بالكلمة النقية التي حملها قول راينر ريكله بإحدى قصائده: السائح لا يأتي من مرتفع طرف الجبل بقبضة من تُراب إلى الهادي، والتراب الذي لا يقال لكن بكلمة اكتسبها، بكلمة نقية «3». إن شاعرنا الكبير والإعلامي الفذ سيف الدين الدستوقي، وهو بحق وحقيق من فوارس الكلمة الشعرية في السودان، كما أنه من نفر مبدع وخلاق قدم بالزمن الجميل فزركش دفتر الشعر السوداني بما هو مترع بالوسامة وبالثراء وبالابداع، وعليه كان ذلك النفر في قلب وقالب وتفاصيل مشهدنا الشعري ومشهدنا الابداعي. مصطفى عبد الله أحمد ٭ إشارات: 1 تلخيص لقول عبد القادر الجرجاني: ليس الشعر إلا ما مثل الوجداني وجسم الروحاني فظهر حتى أشرق وبطُن حتى أحرق. 2 ينظر: سعيد مصلح السريحي/ دراسة/ سلطان الحرف: مدخل إلى طقس اللغة: مجلة الثقافة الوطنية: العدد الخامس: مارس 1989م: رجب 1409ه: ص104. 3- ينظر: نفس المصدر ص103.