[email protected] لم أستغرب التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية (علي كرتي) عن حدوث الكثير من الحركة من داخل الحكومة السودانية في الشئون الخارجية لا تطلع عليه الوزارة المعنية بهذا الأمر ، فهو أمر سربت ملامح منه وثائق أمريكية نشرها موقع (ويكيليكس) الشهير مرات ع دة عن أفعال وتصرفات وتصريحات ومبادرات قامت بها بعض الجهات والأشخاص التي لا شأن لها بسياسة البلاد الخارجية ولا تقوم بتنوير أو وضع وزارة الخارجية في الصورة . ولكني استغربت من كيل الهجوم علي وزارة الخارجية ووزيرها نتيجة لتصريحاته و(النفس الحار) الذي خرج منه ، وهو السالب من رد الفعل المتوقع ، صحبه تمني زوال الرجل من علي كرسيه واتهامه بعدم التحدث إلي الإعلام (بدبلوماسية) حسب منصبه ، وهذا هو تفسير عودة أخبار الرجل إلي السطح بخبر نفيه تقديم استقالته كما أشيع لرئاسة الجمهورية ، وقال للصحفيين إنه سمع بتلك الأنباء من وسائل الإعلام كما سمع نبأ رسو السفن الإيرانية في ميناء (بورتسودان) من قبل ، وهذا يشعرنا (بالغبطة) ، كون الإعلام أصبح يلعب دور (المراسلة) في الوزارات الحكومية في تبليغ الإخبار والتعريف بعمل كل واحدة ولا لوم عليه . بل حمل اللقاء المذكور مدافعة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان (محمد الحسن الأمين) عن وزير الخارجية في أعقاب انتقادات لاذعة له بسبب تصريحاته الأخيرة شكا فيها من تغييب وزارته عن قرارات مهمة اتخذتها دوائر أخرى في الحكومة بينها الموافقة على رسو السفن الإيرانية برغم اعتذار (الخرطوم) (لطهران) عن استقبالها في وقت سابق . وشدد على أن تصريحات الوزير لا تستدعى مغادرته موقعه ولفت إلى أن اللجنة ناقشته حول غياب التنسيق بين الوزارات وأن تلك التصريحات كانت محاولة لتنبيه الأجهزة المشرفة على الوزارات لتراعي التنسيق . وكان الإضافة الغريبة أن المسئول البرلماني اتهم وسائل الإعلام بتضخيم تصريحات وزير الخارجية ، وقال إنها كانت مجرد نقد لبعض القضايا المرتبطة بأكثر من وزارة أو بوزارة معينه تقوم بها جهة أخرى ، وأضاف "هذا أيضا له تبريرات لأنه في بعض ((الأحيان)) ربما يتولى رئيس الجمهورية أمرا وليس بالضرورة ينزل للجهات الأدنى لأنه صادر من الجهة الأعلى . وهذا هو عذر أقبح من الذنب إذ ليس هناك قرار مهما كان ((رفعته من مقام)) لا يخفي عن وزير الدفاع والداخلية والمالية والخارجية وهم أهم الوزارات في كل شيء تقريباً ، ولكنه بلدنا الذي صار كل شيء فيه ليس غريباً ويجد فاعله أو من يسوق تبريراته مخرج يجبر السائل علي الصمت مكرهاً وألا دخل في جدليات لا تنفع ولا تفيد . وهو يعبر عن واقع حذرنا منه مرارا وتكرارا أن الحكومة السودانية لا تعمل حسب مصالحها وإنما حسب الأمزجة الشخصية بين حضن (إيران) وحزبها ، وبين عمق الخليج العربي وأثبتها حوار الوزير علي التلفزيون تلك الليلة مع الزميل الطاهر حسن . حينها وعينا أن الخارجية نصحت القيادة ((الرشيدة)) برفض استقبال (بوراج) حربية إيرانية في شهر فبراير الماضي فقبلت منه النصيحة . وشعرنا بالحرارة والسؤال يُطرح عليه ، ما هو أجدى حلف (بكين) و(موسكو) و(طهرا)ن أم حلف (واشنطن) و(الرياض) وأخواتها ، فتمسك بأن الحكومة تجافي الأحلاف من حيث المبدأ لا ترهن قرارها لغيرها . وهو أمر ينفيه الواقع المعاش فلا نحن كنا مع الأول ولا الثاني ولا حتى دور محايد مع الاثنين بل ظل موقعنا غير واضح في الإعراب والمواقف تارة أكثر وطنية من (الإيرانيين) وتارة قرب قصور أهل الخليج كما حدث بعد الانفصال الدامي وتارة لا هذا ولا ذاك . وهو أمر لا يخدم مصلحة أحد في كل الأطراف ، وخير الأمور الوسط وهي المكانة التي تبيح لنا دوراً مهماً