بشفافية إذا غابت الحكمة حضر الخراب حيدر المكاشفي والله إن المرء ليُحار في أمر بوم الخراب وغربان الدمار هؤلاء الناعقين ضد الاتفاق المبدئي حول الحريات الاربع الذي تم توقيعه مؤخرا بالأحرف الأولى بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا بين وفدي التفاوض لدولتي السودان وجنوب السودان وباركته قيادات البلدين توطئة لإقراره بصفة رسمية ونهائية عند لقاء رئيسي الدولتين بالعاصمة الجنوبية جوبا المخطط له ان يتم نهاية الشهر الجاري او فاتحة الشهر القادم، فهذا البوم وهذه الغربان لا تملك شيئا غير النعيق والزعيق وتلويث الاجواء بإثارة الفتن والشحناء والبغضاء المفضية للخراب والدمار والفرقة والشتات، ليس لديهم فكرا ناضجا يقدمونه ولا رؤية سديدة يطرحونها، ولا بديلاً نافعاً يحتجون به، ولا حكمة مفيدة ينطقون بها، انهم خلو من كل ذلك ما عدا مقدرتهم الفائقة على بذل الشتائم وابتذال القضايا وممارسة الخصومة بنذالة، ولا غرابة فكل إناء بما فيه ينضح، واناؤهم ملئ بالاحقاد والاحن والضغائن والغبائن العنصرية، ورؤوسهم خاوية من اية قدرات تحتاجها متطلبات قيادة البلاد بحنكة، وسياسة امور العباد باللباقة والكياسة وادارة الشأن العام بعقلية رجال الدولة المحترمين وليس عنتريات الموتورين والمتوترين والمهووسين والمهجسين، ولو سئلوا الآن ما بديلكم لهذا الاتفاق بدلا عن حافة الهاوية التي توشك البلدان ان تترديا فيها، لحاروا جواباً نافعاً ولقالوا هي الحرب مع انهم ليسوا من رجالها، وهذا لعمري انما هو فعل الغربان التي قال فيها الشاعر «لو كان الغراب دليل قوم مرّ بهم على جيف الكلاب»، انهم يريدون ان يقودوا الناس إلى هذا المصير، ثم من بعد ان ينداح الدمار ويعم الخراب يستمتعوا مثل البوم بالجلوس على الاطلال والتمتع بالنظر لمشاهد الدماء والدموع والاشلاء والجثث مصداقاً لقول الشاعر الشعبي «كايس للخراب تهدم ولا همّاكا، رحمن العباد خيب جميع مسعاكا، يصرف ربنا شر الحروب واياكا» ولكنهم للاسف بعد ان اعمت العنصرية المنتنة بصائرهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً، وهنا تصدق فيهم الآية الكريمة «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون إلا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون». إننا لا نعرف مصير هذه الاتفاقية حتى الآن وما اذا كانت ستمضي إلى نهاياتها بتوافق تام يؤسس لسلام كامل ومستدام يعيد كل الحقوق والامور والاوضاع إلى نصابها الصحيح أم انها ستلقي لسبب أو آخر مصير سابقتها، ولكن يكفينا للدفاع عنها في هذه المرحلة انها على الاقل تفتح كوة للتفاؤل بأن الحكمة الغائبة بدأت تعود، فعندما غابت الحكمة نعق الغراب وحضر الخراب، وانها تؤشر إلى أن الدولة بدأت تدرك خطورة المماحكة والمخاطر الماحقة المحدقة بالبلاد، وهذا وحده سبب كاف لنا لنناصرها، ولكن ما بال بوم الخراب وغربان الشؤم عندما يوسعونها هجوماً وشتماً لا يبلغون بشتائمهم هذه إلى منتهاها وانما يقصرونها على اعضاء وفد التفاوض الذين لم يوقعوها بالاصالة وإنما بالوكالة عن حكومة السودان، ورأس الحكومة هو المشير البشير الذي لا شك انه كان على علم بكل الخبايا والخفايا والدقائق، وقد بارك الاتفاق بل ومن أجله سيمضي إلى جوبا لإمضائه... «عالم جبانات بشكل تعرفوا الخوف ما تعرفوا الادب»... الصحافة