«إهانة فظيعة لإنسانيتنا أن تكون أرواحنا محكومة جغرافياً».. جورج سانتايانا! (1) العلاقة الطردية بين مستوى الدخل ومقدار الديون مفارقة طريفة أنتجتها سياسات هذه الحكومة التي فتحت الغطاء وحررت مارد الدين من قمقمه، ثم فكت الارتباط بينها وبين المواطن.. ولأن الشعوب على «دين» حكامها أصبح عجز الميزانية هو أكبر مشكلات إنفاق الأسرة السودانية التي يتدبِّر أمرها مواطن «أقرع ونزهي».. «فقير واستهلاكي».. مثل حكومته تماماً..! (2) جمهورية محدودي الدخل هي التي تصنع التيارات السياسية وهي التي تقود دفة الإصلاح الاقتصادي، فتجنب مجتمعاتها شرور انقلابات العسكر ونوازع ثورات الجياع.. الطبقة الوسطى - بحضورها الديناميكي الحق وليس الاستهلاكي الذي نشهد - هي ضالتنا التي متى ما نهضت بمعناها السليم وُجدتْ الديموقراطية، لكنها اليوم طبقة مُتآكلة انحسر دورها وعجزت عن تبني القضايا وإدارة دفة الحراك السياسي، إثر علَّة أصابت تركيبنا الطبقي، فأصبحنا إما فقير مطحون أو غني «مديون»..! (3) الجملة الاعتراضية هي آفة السياسة السودانية، يمضي الحديث في أمان الله ثم تعترض طريقه الشعارات والهتافات والحماقات التي ندفع أثمانها دونما ذنب أو جريرة سوى استسلامنا لنهج استعداء العالم علينا إنابة عنا.. حتى كدنا أن نتظاهر في الشوارع منادين بفضائل صمت الكبار ومنددين بمصائب الثرثرة التي تتخطى رؤوس قائليها لتنهال على رؤوسنا نحن..! من يفعل بنا معروفاً فيفتينا في كراهة حديث القائد السياسي بغير ما قلّ ودلّ.. أو عدم جواز الاستطراد دونما حاجة.. من يفتينا بتحريم الجمل الاعتراضية في الخطب السياسية منعاً للفتن القومية وسداً للذرائع السياسية..؟! (4) كثر الحديث عن مثالب الوجود الأجنبي في البلاد لكننا - في الحقيقة - لو تسامحنا مع وجود الآخر بيننا قد ننجح بعد مضي عشر سنوات - مثلاً - في تدبيج دراسات اجتماعية ثرة تتناول دور الممرضة الفلبينية في تقليل نفايات ومخلفات زوار المستشفيات.. أو بصمة الوجود الأجنبي في تقليص مساحات «ونسة الباب».. أو أثر العَمَالة الشرق آسيوية في انخفاض مستوى دخل «ستات الشاي» ومعدلات استهلاك السجائر في الطريق العام..! (5) لو شدّت الحكومة حيلها في إبرام اتفاقيات التبادل الثقافي مع الشعوب الأكثر تحضراً قد ننجح خلال عقدين أو ثلاثة من الزمان في التخلص من عادة السواك على عتبات البيوت، والبصاق في الأسواق.. بل لعل الله يكرمنا برقة الحاشية، فتشيع فينا «لو سمحت».. و»حضرتك».. و»كلك ذوق»، بدلاً عن «هوي».. و»أسمع».. و»عاين» التي لا يتورّع الواحد منا أن يخاطب بها أعلى مقام..! الراي العام