متي ما عزمت الغاصبة المجرمة (إسرائيل) ضرب بلاد (الشاه) سابقا ، فتدخل المنطقة كلها في أزمة ضد بعضها البعض وهم الأخوة في الدين والعدو الصهيوني يتفرج كيف يبدد المسلمون عدتهم وعتادهم في بعضهم البعض . اللقاء الذي كان ضيفه وزير الخارجية أثبت بما لا يدع مجالا للشك ، رأي الكثير من المتابعين والمراقبين والذين يهمهم أمر البلاد ومصلحتها ، أننا نقول شيء ونفعل آخر ، نعادي الغرب في العلن ، وفي السر نحتل المركز الثاني في أفريقيا معاونة للولايات المتحدةالأمريكية في حربها (المقدسة) علي الإرهاب بشهادة وزير خارجية أمريكا الأسبق (كولن باول) في وثيقة نشرها موقع (ويكليكس) الرهيب ، و الأمّر أن هذا التعاون لم نحصد منه شيء يذكر ، فلا صرنا دولة موثوق بها ومسئولة عند الغرب ولا كنا دولة صادقة مع نفسها والشعب وكان العلن كالسر في الملامح وإن نعتنا الغرب بالإرهاب حسب معتقداته . والحصيلة صفراً لا يستهان من وضعنا الحالي في كل المواقع إلا ما شاء (الله) تعالي . ووسعت تصريحات وزير الخارجية بشأن تعاون جهات سودانية مع (أميركا) حول مكافحة ما يسمى (الإرهاب) بتجاوز مصالح السودان ، من رجحان ما كان يقال سراً وعلي الخفاء في الداخل وسربته المواقع ونشرته جهارا نهارا عن التعاون المشبوه بين الغرب والبلاد الموجوعة من بعض بني جلدتها من (جعجعة) في العلن و(خنوع) في السر دون فائدة كبيرة تذكر . وهو ترجيح لرأى خبراء أمنيين ومحللين سياسيين تابعنا فكرهم في كثير من الأوقات يؤكدون صحة ما قاله الوزير ، لكون تلك الجهات (المعروفة) لم تحرص خوف التخوين والفضيحة والضعف والغباء السياسي ، أن يحتفظ (السودان) بأوراق كانت تشكل وسائل ضغط على الغرب في أوقات ذهبية . ووصف المراقبون أن الذين كانوا يقومون على أمر مكافحة (الإرهاب) بالتعاون مع (أميركا) لم تكن لديهم رؤية واضحة . وهو طرحٌ أكده وزير الخارجية في ذلك اللقاء التلفزيوني ، أن تلك الجهات كانت تقوم بعملها في معزل عن وزارة الخارجية والسياسيين في الدولة . وأكد أن ما كان يتم في هذه المسألة كان ينبغي أن يربط بمصالح (السودان) ، معتبرا أنه من الخطأ الفادح إطلاق الأمر هكذا لأي مسئول للتعاون في هذه المسألة إلى نهاياتها دون أن يضع مصالح السودان أمامه . وهو ما تأكد بمرور الوقت عدم استفادة (السودان) كثيراً من هذه الخدمات التي قدمها ل (أميركا) في ملف مكافحة الإرهاب طيلة السنوات العشر الماضية وهي فترة طويلة لتحجج الخارجية بعدم إدارتها لهذا الملف الحيوي والخطير . وكما ذكرنا في مقال رأي سابق بهذه الصحيفة الموقرة عنوانه (الديكتاتورية الإسلامية خير من الديمقراطية اللبرالية) وهو العنوان الذي ذمه البعض دون تفكير ، فنحن جميعاً ضد الديكتاتورية مهما كانت صفتها ، ولكن الغرب البعيد يري تحقيق مصلحته منها وهو العسير في حالة الديمقراطية (والتنسيق الكامل بين مستويات الحكم) ، وهي الفلسفة التي نادي بها كما قلنا وقتها السفير الأمريكي في بيروت اللبنانية عام 2003 أن بلاده يجب أن تدعم (الإسلام السياسي الوسط) كما سماه في البلاد العربية لكي يتقلد الحكم فيها ، فهي تنظيمات ديكتاتورية تتشح بالديمقراطية قشرة وتعتمد علي الطاعة العمياء للأمراء في التنظيم ، وعندها عداء ظاهري لبلاده لجذب المواليين المخدوعين وتعاون خفي عن الأنظار متى وجدت الطريقة المناسبة للي ذراعها وخنقها بكل الطرق والوسائل ، وفي هذه الحالة لن تجد خير معين غيرها ، لذلك ليس غريباً وجودهم علي سدة الحكم في السودان ومصر وتونس والمغرب وليبيا والسيناريو يقترب من سوريا والأردن . فكانت الديمقراطية العالمية تجد في الديمقراطية الشرق اوسطية إن وجدت العدو والديكتاتورية بالطلاء الإسلامي خير الحلفاء .