بين صُنّاع الإستقلال وصاغة الأغلال سيد محمود الحاج [email protected] رحم الله اؤلئك العظماء وتلك الزمرة الطيبة من الذين حملوا هموم الوطن وأهل الوطن في جوانحهم فلم يطب لهم عيش ولم يهنأ لهم بال إلا بعد ان أسرجوا شمس الحرية في سمائنا وتدفّق ضياؤها ينير كافة أرجاء الوطن ويحطم القيود والأصفاد التي أحكم شدّها المستعمر وكان الجلاء الذي أعاد لنا وطنا ًواسع الأرجاء ..طيّب الأهواء يطاول الشمس رفعة وشموخا ويمشي بين الأمم في خيلاء المنتصر رافعاً راية السماحة والتسامح والتعائش والتآخي بين كافة أطيافه وأعراقه بمختلف السحنات واختلاف المعتقدات .. رحم الله اؤلئك الذين كان ديدنهم الصدق في الأفعال والأقوال ونكران الذات والنأي عن كل منقصة ومذمّة فعاشوا تشع أنفسهم عفافا وطهرا ورحلوا عنّا تاركين صفحات مليئة بالنبل والفضائل وخالية من أي بقع تلوث السيرة .. كانوا أنقى وأنصع من الثوب الأبيض المغسول فلم تتلوث أيديهم بدماء الأبرياء ولم تتسخ بمغنم غنموه تحت ستار السلطة .. عاشوا وماتوا كما الأنبياء لم يتركوا مالاً لوارث ولم يخلفوا وراءهم أبراجاً ولا قصورا ولا مزارعا بل وفي ذمة بعضهم ديْن مستدان من ذوي مقدرة يحفظه سند أمانة وُضع في خزانة خاوية.. لم ينافقوا ولم يحابوا ولم يخدعوا ولم يظلموا ولم يتكبروا فرغم رفعة مكاناتهم إلا أن خلقهم كان التواضع الجم.. ينحنون في حضرة شعبهم ولا ينتظرون ان ينحني الشعب لهم فلا عجب أن عاشوا في وجدان الشعب كأنفس الجواهر ولا عجب ان كُتنبت سيرتهم بماء الذهب !! ... فأين هم من طغمة لا تحمل ذرة واحدة من أي من هذه الصفات و من هذا الخلق القويم ... طغمة كأنها ليست من رحم هذا الوطن الطيّب المسالم الرؤوف الرحيم... جاءوا وفي رحالهم أثقال من الفتن ومن الشر من كل نوع ومن كل لون وفي أيديهم معاول أحكموا صقلها لهدم كل ما هو جميل فكانت الوطنية اول ضحاياهم ومثلها القيم والأعراف والتآلف والتعائش والسلم فبات الولاء للطغيان لا للوطن وكانت الأغلال تكمّم الأفواه والأيدي والأقدام ولا تستثني إلا من يسير في ركبهم ويكفر بسواهم.. وبدل أن يزرعوا الأرض الواسعة سلاماً وقمحا زروعها فتنا وفسادا وخبثا فتشظّى ذلك الوطن المارد بإنفصال جنوبه واشتعلت الحروب في أجزاء أخرى كثيرة منه ولا أمل يلوح في الأفق لإنجلاء غبارها ولا يعرف أحد عما سوف تتمخض عنه هذه الحروب فالوطن آيل للسقوط وقد يحدث ذلك في أي لحظة فلم يعد له صديق يسنده ولا حبيب يرق لحاله ولا محسن يمد له يد العون فقد بات كشمعة واهية في مهب الريح فشتّان ما بين أولئك وهؤلاء !!