صناعة الفتنة ! أيمن مبارك أبو الحسن [email protected] ثمة من يطلق الأكاذيب، يشيعها بين الناس، ثم ما يلبث أن يصدّق أكاذيبه حين يرى إهتمام البعض بها، فينمو ظنه الآثم، ثم يكبر ويتطور إلى خيال وأوهام، فكم غبياً أوهم نفسه بالذكاء المفرط، وظل يروج لذكائه المزعوم، فوجد من عزّز له ذلك ساخراً في دواخله، فتضخمت ذاته، وصدّق فعلاً أنه عبقري زمانه، ومبدعه الأوحد.وبعض الِفرَق التي أطلقت على نفسها \"فِرَقاً فنية\"، تقتات بنكاتها البائسة، وسخريتها من الناس، وحينما وجدت تجاوب البعض وأكثرهم المحبط الذي يستجدي الضحكة ولحظات الفرح من بين أنقاض أحزانه وهمومه المتراكمة، لم تتوانى في القفز على الفرصة، ثم أعتقدت وهماً أن ذلك ضرباً من ضروب الفن، ومكمناً من مكامن الإبداع لم يأت به الأولون ... فظلت تتمادي في ذلك وأحالت ما تظن أنه إبداع إلى حرفة يتكسبون بها، ويحيون عليها.هذه الِفرَق إنتشرت في مجتمعنا مثل المرض الخبيث ينشر عدواه للجميع، لا ينفع معه مصل أو تطعيم، مرض \"جرثومي\" ينتقل مع الهواء أينما ذهب، ومهما حرصت أن تتفاده فإنه مصيبك لا محالة. وإن اقتصر الأمر على المكانة الكبيرة التي أوجدتها هذه الفِرَق في سوح الفنون فلا نبالي، فهذا زمان من أزمنة أنصاف المبدعين وعاطلي المواهب الذين علا سهمهم، وأرتفع نجمهم... لكن المشكلة في التأثير المتنامي لهذا النوع من الغثاء، فهو مؤذي ومضر، ونتائجه سريعة ومريعة. ظلت هذه الِفرَق طوال السنوات الماضية تلعب على تناقضات المجتمع الطبيعية، وتنفذ لكل العلل والحساسيات الموجودة به، مثل البكتريا التي تتوغل داخل جرح قديم، فيعود من جديد جرحاً طازجاً غائراً يتطلب جراحة عاجلة. ثم اهتدت هذه الِفرَق أن تردد كلما عنّ لها عبارة: \"هدفنا هو الضحكة البرئية وليس السخرية\" وكأن هذه العبارة هي شهادة مرور أو صك براءة تخولها أن تفعل ما تريده، وتطلق لها ما شاء من نكات فارعة المحتوى، عديمة الفائدة. هذه النكات رغم ما بها من خواء وسذاجة، لكنها بدأت تحصد نتائجها السالبة التي أفضت إلى تكوين صور نمطية غبية وكاذبة في الوقت نفسه، فطفقوا يشكّلون أمزجة الناس وسماتهم على أهوائهم، فهؤلاء مجموعة من الحمقى، وآخرون قوم \"خبثاء\"، وتلك فئة بسيطة ساذجة، أما أولئك فسمتهم الغباء والبلادة. هذه الِفرَق من خلال \"نكاتها\" التي يظنونها \"فن وإبداع\" أضرت بنسيجنا الإجتماعي والذي يعاني أساساً من أمراض وعلل مختلفة، فجاءت لتضيف المزيد، وتساهم في زيادة الحريق بدل أن تكون أداة إيجابية لتقوية ذلك النسيج، ومد جسور الحب والتواصل بين الجميع. هناك شعوب سعت لإقصاء شعوب أخرى من خلال التنميط، فقامت –عن قصد- باصطناع صور نمطية سلبية تعززت بمرور الوقت حتى أصبحت كأنها حقيقة.. ولا نذهب بعيداً، فصفة مثل الكسل التي يطلقها علينا البعض، أخذت تتشكل حتى أوشكت أن تصبح حقيقة مسلم بها في أذهان الآخرين، وهذا قطعاً نتيجة لإجتهادهم وإنشغالهم بخلق صورة نمطية سلبية لأهداف تتعلق بالإقصاء والتنافس والغيرة، أو ربما أتت ضمن سياق الإستعلاء الذي يسعون لتكريسه.أما أن يتم \"تشكيل\" التنميط داخل نسيج واحد، فهذا ما يقلق، خاصة إن كان أحد أدوات هذا التنميط ما يطلق عليهم ب \"فِرَق النكات\"، والتي فتحت لها الأبواب الرسمية والشعبية لتنفث سمومها من خلال كل الأقنية والمنابر، فانداحت للبيوت والأندية والمدارس والمسارح، وعبر أجهزة الإعلام وشرائط الكاسيت. ولم تلق أي إعتراض من جهة رسمية أو شعبية، فلزم الجميع الصمت عن هذا النوع من \"الفن\" وهو منه براء، فلا هي رفضته ... ولا قومته حتى يفيد وينفع الناس. هذه الِفرَق دون أن تشعر أصبحت أداة من الأدوات التي تصنع الفتنة، وتغذي أجواءها، وتهدد السلام الإجتماعي، كأن بلادنا تعاني من قلة الفتن، ما ظهر منها وما بطن.ترى هل توجه أحد بإسداء نصيحة لهؤلاء، أن يكفوا عن سخفهم الذي طال أمده، واتسع مداه. [email protected]