منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث: المدنيون في الفاشر يكافحون بالفعل من أجل البقاء على قيد الحياة    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصول من كتاب لعماد البليك بعنوان (انجيل عمار)
نشر في الراكوبة يوم 03 - 02 - 2013


إنجيل عمار
الإهداء إلى
أبناء الجيل الثالث
والأستاذ الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد الذي تعلمت منه الكثير،
وإلى شباب "حسم" (الحركة السودانية المركزية) التي وئدت وهي رضيعة
عماد البليك
" أنا في اليوم عندي ثلاث شخصيات بعيش بيها في شخصين بالصباح للسوق ووسط الناس وفي الجرايد ودي فيها عدم اعتراف بالحاصل وإحساس بالعبث الفيهو وتمرد عليه وسخرية بالغة عليه. في شخصية ثانية بعيشها بعد الساعة الواحدة ظهراً لغاية بعد العصر دي في جامعة الخرطوم عندي علاقة وطيدة جداً واعتقد انو عندها هدف مستقبلي.. الشخصية الثالثة بعيشها مع أولادي في البيت من المغرب لغاية صباح بكره ودي فيها مسؤولية كبيرة"
عمار محمد آدم في حوار أجرته معه جريدة الصحافة في 18 مارس 2008
توطئة
يعتبر عمار محمد آدم من الشخصيات المثيرة للجدل في المجتمع السوداني، ورغم أنه لا يحتل منصبا مرموقا أو يحمل شهادة أكاديمية على شاكلة البروفيسور، أو أنه يتزعم حزبا سياسيا، أو منظمة مدنية الخ.. إلا أنه معروف جدا على الأصعدة السياسية والفكرية. وهو الذي ليس له إنتاج فكري منتظم، وموثق. أيضا.
لكن كثيرين يتعاملون مع عمار على نحو غير جاد، فمنهم من يصفه بالجنون وهناك من يقول أنه رجل "عبيط" ومنهم من يرى فيه إنسان "فاشل" وغيرها من الأوصاف. قلة فقط تأخذه على محمل الجد، ممن استطاعوا فهم عمار.
قد يستغرب البعض عن لماذا أكتب عن عمار محمد آدم؟ في مشروع كتاب سوف أكشف عنه قريبا، حيث سيطبع في مصر، وآمل أن يتاح دخوله للسودان. وعمار نفسه لا يدري عنه شيئا. ذلك لاعتقادي ومنذ فترة طويلة أن عمار يحمل نموذجا للشخصية السودانية في زمن تحولاتها. أي تحديدا في الفترة التي بدأت منذ نهاية الثمانينات إلى الألفية الثالثة. ومثل هذه الكتابة التي أكتبها ليست رواية لتاريخ الشخصية أو سيرة عنها، وإنما هي تحليل واستقراء يهدف في النهاية من خلال القراءة إلى إمكانية فهم السودان بدرجة أفضل.
وآمل من الجادين القراءة بترو وألا يستعجلوا النتائج.. وسأنشر هنا بعض من فصول الكتاب..
(1)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
ولد عمار محمد آدم في القرير التي تقطن فيها قبيلة الشايقية التي يفتخر عمار بالانتماء لها، بمحافظة مروي بالولاية الشمالية، وقد كان مولده في التاسع من يوليو سنة 1961 أي أنه أكمل ثمانية وأربعين عاما في الحياة في يوليو الماضي. وتعتبر القرير من أكبر قرى الشايقية حيث تضم سبع مناطق هي: الكنسية (الصفا) أو قوز هندي، وقوز قرافي، وحي الشاطئ، والقلعة، والعامراب، والكري، والصلحاب.
لكن عمار يعتبر نفسه من أولاد كسلا التي ترعرع فيها، برغم أنه يعود من مرة لأخرى لفخره بالعرق الشايقي، ودائما ما يردد أن الشايقية هم القبيلة التي لا بديل لها في السودان، فهو يرى أن الرباطاب قد يحل مكانهم الجعليين والدينكا قد يحل مكانهم النوير، والدناقلة قد يستبدلون بالمحس، وكذلك الشكرية بالبطاحين، والرزيقات بالمسيرية.. وهكذا.. إلا الشايقية الذين يعتقد بحسب ما صرح مرة للصحافة أنهم "شعب الله المختار" الذين يإمكانهم الاكتفاء بأنفسهم، حيث لا يحتاجون لأحد أن يتعرف عليهم، ويرى أن الشايقية لو كانت ثمة شبه بينهم وقبيلة أخرى في السودان فهم البجة. لكنهم لن يحلوا مكانهم.
