بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    «الأولاد يسقطون في فخ العميد».. مصر تهزم جنوب أفريقيا    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر الشهيرة "ماما كوكي" تكشف عن اسم صديقتها "الجاسوسة" التي قامت بنقل أخبار منزلها لعدوها اللدود وتفتح النار عليها: (قبضوك في حضن رجل داخل الترام)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    إسبوعان بمدينتي عطبرة وبربر (3)..ليلة بقرية (كنور) ونادي الجلاء    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عذرا موسس..فهؤلاء عنصريون
نشر في الراكوبة يوم 09 - 06 - 2012


عذرا موسس.. فهؤلاء عنصريون
أجوك عوض الله جابو
[email protected]
عندما رانت العصبية على القلوب، وأصبحت العين التي ينظر من خلالها والمنهج الذي يهتدى به؛ لم تكلف بعض الصحف نفسها - على عظيم دورها الرسالي- التدقيق والتمهّل في قراءة ما وراء الخبر، ولم تراع شرف ما تضطلع به من مهنة ومهنية، وبدلا عن نقل الحقائق مجردة وعوضا عن أداء دورها الرائد في التنوير والمعالجة آثرت بعض الصحف السباحة في بحر الأراجيف المغرضة، والغوص في بحر التشهير الآسن؛ لكن بالرغم من كل ذلك دعونا نحسن الظن في ما بين أيدينا بمن كشف عن أنه ليس أهلا لحسن الظن، ولنذهب إلى أنّ الصحف التي نقلت خبر الطفل موسس تمّ استغلالها لتمرير أجندة مريضة. فوقعت في المحظور صحف أخرى كنا نحسبها جديرة بثقة القارئ و احترامه؛ حتى اغترفت وشربت شربة من مداد الصحافة الصفراء؛ بل أسوأ منها. فإن كانت غاية الثانية الإثارة فقط لتسويق بضاعتها فإن المآخذ علي الأولى أكبر لأنّها على أقل الفروض خدعت قراءها من جهة؛ ولأنّ جوهر غايتها قام على العنصرية والعصبية لا غير. فجاء الخبر فطيرًا خاليًا من المحتوى، وأصبح متنه كفؤاد أم موسى فارغًا من أي مضمون عدا تسويق بضاعة كاسدة تفوح غرضًا، وجاءت صحيفة السوداني بتاريخ 19 مايو بخبر "مسخ" وتفرّدت صدر صفحتها الأولى بخبر عُنون ب( إحباط تهريب طفل سوداني لجوبا بمطار الخرطوم) ولم يفت على الصحيفة تلوين خط الخبر لعظمة محتواه باللون الأحمر دلالة على خطورته، وكان بعض ما جاء في متنه (أحبطت سلطات مطار الخرطوم عملية تهريب طفل سوداني في السابعة من عمره بواسطة أسرة جنوبية. وقالت مديرة برنامج لم الشمل بوحدة حماية الأسرة و الطفل الدكتورة نجاة الأسد إنّ سلطات المطار رصدت طفلا شماليًا لافت الشكل في السابعة من عمره في حضن أسرة جنوبية).واحتفاءً بالظفر وفي إطار وعي السلطة الرابعة بالقضايا القومية؛ وتحريًا لإحراز سبق صحفي تابعت صحيفة السوداني رصدها، وحظيت صحيفتا الوطن والأهرام اليوم في مضمار المنافسة الشريفة برصدها لخبر الطفل الشمالي (لافت الشكل) المخطوف والمهرّب، ومن ثمار المتابعة الصحفية المضنية أبرزت الصحيفتان- السوداني والوطن وصحف اخري لحقت بالركب لاحقا- صورة الطفل المخطوف، وتقطرت الأحرف التي شكلت أسطر الخبر نصرًا مؤزرًا لاسيما وأنّ عنوان الخبر المرفق بصور الطفل أصبغ في المرة التالية باللون الأصفر بعد أن كتبت كلمة (اضبط) باللون الأحمر؛ تعبيرًا عن عظيم إنجاز حققته الرسالة الصحفية. لجهة أنّ العبارات الدامغة (إحباط – ضبط محاولة تهريب) التي ابتدرت بها كل الصحف صياغة خبر موسس أنبأت عن الكيل، وكشفت عن الغرض المراد بالرغم من أنّ ما ورد في الخبر افتراء وباطل ظاهر، لا يمت للحقيقة بصلة، إذ لا يستقيم