[email protected] إكتملت الآن كل أركان وشروط الثورة , وحدث شعبيا وقطاعيا الإتفاق العلني والضمني على المضي قدما في تفجيرها وتوسيع نطاقها مهما كانت التضحيات ومهما كان الوقت طويلا أو ثقيلا أو مرهقا لإنجاز أهدافها وإكمال خططها , ومن أهم أركان الثورة اليأس السكاني القاطع من قدرة الدولة على الإصلاح وعلى إقناع المواطنين بضرورة مواصلة وجودها بعد أن أعلنت إفلاسها كنتيجة حتمية للفساد والتفريط في أموال الدولة والتفريط في وحدة البلاد والتفريط في أجهزة الخدمة المدنية والتمييز بين السودانيين على أسس سياسية ودينية وقبلية وخنق الحياة الحزبية الرشيدة بالبذخ والعطايا وتحويل العمل المدني الى عمل مسلح في الهوامش واضمحلال دور الدولة القيادي والأخلاقي لتنكرها للتوظيف كأكبر مشغل إجتماعي ولإعتناقها لايدلوجيا دينية دون سند إقتصادي ومادي . النظام مؤهل الآن كي يسقط , وهذا هو العمل الأوحد الذي يمكن ان يقوم به بجدارة , ومؤهل أن يتفرزع ويتشتت لأن المال السائب والمجنب والمدسوس من ري الزراعة وماكينات الصناعة ودعم الصحة والتعليم قد تلقفته حسابات المحاسيب في ماليزيا التي تبلغ فيها الإستثمارات أكثر من عشرة مليار دولار وإبتلعته جيوب الفاسدين في الوزارات والمؤسسات والهيئات على إختلاف أسمائها وعناوينها , ومؤهل الآن وليس غدا للسقوط لأن الحلول التي يعرفها ويجيدها بما يتفق مع إطاراته الحزبية وتناقض المنافع داخله قد نفدت بل إن العالم في الجوار والعالم البعيد صارا لا يقبلان له حلولا في قضايا حروبه وإقتصاده ولا يعتدان برأي يأتي من خبرائه ومتنفذيه ولا يلتفتان لنداءاته وتوسلاته من أن الإقتصاد على وشك الانهيار والخزانة على وشك أن تباع في سوق ( الله وأكبر ) بالثمن البخس الذي بيعت به المرافق العامة والمشاريع التي كانت عماد الإقتصاد السوداني وقبلة الأجيال والمتعلمين من أبناء البلد والباحثين عن الوظائف والتدريب . النظام مؤهل الآن وليس غدا للسقوط لأنه يعتمد على ( المواجهة ) مع الشعب كحل وحيد وحل عاجز له نهاية واحدة يعرفونها كما عرفها العقيد معمر القذافي وهو يكتب وصيته قبل ثلاثة أيام من سحبه تائها وضائعا من المجرى وكما عرفها علي صالح وهو مشوه الوجه مرتعد الأوصال مسحوق القلب والاعصاب من هجوم بالصواريخ نجا منه بإعجوبة لينقل سريعا وهو بين الحياة والموت الى السعودية حيث الأمن قبل العلاج والملجأ قبل الدواء وكما عرفه الرئيس التونسي الذي ظل هائما في الطائرة دون ان يستقبله احد وخزان الوقود يكاد ان ينفد وهو يعض اصابع الندم ويقضم اظافر القلق جيئة وذهابا الى ان سمح له الأمريكيون بعد ان رأى الموت بعينيه والإذلال بالهبوط في مطارات السعودية ليبقى لاجئا ومتخفيا بأموال طائلة من العدالة في بلاده , تلك النهاية العاجزة التي لا تعرف الابتكار او الكرامة يعرفها الرئيس حسني مبارك الذي كان يصيح من وراء القضبان بعد زوال الملك " نعم يا افندم . انا موجود " . النظام مؤهل الآن وليس غدا للسقوط لأنه خاو من الأفكار وخاو من المبادرات وخاو من المفكرين بعد ان صنع منه التمكين فيلا مترهلا متورم الاقدام وجمع له الدكتور حسن الترابي اصلحه الله وغفر له من قبل انواعا من الكوادر الغريبة وشذاذ الآفاق وأصحاب الأرواح الغليظة الكثيفة قال عنهم المرحوم الصحفي محمد طه محمد احمد في واحدة من الليالي السياسية قبل سنوات في جامعة الخرطوم وكانت طوابير من طلبة الاتجاه الاسلامي حوله مسحلين بالسيخ والاسلحة البيضاء بعد ان فضوا تجمعا من المتكلمين من الجبهة الديمقراطية والبعث وغيرهم بالقرب من كلية القانون وأشار اليهم مبتسما وهو يقول " نحن دايرين زي ديل . أفظاظ . جنود . ما دايرين زول عندو عقل ولا عندو ثقافة " الله يرحمك يا محمد ويجعل الجنة مثواك ولكن من هؤلاء خرجت أفكار (shoot to kill) والعاوز السلطة يشيل السلاح – وما دايرين اسير او جريح يا سبحان الله ومن هؤلاء خرجت جماعات الدبابين الذين أشعلوا الحرب الدينية في الجنوب وغرقت جثثهم في الدماء والمطر قبل ان يصطرع الحزب على معنى وضرورة شهادتهم وفوق تلك الجثث البريئة تعالت المباني العظيمة وضربت دفوف الاعراس وخرج الرباطة والامنجية في عالم اليوم كعفاريت ضائعة ممسوخة بلا هوية تحاول ان تجد لها مكانا في عالم ضاع بين المفسدين والمطاردين دوليا وعلى هؤلاء للأسف تعتمد الانقاذ على خروجها من عنق الزجاجة وعلى النجاة من سيل العرم الجماهيري الذي تطفو فوقه تماسيح الحساب والمساءلة والمظالم . النظام مؤهل الآن وليس غدا للسقوط لأن الجيش والشرطة وعناصر كثيرة في الأمن و أعضاء في الحكومة وكثيرين من مساكين الحزب قد حسموا امرهم وعرفوا مكانهم وزمانهم ودورهم وسط الجماهير وعرفوا ان خزائن الدولة خالية من المرتبات وخالية من الحوافز بعد ان أعلن البنك المركزي عن إحتياطي ضخم ثم تبدد في طرفة عين وهاهي الدولة تزيد الضرائب وتنهب الطعام من الافواه الجائعة من اجل اطعام الجنود الذين يحمونها من ثورة الشعب ويزيدون في عمرها الى اجل غير مسمى . لقد صنعت الانقاذ علو صوتها وضجيجها على أموال النفط وصنعت غطرستها وكراهيتها للسودانيين على شراء ولاء الاجهزة المنظمة التي تحمل السلاح والموت , ولكن النفط ذهب وظهر تحته السودان مدمرا وشائها , ورحل معه الجنوب والجنوبيون , ولم يبق الا ان يرحل أهل الانقاذ , فهيا , ارحلوا ....