قراءة تانية أمريكا الضاحكة ( .. علينا) السر قدور و (أمريكا الضاحكة ) أحد الكتب العربية التي وجدت رواجا كبيرا عند صدوره ومؤلف الكتاب هو المرحوم مصطفى أمين أحد مؤسسي دار أخبار اليوم بمصر .. وتزامن صدور الكتاب مع الحملة الإعلامية المخططة والممولة التي خرجت بها أمريكا من عزلتها بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية باعتبار أنها صاحبة النصر وزعيمة العالم الحر وواحة الحرية والديمقراطية . وشاركت في هذه الحملة مؤسسات إعلامية لا حصر لها وغطت أركان الكرة الأرضية الأربعة وكانت السينما من أهم أدوات هذه الحملة فقد غزت الأفلام الأمريكية قلوب وعقول الملايين لتقدم لهم الحياة الأمريكية الزاهية ولتصدر لهم مجتمع الرفاهية والمثل والمبادئ السامية وصور الشجاعة والبطولة .. ونشطت دور النشر في تقديم المؤلفات الأمريكية فعرف قراء العربية أسماء وليم فولكنر وارنست هيمنجواي ومارك توين وتنسي وليامز وآرثر ميللر ويوجين أونيل . وبينما كانت الوسائل الصحفية والثقافية والفنية تقوم بدورها المرسوم تم دعمها في العالم العربي بالموقف السياسي الذي أظهر أمريكا باعتبارها نصيرة الشعوب ذلك عندما وجه الرئيس الامريكي ( دوايت ايزنهاور ) إنذاره الشهير لفرنسا وبريطانيا وإسرائيل بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وقد ثبت فيما بعد ان الإنذار لم يكن هدفه هو الانتصار لمصر والعرب وإنما تحقيقا لمصلحة أمريكا التي تخطط لتكون بديلا للاستعمار القديم. وهذه الأهداف التي كان العمل يجري لتحقيقها في الخفاء فقد ظهرت علنا بعد اغتيال جون كنيدي وتولى نائبه ليندون جونسون الرئاسة .. ونشر فيما بعد كيف استطاعت قوى الضغط التي تمولها القوى الصهيونية ان تسيطر على رئيس وسياسة امريكا وما أبعد الفرق بين الإنذار في عام 1956 والعدوان المدعوم من امريكا عام 1967 . ومنذ حرب 67 وحتى هذه اللحظة ظل الموقف الامريكي ثابتا معاديا لحقوق الشعب الفلسطيني مؤيدا لاسرائيل وهي تحتل الأراضي العربية .. نعم هناك تصريحات وهنا مندوبون وهناك وعود وهناك أحاديث دبلوماسية معسولة ولكن الواقع على الأرض يؤكد تأييد الاحتلال . والعداء الامريكي للسودان كان قبل إعلان الاستقلال ولم يتغير بعد ذلك فقبل الاستقلال كان موقفها ضد الاتحاديين انها ضد دعوة ( الوحدة ) أساسا لأنها صاحبة استراتيجية (التقسيم ) وأضمرت العداء لحزب الأمة بعد ان رفض رئيسه السيد الصديق المهدي في اجتماع في لندن مجرد مناقشة فكرة الاعتراف باسرائيل بعد الاستقلال فوقع الحزب في الدائرة السوداء وكان هذا هو الموقف من كل القوى السياسية السودانية الأخرى ولم تدعم امريكا في السودان الا حركة التمرد حتى انتهى الأمر إلى ما انتهى إليه . وقد تعمق الموقف العدائي للسودان بعد انعقاد أقوى مؤتمر للقمة العربية في الخرطوم عقب حرب 67 وهو مؤتمر اللاءات الثلاثة .. والذي كشف قدرات أهل السودان وتأثيرهم وأن هذا البلد يمكن ان يكون قيادة مؤثرة وفعالة في العالمين العربي والأفريقي ، فكان لابد من العمل على تعطيل دوره . ونرى الآن كيف تتعدد المواقف والتصريحات والنصائح ولكن بعد كل حين نكتشف أن الثابت هو العداء والمتغير هو التصريحات والخطابات .. واذا كان مصطفى أمين قد أصدر كتابا للإشادة بزعيمة العالم الحر وأسماه ( أمريكا الضاحكة ) فنحن الآن نحتاج لمن يؤلف لنا كتابا يكون عنوانه ( أمريكا الضاحكة .. علينا ) فقد تبدلت امريكا الضاحكة وحلت محلها أمريكا العابسة . وأخيرا ان أسوأ ما يمكن ان يحدث هو استخدام الذكاء لتحسين صورة الغباء الراي العام