عقلا ومعني أن تكون السيّدة الخاطفة - إذا افترضنا جدلا بأنّها خاطفة- بتلك الدرجة من الغباء فتأتي بطفل شمالي لافت الملامح والشكل إلى باحة صالة المغادرة بمطار الخرطوم دون أن تعصب عيني الطفل وتبقي عليه مستيقظًا لاسيما وأنّ الطفل يبلغ من العمر سبعة أعوام، أي أنّ بإمكانه التبليغ عمّن يريد اختطافه سواء بالصراخ أو الاستغاثة أو محاولة الفكاك دون مساعدة أحد أو لاكتشاف وإحباط محاولة التهريب، ثم إنّ صحيفة الوطن (كذبت) كذبة صريحة وواضحة حين أوردت الخبر على صدر صفحتها الأولى مفخمًا ومضخمًا بخط كبير (القصة الكاملة لمحاولة تهريب طفل شمالي إلى دولة الجنوب) وإمعانًا في الافتراء وللظهور في ثوب المتابع - بالرغم من أنّ سلطات مطار الخرطوم كانت استوقفت أسرة موسس يوم الجمعة 18 مايو إلا أنّ صحيفة الوطن التي أوردت الخبر يوم 28 مايو- ذكرت في متن خبرها الآتى (تمكّنت السلطات المختصة أمس) وهكذا يبيعون للقارئ بهتانا وزورًا، ويسوقون إليه أحاديث الإفك فسقًا وجورًا في وضح النهار فإذا كانت للكلمات مدلوها فإنّ حادثة الطفل موسس لا علاقة لها بعبارات التجريم المشار إليها آنفا ولكن ما نقول وقد انطوى الأمر على غرض والغرض مرض كما تعلمون! فهل هذه هي مساهمة الصحافة الواعية التي يعول عليها في رأب الصدع بين البلدين شمالا وجنوبا؛ فعوضًا عن أنّ الرائد لا يكذب أهله وبدلا عن عكس الحقائق على الأقل كما هي ينعطف دعاة التنوير إلى خلق السيناريوهات، ونسج فصول وأدوار بطولية من وحي أوهامهم..!
إذا كانت حجة الصحف التي تناولت موضوع موسس بتلك الطريقة أنّها قصدت حمايته وصيانته فهل تراها وفّرت له الحماية والصيانة حين شهّرت به لا لشيء إلا إمعانًا في تباعد الشقة وتأليب الرأي العام على دولة جنوب السودان ومواطنيه الذين لم يكتفوا بالفراق فحسب؛ بل طفقوا يختطفون فلذات أكباد الشماليين السودانيين وتهريبهم إلى دولتهم. فقد أراد دعاة الفتنة مكرًا وأراد الله غيره والله خير الماكرين، فما هي القيمة الخبرية من إرفاق صورة الطفل موسس مع الخبر لاسيما وأنّ المحاولة قد أحبطت على حد تعبير الأشاوس. فإذا افترضنا أنّ الظن كان قبل الفصل في القضيّة أنّ الطفل الشمالي سينتزع من حضن أمه الجنوبية ويعاد إلى أحضان أسرة شمالية؛ وأنّ السيدة الجنوبية ستكبّ على وجهها في السجن جراء ما اقترفت من جرم عظيم فلماذا تعرض صورة الطفل على صفحات الصحف لاسيما وأن ّمكمن حساسية الأمر يتبلور في خصوصية الموضوع نفسه لتعلقه بحق الكرامة الآدمية. لماذا لم تراعِ الصحافة ووحدة حماية الأسرة والطفل والجهات التي تولت كبر الأمر وأحبطت محاولة الخطف خصوصية الأمر. إليس من حق الطفل موسس أن يشب سويًا معافى غير مكسور الخاطر تلاحقه الوصمة إينما ذهب، وأيّهم كان الأحرص على الطفل السيّدة التي تلقفته وهو بعد ابن أحد عشر يوماً احتضنته و لم تنس أن تستوصي به خيرًا حتى في الميراث كما علمنا من بعض الأقلام وهي علي فراش الموت أم الجهات التي شهّرت به وأذاعت الخبر في البوادي والحضر؟! السيّدة الجنوبية كما أطلقوا عليها حين ضمت الطفل إلى حجرها لم تكن تعاني عقما أو عجزا يحول بينها و بين الإنجاب والدليل على ذلك أن لديها أبناء فضلا عن ذلك كانت تدرك يقينًا من ملامحه وشكله اللافت كما قال العباقرة المكتشفون و المستوقفون كانت تدرك أنه شمالي وأنّ ملامحه مختلفة عنها، وبالرغم من ذلك تبنته لأنّها لم تر فيه في تلك اللحظة سوى