د عبدالرحيم عبدالحليم محمد [email protected] 1 اخترقت رسالته إليها حجب التاريخ فكتب يصفها حسنها الأخاذ وكيف أن موهبتها الصحفية الرفيعة حازت يومها على إشادة خاصة من جلالة الملكة الكنداكة : كان خدك بلون البركاوي يشع فرحا وابتهاجا لأن جلالة الملكة إفتتحت جلسة مجلس وزرائها التي انعقدت ذلك اليوم بقرية \"كجبي \" من أعمال المملكة لتغطيتكم المتميزة لحربها مع القيصر الروماني . كم تمنيت يا عزيزتي أن لو كان مغنينا أحمد عمر الرباطابي حاضرا إذن لغناك\" الشتيلة الفوق جدولا جيت أمد إيدي أتناولا الحراريس قالولي لا إنت فقري ومابتقدرا لقد أشرتم في تغطيتكم إلى أن جلالة الملكة أماني ريناس \"الكنداكة \" ، كانت مغتاظة جدا من وصف الرومان لها ب\"المسترجلة \" ، إضافة إلى أن فكرة التوسع الروماني جهة أسوان في حدود مملكتها شمالا لم تعجبها. لذلك وكما أشرتم في تغطيتكم، كان إجلاؤها المبارك للرومان من حدود مملكتها. لقد سرت صاحبة الجلالة سرورا عظيما لإشارتكم إلى أن الرومان لم تطأ أرجلهم مملكة مروي مما يدل على أن جنودها هناك هم الذين أتوا بتمثال الإمبراطور الروماني أغسطس الذي كان أشهر الساسة في التاريخ. جنود مروي قطعوا رأس تمثال أغسطس واحتملوه معهم من حدود مصر الجنوبية إلى مروي حيث دفن عند مدخل أحد معابدها، بحيث كان كل داخل إلى المعبد لا بد أن يخطو فوق رأس القيصر-الإله إمعاناً في الإذلال والإهابة. وهكذا عثر علماء الآثار على هذا التمثال حيث أودع المتحف البريطاني، إذ ما تزال آثار رمال صحراء السودان ظاهرة على كل أجزائه. 2 توزيع جلالة الملكة لميداليات ذهبية من مناجم مملكتها سرني كما أن إتمام التوزيع في قاعة \"وردي\" بالمدينة الملكية ، كانت له دلالته لا سيما بعد أن أعلنت المملكة عزمها على زيادة صادرات الذهب وفتح رخص التعدين لجميع السودانيين ليس فقط المنتسبين للحزب الوطني الكنداكي. ومع سروري الكامل بتقريظ جلالتها لكم في صحيفتكم ذائعة الصيت \"نخيل بلدي \" ، إلا أنني في غاية الإزعاج لأن كهنة الملكة تنبؤا لها بأنه سيمر يوم من الأيام على المملكة يرفع فيه السودانيون شعار \"الذهب الذهب ...يكاد عقلي يذهب \"لقد تنبأ كهنة المدينة الملكية بأن سائلا أسودا ثقيل القوام نفاذ الرائحة سينساب ذلت يوم على أراضي المملكة وهو سائل غالي الثمن ينداح في بداية الأمر خيرا وبركة على السكان يشحن على سفن عملاقة هائلة الحجم ويباع إلى شعوب عيونها خضراء تسكن خاف أعالي البحار وتسبق أهالي المملكة في التقدم والحضارة بقرون . سينعم أهالي المملكة –كما تنبأ الكهنة –بخيرات ذلك السائل ويشيدون من خراجه القصور ويدفعون منها أعلى المهور ويبتاعون لهم رواحل من الحديد لا هي بالبغل أو الحمار أو الجمل تصدر أزيزا عاليا مخيفا عند مشيها وتجري على عجلات أربع لا هي بعجلات الهكسوس ولا عربات الأشوريين الحربية. ثم أن المملكة تنشطر إلى نصفين فتصبح كحية عظيمة تتلوى من الألم بعد أن شطرها سيف تتري بتار إلى نصفين مهددا بتقطيع أوصالها إربا إربا.. ولسوف يبقى السائل الأسود –كما يرى الكهنة –في نصف المملكة الذي سيحكمه رجل ملتح فارع الطول ، محمر العيون ، أسود القلب ، على رأسه قبعة من ريش النعام يمشي متبهنسا في مشيته متنكبا على الدوام قوسا إفريقيا مصنوعا من خشب الضغائن ولسوف يمضي هذا الحاكم بعيدا بنصف أراضي المملكة فيعيش أهلها على أحلام البريق الذهبي ولا يجدونها. ولا يلبث هذا الحاكم حائكا للدسائس والمؤامرات آتيا برجال من وراء البحار يهجمون على أراضي المملكة...يقتلون رجالها ويستحيون نسائها حتى أن الرجل منهم ليقول أنج سعدا فقد هلك سعيد.ولسوف يلقون بوزراء المملكة في نهر النيل في يوم فائض وإلا ففي بحر القلزم.إن ناسكا متعبدا من نساك المملكة رأى فيما يرى النائم أن نسرا عظيما يتخطفه من داره ويلقي به في مغارة عظيمة على بحر الرجاف. وقد فسر ذلك بأن يوما رهيبا سيحل على المملكة لا ينجو منه حتى الرضيع. ذاك يوم لا يحفل الناس فيه بالأسعار ولا برنين الدولار ولا بالأراضي والأسوار. هنا أبصر الناس الصحفية \"أم حقين\" .. تجري وتجري وتجري بلا دفاتر أو أقلام متوارية عن الأنظار وراء خط الأفق خلف جبل البركل..