د.حامد موسى بشير [email protected] وفي سوق المدينة الريفية الصغيرة ، وجدت جمهرة من الناس يلتفون حول شخص ما في شكل حلقة .. ومعلوماتي عن الشعب السوداني أنه لايلتف في حلقة إلا لذكر الله أو تناول العصيدة ، لذلك تملكني الفضول ودنوت.. في الوسط كان هناك عربة أمجاد صغيرة وهناك رجل طويل القامة ، ملتحي حاد النظرات ، يرتدي ملابس هي مزيج جبة الدرويش والبدلة القديمة..كان يقول بأعلى صوته : - صلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ورفع عصاه وأستمر في كلامه : - ولما بعدنا عن الدين بتاعنا ، ربنا سلط علينا الأمراض .. بتعرفو الأيدز يا جماعة ؟ الأيدز .. الأتش واي بي (يقصد الأتش أي في).. أسألو أي دكتور وأسألو أي خواجة لو قال ليكم لقو ليهو علاج .. بتعرفو السرطان ؟ أسألوهم برضو لو بعرفو ليهو علاج .. عارفين لشنو ؟ لأنهم مارجعو للكتاب والسنة .. صلو على حبيب الله - صلى الله عليه وسلم نظرت لعربة الأمجاد فوجدت لوح خشي كبير مكتوب عليه بخط كوفي كبير : د. التوم خبير طب الأعشاب والطب النبوي .. حاصل على الدكتوراة من الكاميرون ( على من يشك طبعا السفر للكاميرون للتأكد ) وجوائز من النيجر وأفريقيا الوسطى حيث تلقى درس أصول الدين والطب .. (ترى هل يقصد بحرف الدال دكتور أم درويش؟ ) ... وأستمر الرجل : - ونحن لمن درسنا دينا كويس لقينا الحل لكل الأمراض دي بعون الله ... نحن عالجنا الأيدز والسرطان .. صلو على رسول الله وأسفل اللوح وجدت القائمة السعيدة لكمية الأمراض والعاهات التي يشفيها : - الأيدز – السرطان – الأمراض الوراثية – السكري – الضغط – الماء الأبيض – الضعف الجنسي (طبعا فهذا الوتر لا يفشل أبدا ) – الشلل – البواسير – البروستاتا – الفشل الكلوي الخ الخ ( إندهشت لأنني لم أجد الزهايمر ومتلازمة أديسون)... بإختصار هذا الرجل يشفي كل شئ ، ولو كان ربع ما يذكره صحيحا لفاق سيدنا عيسى نفسه في قدرة الشفاء.. بصراحة أستفزني الأمر .. لا أحب التدخل عامة في شئون الآخرين ولكن هذا السخف كان فوق طاقتي .. فرغم هالة الدين الكبيرة المحيطة به ، فهو ليس سوى محتال يرفع شعار قال الله وقال الرسول.. لذلك رفعت يدي وقلت له : - يا شيخنا .. عالجتو الأيدز ده كيف ؟ نظر لي كأنني طفل وقال : - أنا دكتور أنا ما شيخك.. وعالجناه من الكتاب والسنة .. بتعرف الحبة السوداء؟ نحن عملنا فيها ابحاث الخواجات ما قدرو يعملوها ونظر للناس وقال بأعلى صوته : - قال رسولنا الكريم (الحبة السوداء دواء لطل داء إلا السام ) .. صلو على حبيب الله والتفت لي مبتسما بثقة : - فهمت يا أستاذ - أنا ما أستاذ ، أنا دكتور .. أها كلامك مظبوط ومافي شك في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن إنت عالجت حالة يدز قبل كده؟ صاح باعلى صوته : - عبد المجيد من عربة الأمجاد خرج المدعو عبد المجيد ... رجل قصير له كرش ورأس مفلطح ونظرة ماكرة وأسنان أتلفها التمباك... شخص لايمكن ان تثق به او تصدقه أبدا في يوم من الأيام .. دنا عبد المجيد من الرجل وفورا بدا في البكاء وتقبيل يد الشيخ وهو يردد : - لا إله إلا الله ... الشيخ شفاني .. انا غلطت لكن تبت .. المرض قرب يكتلني لكن الشيخ شفاني . ... وحدوووووه وتصايح الناس بحماس : - لا إله إلا الله ونظر الرجل نحوي قائلا : - أهو قدامك .. أكشف عليهو وأفحص ليهو ولو لقيت عندو أيدز قول أنا كضاب هذا الأحمق يعتقد إنني أحمل معي جهاز (أليزا ) في جيبي ، ولكن ما غاظني فعلا هو الحماس الأبله الذي بدأ على وجوه الناس ... وأستمر الشيخ واضعا اللمسة الاخيرة لإنتصاره رافعا مصحف بيده اليمنى : - كلو هنا يا دكتور لكن إنتو ضليتو الطريق .. أرجعو لكتاب الله وحتقدرو تعالجو الناس .. أرجعو للدين .. أرجعو للدين... وحدووووووه - لا إله إلا الله وأنسحبت أنا بعدما غلبني الكلام ... لم يهزمني هو ، فمنطقه أوهى من خيط عنكبوت في يوم عاصف ، ولكن هزمني الناس.. هزمني جهلهم وإنقيادهم الأعمى لكل من لوح لهم بورقة الدين ... هزموني حين رأيتهم يتهافتون لبضاعته التي لا تسمن ولا تغني عن مرض لأنهم يأسوا من علاجاتنا المجربة والفعالة والغير متوفرة لهم ... هزموني حين رأيت نظراتهم لي كأنني ملحد حين اناقشه كأنني أعترض على ما قاله الله وقاله رسوله ... وبخواطري الكاسفة هذه وصلت المستشفى ودخلت حيث وجدت لجنة تفتيش من وزارة الصحة ، قال لي أحدهم : - د.إدريس من وزارة الصحة .. نحن هنا عشان نعمل تفتيش دوري لمرافق المستشفى ونتفقد أحوال العاملين طبقا لسياسة الوزير الجديد الرامية لرفع مستوى الصحة ... نظرت له لحظة ثم انفجرت بالضحك ... أضحك وأضحك بينما هم ينظرون لي بدهشة ... أي صحة تلك التي تريدون رفع مستواها يا سادة ؟ .. اخرجوا للشوارع وأنظروا لحقيقة صحتكم .. هناك عباقرة يبيعون الهواء للناس ويعالجون الأيدز والسرطان – وصدق أو لا تصدق الضعف الجنسي أيضا .. كيف ترفع مستوى صحة عند قوم وعيهم أسفل كواحلهم ؟ وتركتهم في دهشتهم وغادرت المستشفى هائما على وجهي ... في كل مكان كنت أرى وجوه الناس .. وفي راديو قريب كنت أسمع صوت مسئول رفيع يخطب بصوت هادر : - وإنشاء الله سوف الخ .. وسوف الخ ولن نتخلى عن الخ وووو الله اكبر ويردد الناس خلفه بزئير عال كانهم في غزوة بدر : - الله أكبر هكذا تتم قيادتهم وهم يستحقون.. بعد قليل سيركب هذه المسئول المرسيدس ويعودون هم راضين لأولادهم لتناول الفول بدون زيت... وهكذا تستمر الحكاية ... يا سادة لا تلموني لأنني أسميت أولادي الثلاثة بالترتيب : جهل وفقر ومرض... ولكن لوموا صديقي الذي ضربته حين خاطبني قائلا : - يا أبو جهل د.حامد موسى بشير