أنه ( بني ادم) من لحم ودم، ونظرًا إلى الجامع الإنسانى بعاطفة أمومة صادقة حدثت نفسها بأنّ تبنيها للطفل يعني حياته وأكرام آدميته. ولم تنظر إلى أنه شمالي الملامح والتقاطيع والشكل، لم تنظر إلى أن لونه فاقع وجميل بالمقارنة إلى لونها الغامق ولا إلي عمودية أنفه مقابل أنفها الأفطس ولا إلى شعره الحريري الناعم بل نظرت إلى أنّ في (كل كبدة رطبة أجر) و لكن أولئك يصرون على التجريح، ويدعون جهلا أن الله اصطفاهم، وأنّهم ما كانوا خير أمةٍ إلا لتلك الخصائص الخلقية التي صورهم الله عليها وعليه أفضل السلام يقول إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وسبحانه يقول في معرض تنزيله (ومن آياته اختلاف ألسنتكم و ألوانكم) ولكن المكتشفون البارعون نظروا فقط من خلال ما يعتمل في دواخلهم فجاءت الصورة غاية في القبح، ولسنا من أنصار من يدعون إلى تكريم السيدة الجنوبية والدة موسس بالتبني وشكرها على ما فعلت لأن مثل ذلك يسيئ إلى القيمة التي تبنّت على أساسها موسس و يجرح إنسانيتها وأمومتها؛ ولأنّها حين فعلت ما فعلت لم تبغِ جزاءً ولا شكورا من أحد بل راهنت على إنسانية الإنسان و ما أعظم الإخاء في الإنسانية. والسيّدة لا شك سوية الفطرة وسليمة ومتصالحة وأصلها الإنساني إنّما السبيل على من يعرضون الإسلام في ثياب رثّة بالية بينما سماحتة بريء مما يذرون ومن تلك الجاهلية، ومن تردي الأخلاق وغاية الانحطاط والحط من قدر من كرّمه الله على أسس شكليه ومظهرية، وإلا لما كان بلال العبد الحبشي الأسود مؤذنًا للرسول؛ ولكن لمن تقرع الأجراس وعلى القلوب اقفالها؟! فللقوم آذان لا يسمون بها ولهم عقول لا يفقهون بها فهم كالأنعام بل أضل سبيلا، ولا يزالون في الضلالة يعمهون، وما مثلهم إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا يقرأون القران، ويتدينون بدين سيد الأنام ولا يزالون رابضين في مستنقع العصبية، وتلك هي الجاهلية التي عرفها صلى الله و عليه و سلم بأنها حالة نفسية ترفض الحكم بما أنزل، و ما مثلهم إلا كمثل إبليس حين أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فأبى بدعوى أنّه لن يفعل لأنّه خلق من نار بينما خلق آدم من طين فانظر حين اغتر بشكله وصورته إلى أين انتهى به المآل. ولعمري اعتماد تلك النظرة هي التي أوردت نفرًا عزيزًا من بني جلدتنا في الإنسانية في بقاع البلاد شر الموارد؛ فناءً، وخمدًا، ودكًا وإبادة!! فأيّهما أقرب للتقوى؟ من احتوى وتداعى بالسهر و الحمي والرعاية أم من سعى إلى فتنة كقطع الليل المظلم فأطلق الأكاذيب المغرضة، وشهّر واختزل إنسانية الإنسان في شكله ولون جلده وشعره.
هب لو أنّ المحكمة حكمت بانتزاع موسس من والدته لتغادر سماء الخرطوم وبين جنبيها نيران لن تعرف الإخماد بينما أوجدوا لموسس أسرة بديلة تحمل ذات شكله وملامحه هل ستمحو ذاكرة موسس ابن السبعة أعوام مشهد استيقافهم في مطار الخرطوم وانتزاعه من حضن أمه داخل قاعة المحكمة ؟ أم هل سيتربى معافى؟ مع أننا لا نظن ذلك بعد أن سمع ما سمع و رأى ما رأى في صالة المغادرة بمطار الخرطوم وداخل قاعة المحكمة (الله يجازي الكان سبب) ثمّ أين كانت تلك الأسرة المفترضة التي تشبه موسس شكلا و ملامح عندما كانت تلك السيّدة تكفل موسس؟ وبالرغم من ذلك نقول هناك ألف موسس بدور الرعايا وعلى قارعة الطريق فهل شفعت لهم الملامح والشكل واللون "النظيف" كما تقول بعض بنات حواء السطحيّات اليوم.
