[email protected] بعد تحرير مدينة هجليج (رجالة عديل) من براثن جيوش الحركة الشعبية , فان ما يحدث الآن في السودان تحديدا في اجهزة اعلام الدولة الرسمية وفي منابر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في كل انحاء الولايات والمحليات, من تعبئة عامة واناشيد وملاحم وطنية وحماسية واحتفالات تزدحم بها قنوات الاذاعات المسموعة والمرئية وخطب رسمية تصدر على الهواء الطلق مباشرة تقذف الحمم ويتطاير منها الشرر ويشتم السامع من مفرداتها الجهادية رائحة البارود والحرب والفتنة والعنصرية , بدءا من الخطاب الناري للسيد الرئيس عمر احمد البشير بعد التحرير ومرورا بخطابات نائبيه الكبار علي عثمان والحاج ادم ومستشاريه النافذين الكثر وولاتهم وما تلاهما من استنفار حميم للجهاد في سبيل الوطن والعقيدة وزغاريد وتهليل وتكبير وتاجيج ومحاولة الشحن المبالغ فيها للمواطن السوداني البسيط والمعركة قد انتهت منذ اكثر من اسبوع والسودان يغرق في وحل الازمات الاقتصادية وتتدنى قيمة الجنيه السوداني اسفل سافلين واسعار السلع تتصاعد باستمرار وتطحن برحاها حياة المواطن الجائع المغلوب على امره الذي يدعونه للجهاد ويستقطعون من راتبه قسرا ضريبة زاد المجاهد شيئ حقا يدعو للحيرة وللدهشة , لم ندق طبول الحرب ونصنع من سوداننا مرجلا وبلدا غير مستقر وغير آمن ؟ ونحن في امس الحاجة المستعجلة لتطمين وجذب المستثمر العربي والاجنبي وزيادة صادراتنا ووالاهتمام بقطاع الزراعة ومعالجة قضايانا الشائكة وخلافاتنا ولملمة اطرافنا والاتفاق للخروج بهذا الوطن من هذا النفق المظلم الذي يؤدي للاحتراب والخراب والتشظي وهدر الارواح وما تبقى من موارد مادية , فهبة وخروج الشعب السوداني بكل قطاعاته واتجاهاته والوان طيفه ووقوفه بجانب القوات المسلحة لتحرير الارض والعرض بعد شعوره بالاهانة والاحتقار من سقوط هجليج تحت قبضة جيش الحركة الشعبية هو حدث فريد استغله اعلاميا قادة ورموز النظام ووظفهوه لمصلتحهم, كحزب حاكم ذو شعبية ومكانة بل محاولة متكررة منهم في اعلامهم لضرب الحديد ساخنا والتفافة سريعة وذكية على الشعب لكي يستمدوا من هذا الالتحام التاريخي والنادر القوة التي تعينهم على الصمود والبقاء في كراسيهم وقصورهم وحورهم بعد ان تشوهت شركاتهم واسماء الكثير منهم بالفساد وخارت اركان نظامهم المترنح واوشك على السقوط , ما من شك ان قادة الجنوب بقصر نظرهم وغبائهم وتهورهم قد اخطاوا مع الشعب السوداني واستفزوه بدخولهم واحتلالهم لارضه, السبب الذي خدم وساهم في نفخ الروح من جديد لنظام البشير المختنق سياسيا والمتدهور اقتصاديا والمطلوبة رموزه للعدالة دوليا منحوه بذلك اكسجين الحياة ولقطة مصورة للانتصار لهم ومن خلفهم جموع الشعب ومقويات للنهوض من غرفة الانعاش بصبغة شعبية مستعارة وبعصاة غليظة وصوت جهور يهدد به دفاعا عن الارض والعرض والدين , اعطوه الذريعة للقتل والتنكيل وقصف الابرياء اينما كانوا بل حتى قذف الغيورين على الوطن الذين لا يشاطرونهم ايدلوجية الراي والفكر ووصفهم بالعمالة والخيانة وبالوقوف مع الاعداء, دعونا نرجع الى الوراء فقط قليلا ,الى ما قبل سقوط هجليج المفجع , فالمراقب عن كثب لتيرمومترالاوضاع في السودان حتما سيقول انها كانت في الطريق للانفجار , فعلى الصعيد الشعبي في كل انحاء مدن السودان الكبرى والعاصمة كانت تسري حالة من الياس والتوتر والغضب المكبوت لدى المواطن السوداني فما كادت الشهور تمضي والشعب يبتلع علقم الانفصال الا وبدا يتجرع طعم المرارات والمعاناة من جديد فقد ساد التوتر اقليم دارفور رغم توقيع اتفاق الدوحة ورغم اغتيال د. خليل قائد حركة العدل والمساواة , واشتعلت طاحونة الحرب وبضراوة في جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق وتلك رسالة اولى بعد الانفصال قراها واستوعبها الشعب برهنت له عن فداحة خطا السياسات والحسابات والقرارات الاحادية لقادة ورموز وصقور حزب المؤتمر الوطني وافادت بان السلام واستتباب الامن المنشودان لاستقرار السودان حتى بعد انفصاله لدولتين عدوتين متجاورتين باطول حدود لم يفصل القانون حتى فيهما بعد قد اضحى وهم وسراب . وعلى صعيد الدولة او النظام الحاكم كانت تسود حالة من الخوف والحذر وانعدام الوزن لاقطابه وهم يرون ويسمعون همهمات الشارع وسخطه من تردي الاوضاع والغلاء وسوء الاحوال المعيشية والصحية والخدمية, لم تكن تجدي محاولاتهم اليائسة في ايقاف التصاعد المستمر للاسعار مع ارتفاع الدولار وشحه ولا تصريحاتهم المزيفة للحقائق في امكانية معالجة او راب تصدع الاقتصاد السوداني بعد خروج عوائد ايرادات النفط بعد الانفصال المشئوم ,وما زاد لهم (الطين بلة) فقد طفت الى السطح ملفات الفساد ,عندما بدات بعض الصحف المعروفة تنشر سلسلة من الفساد في الشركات التي يديرها رجالات الانقاذ وبدا الشعب شغوفا بمتابعتها , عندها شعر النظام بالخطر فسارعت الاجهزة الامنية بتوقيف الصحف والتحري مع رؤساء تحريرها واسكاتها بالتنسيق مع وزارة العدل باستصدار ما يفيد بمنع النشر لحين تكوين لجان تحقيق مختصة وتكليفها بالامر وبذلك يتم دفنها وحجبها عن الشعب وعن الراي العام وترك المفسدين بل وحمايتهم وهكذا كانت الاحوال ما قبل هجليج الى ان جاءت نكبة هجليج وقلبت الموازين لمصلحتهم ويا لذكائهم الخارق فقد تحولوا الان لابطال يتراقصون امام وسائل الاعلام استطاعوا الهاء الشعب حتى لا يلتفت لمعاناته ويثور ضدهم.