[email protected] نحرس الأمل الموات والظروف الما مساعدة ولا نتحدى السكات بأغاني جديدة واعدة مقاومة جمالية دؤوبة تلك التي تجري في النسغ الشعري،لسعد الدين إبراهيم،دافقة من جوف أنساج الجذور وحتى الجذوع وبكارة الثمار ،المجبولةباليخضور الفتي الذي يتمدد ليمحو الصمت واليباس والسأم.ويتهيأ في كل مرة لترحال أخضر عنيد،وهو يصدح بصوت الأنا الحفية التي تلتئم بوجدان الجماعة. ولعل ذلك يمثل موقفاً أصيلاً في الرهانات الشعرية الهائلة،التي ظل المبدع سعدالدين إبراهيم يتجشمها بمحبة لحوحة،خلال مسيرته الإبداعية الحافلة،وهو يفتح أبواب فضاءات الشعر الفطري الكوني الملتصق بالطبيعة والناس،والنابع من العفوية والبساطة دافقة المعنى،بمفردات أليفة سائرة،تلتحم بالمعاش اليومي،وتحض على التحديق المتدبر في تفاصيل الحياة وتصاريفها. وهو ما يضمر رهاناً آخراً يتصل بتلك التعابير اليومية الأليفة، التي لم تحد من الكثافة الشعرية،أو تطفئ وهجها وغنائيتها العذبة. فالمعاني الكبيرة عند سعدالدين إبراهيم لا تعني بالضرورة نصوص شعرية مستغلقة،تدفع باللغة في اتجاهات إبهامية تجريدية. فالشاعر يقدم تجربته في الاشتغال على مفردات بسيطة،تختزل أكثف المعاني في مشهد حياتي،يملك أن يتمدد على كامل الأفق الإنساني.عبر نصوص شعرية عامرة باستدعاء لمشاهد متعددة من الحياة اليومية، في تواصل حيوي مع الواقع الاجتماعي المعاش،حيث ملح تجربة الحياة،والخزانة الروحية والوجدان والذاكرة الجمعية. وهناك أيضاً رهان باكر آخر لذلك المشروع الشعري في يفاعته،وهو يختار الخروج عن ذلك الأفق المنمط الكئيب للشعر العاطفي،المنطمر تحت وابل إرتكاسات التشكي والملامة،وقساوة الرضوض والجراح،في خروج جاسر لشعرية سعدالدين إبراهيم عن سلطة النموذج، بروح لا تجثو عند الخيبات والانكسارات،بل تمضي لتجترح عوالمها الخاصة المرهونة للمحبة الوهابة التي تضيء العقل والروح. ولعل نصوص (العزيزة)،(حكاية عن حبيبتي)،تقدم مثالاً لتلك المشهدة الحياتية،واللقطات الإنسانية المقربة ،التي تختزن تفاصيلها معان مديدة،قد يكون جذرها في باحة منزلية ما ،لكن فرعها يلامس أقصى حافات المشهد الإنساني،بشاعرية تتوخى المحبة وتحتفي بالكون في بساطته وطفولته وبراءاته الأولى.وتمضي في كل مرة لتتماس مع الخامة البكر للوعي،والتناغم المقيم في طبيعة الأشياء. ولنقف كذلك عند (نختلف أو نتفق)،كمثال آخر لنص يتنسم الحياة،ويُكتب من داخل حالات إنسانية قريبة،تُمشهد المواقف الحياتية بطابع حميم يفتح الأبواب،ويوسع الأمكنة ليتيح إطلالة متبصرة على العالم. نختلف أو نتفق تقنعيني وأقنعك نختصم أو نصطلح تسمعيني وأسمعك المهم انو الحوار يستمر ما ينقطع المهم انو الجدار ما يعلو اكتر ويرتفع المهم تبقى المودة في التصافي وفي الزعل المهم انو الولف ما يبقى غرقان في الملل ليتمحور النص حول مركزية ثقافة الحوار،والإنفتاح على الآخر نفسياً وفكرياً ووجدانياً، بالمعنى الإنساني الرحب.وفتح دروب متعددة للقاء الذات مع الآخر، بكل جدلية المعنى وفلسفته.بوعي متجدد يكدح لسبر تلك العلاقة،وإدراك كنهها في ضوء هوية إنسانيةحضارية كونية واسعة،تتسع ليست فقط لعلاقة الإنسان بالإنسان،بل تتمدد لتشمل العلاقة بالكائنات والموجودات. ولعل ذلك ما جعل النص يكتسي بمستويات دلالية متعددة،وفقاً للراهن السياسي والاجتماعي الذي عايشه النص،اذ أسهم المنعطف الحاد لجدل الوحدة والانفصال في الدفع بتأويلات النص إلى حدودها القصوى.وهو ما ساهم أيضاً في تذخيره بإحالات رمزية تنفتح على الواقع الذي أرخى بسدوله على الأغنية، ليخلق ذلك بدوره امتدادات جديدة للمعنى. كما هو الأمر في تجارب مماثلة للتجاني سعيد وعمر الطيب الدوش،حيث تتيح الفسحة التأويلية تصعيد العاطفي إلى مرقى رمزي وفكري مديد،بخاصة عندما يختار وردي أن يؤبجد (نختلف أو نتفق) موسيقياً، نافذاً بها إلى الوجدانات والضمائر،كمحاضرة جمالية في قيم التعدد والتنوع والوئام الاجتماعي.لتخلد في الأذهان مهابة اللحظة التي صدح بها صوت وردي العذب الشاهق،العابر للأجيال والثقافات،ليُكون جزءاً أصيلاً من ضمير تلك اللحظة وعصبها الحي،فيفتح أفقاً جديداً للمعنى،ويرفده بحمولات تخرج به أكثر من الذاتي للإنساني العريض،ليظل متسعاً في معناه مشرعاً للتاويل. وهو ما يعود بنا كرةً أخرى إلى سحر المفردة البسيطة،التي تملك أن تتماس مع الحدود القصوى للتاويل، بما تختزنه من طاقات عاطفية وفكرية بل وعرفانية.لتعلو في النص قيمة الاصرار على استزراع الأمل والمحبة ،في معانيها البسيطة والمركبة،رغم عسف الواقع وضراوة الكدح الحياتي: ومرة نتوتر سوا في لحظة والمنطق يغيب وفجأة يبقى نفسنا حار والكلمة بتودي وتجيب وما بنبرد لبعض ومرهقين واليوم عصيب ما نحن في الاخر بشر والبشر يخطا ويصيب وهكذا فأن النص يجعل من الحوار المنفتح الموضوعي العادل ركيزة جوهرية، تُشرّع للإختلاف الإيجابي الراشد،الذي ينحسم على حد المودة (في التصافي وفي الزعل)،وهو ينشد الاعتراف والاحترام والتساوي.ويمضي حثيثاً ليحرض على الجرأة على اقتراف حلم بمثل تلك البساطة والجمال: نختلف أو نتفق تفهميني وأفهمك نختصم أو نصطلح تكتبيني وأرسمك