كل مولود يولد على الفطرة وأبواه إمّا يهودانه أو ينصرانه، والطفل موسس فتح عينه على الدنيا لم يجد إسلامًا مفتري ولكن وجد الإنسانية؛ ويوم أن قدر له أن يعرف عن الإسلام شيئًا جاءوه بحكم الجاهلية.. قاتلهم الله أينما ثقفوا. فوالدة موسس بالتبني نموذج لا تضاهيه بلاغة في أنّ العاطفة الإنسانية السويّة لا تعترف بالحدود؛ وإن أُغلقت. وأنّ ضرب سد ياجوج و ماجوج بين الشمال والجنوب لن يقطع أرحاما وصلت بين شعب الشمال والجنوب. ثم ما الغريب في الأمر هناك نماذج عدة لجنوبيين تزوّجوا من شماليات والعكس وأنجبوا أطفالا أفقع لونا من لون موسس و لم يكن الأمر موضع مزايدة رخيصة و ضوضاء بلا معنى إلا من الخواء. ولكن في اعتقدنا البسيط أنّ الأمر ما هو إلا بعض من إيناع الموشحات التي صدحت قولا بأنّ (الجنوبيين يختلفون عنّا في كل شيء ولا يشبهوننا) فالجزء لا ينفصل عن الكل، ولكن الواقع يقول إنّ الأمر لا يكاد يخرج عن كونه محض عنصرية بغيضة مريضة؛ والدليل على ذلك آلاف النماذج لأطفال يقضون نحبهم متأثرين بالعراء أو بالإهمال في دور الرعاية ولا نظن أنّ هناك من لا يعلم بذلك. فما بالك عندما يكون حق الحياة مقدماً على ما سواه؟!. ونموذج السيّدة الجنوبية التي تبنّت لمن لا يعلم أو يعلم ويصر على دفن رأسه في رمال الكبر الزائف بحسب الواقع نماذج متكررة، وأعرف عددًا من الأسر وسيدات جنوبيات قمن بتبنى أطفال أقحاح ليسوا من دور الرعاية أو بواسطة قابلة بل من أيدي أمّهاتهم. ولم تكن التجربة مثار أي غرابة أو دهشة (كضّابة) بل لغرابة ذلك السلوك والتصرف على المجتمع.
كل ذلك جانب؛ ولكن الصحف الصفراء التي أوردت خبر الطفل موسس على ذلك النحو المعلول أصرّت على كشف سوءاتها حتى بعد أن حكم القاضي عبد الرحيم قسم السيد لا فض الله فاه بإعادة الطفل للسيدة التي تبنّته، وعادت تلك الصحف وسجلت استنكارها على حكم المحكمة إصرارًا على تسويق البوار من خلال ما عنونت به الخبر على النحو الآتي: (المحكمة تعيد طفلا شماليًا لأسرة جنوبية) وما دروا أنهم بذلك أفرغوا الإنسانية من محتواها وباعدوا الشقة أكثر فأكثر وذبحوا القيم. أما كان أولى لمن يبدون حرصًا زائفا على الطفل أن يرجوا السيّدة بالبقاء في الشمال وعدم الرحيل. انظروا لو كان الأمر بخلاف ما صار؟!. فالحدث برمته لمن لا يعلمون ترجم معاني غاية في العمق والدلالة للعلاقة بين الشمال والجنوب إلى نحو تتعدى المراهنة فيها على جالون بترول أو سبيكة نحاس حين كانت المراهنة على الإنسانية الحقة والسماح و مصالحة الذات.
وأخير أطلقوا سراح موسس كما نادى كل من الزميلين عبد الباقي الظافر والطاهر ساتي وغيرهم كثر، كتبوا كلمة رصينة و معبرة؛ ترجمت ما هو معروف أصلا من أن بكل مجتمع "شواذ ومرضى" مقابل أكثرية لا تقر القبح والجهل. وسافر موسس بصحبة أمّه جنوبًا، ولكن سيظل الموقف منحوتاً بتفاصيله في ذاكرته لعشرات السنين، وسيظل موسس يسترجع منظره وهو يبكي ويتشبث بأمّه خوفًا ممن يريدون انتزاعه داخل قاعة المحكمة وهو يتوسّل بدموعه، ويتحدّث بلغة أمّه الجنوبية رغم ملامحه الشمالية تبت يد الجاهلية، فانظروا كيف خاب وخسئ دعاة العنصرية قاتلهم الله أينما ثقفوا، بل وماذا كسبوا غير أنّهم حفروا لأنفسهم في ذاكرة موسس المكان اللائق بهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.