ويروي عمار أنه كان من المفترض أن يسمى "عماد"، وما حدث أن والده الذي كان يعمل بالسكة حديد، في وظيفة محولجي كان في سنة 1961 في الأبيض وكانت معه والدة عمار، التي أرسلت عن طريق القطار إلى القرير في الشمال، كي تستعد للولادة. وبمجرد أن جاء عمار إلى العالم، وعلم والده بالخبر أرسل رسالة عبر التلغراف يطلب فيه من الأهل تسميه مولده الثالث بعد بنتين، أي الولد البكر. باسم "عماد". غير أن الخطأ وقع من قبل عامل التلغراف المرسل من الأبيض حيث داس بدل النقطة على الشرطة (النقطة في التلغراف دال. والشرطة راء)، فوصلت البرقية ب "عمار" بدلا عن "عماد" وبعدها أصبح والده أمام الأمر الواقع. وفي هذا يقول عمار متندرا، أن الذي سماه هو عامل التلغراف وليس والده.
(2)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
وإذا كان عمار يصف نفسه بالسخرية في غير المسؤولية التي مكانها مع أولاده وفي البيت، فهو يذهب إلى أن هذا الاستبدال من ال "دال" إلى ال "راء" عكس اتجاه شخصيته تماما، حيث كان بإمكانه أن يكون "ولدا ظريفا ولطيفا ووسيما أيضا.. لكن عمار جعلته زولا دشنا". ولهذا تقاطعات سآتي عليها لاحقا، في علاقات عمار مع المجتمع البرجوازي في "الخرطوم الجديدة"، أيضا له تقاطعات مع مجتمع جامعة الخرطوم الذي كان مكانا محببا لعمار رغم أنه ترك الدارسة بها ولم يكملها. ومسألة أن "عماد" يمكن أن يكون لطيفا أو وسيما أو ظريفا، ما هي إلا إسقاطا نفسيا قام به عمار لصورة ذهنية متخيلة عنده، في مسألة الأسماء في ارتباطها بالشخصية. وهي من طرائق عمار في وعي الآخر أحيانا. وهذه المسألة موجودة عند البعض ممن يرى أن هناك علاقة تربط الاسم بالمسمى.
يصبغ عمار على ولادته مشهدا أسطوريا، فهو يذهب إلى أنه خرج من بطن أمه دون أن يتسلمه أحد، حتى أن الداية لم تلحق أن تتسلمه، حيث وقع على الطشت مباشرة وكان فيه ماء حارا. وبغض النظر عن مصداقية هذه الرواية فهي تشير إلى ذهنية عمار الذي يتميز بالقدرة على التخيل وتحويل الأحداث العادية في الحياة إلى ما يشبه الأساطير. وأبعاد ذلك موجودة في الشخصية السودانية نتاج الأثر الصوفي وكرامات الأولياء وإرث الشيخ ود ضيف الله في كتابه المشهور "الطبقات". والجانب الصوفي في تركيب شخصية عمار من الجوانب التي سنتوقف عندها، وكيف أن هذا الروح الصوفية كانت تتعايش بداخله بالتوازي مع أرواح أخرى تضاد ذلك تماما
(3)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
يرى روبن ووترفيلد مؤلف كتاب "نبي وعصره" عن حياة جبران خليل جبران أن "الكائنات الإنسانية مخلوقات معقدة".. وأن البشر محاطون بالعيوب والنقص.. كل البشر.. لكن ما هو أهم في نظر ووترفيلد أن "نجعل من عقد النقص فينا وعيوبنا مصدر طاقة وقدرة خلاقة" (الكتاب/ ص 10)، وعمار نموذج للإنسان الذي لديه القدرة على تحويل الشروخ التي مر بها في حياته وأزماته مع الإسلاميين وهو في مقتبل الشباب، إلى تلك الطاقة الخلاقة. بيد أن القليل كما ذكرت آنفا يلتفتون لهذا الشيء. حيث لا يؤخذ عمار بمنتهى الجدية. بل إن عمار وقد يستغرب البعض له مشروع كامل وتصور مستقبلي للدولة السودانية وقبل ذلك للفكر الديني والإسلام تحديدا، كنت قد اطلعت على جزء منه مدونا وآخر شفاهة، بيد أن "الصورة المتخيلة" عن الرجل في المجتمع السوداني أصبحت حائط صد أمام تقدم مشروع عمار المستقبلي. وعندما أشار في التقديم الذي أوردته إلى وجوده في جامعة الخرطوم ولفترات طويلة رغم أنه ليس طالبا بها ولا معلما، وربط ذلك ب "هدف مستقبلي" فهو كان يعني شيئا معينا، قال: "في جامعة الخرطوم عندي علاقة وطيدة جداً واعتقد انو عندها هدف مستقبلي".. هدف ومشروع يتعلق بمشروع يمتزج بين الديني والسياسي، وهو أمر يطول شرحه يفصل لاحقا.
(4)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
يتمثل مشكل التعامل مع عمار في منظومة الوعي السوداني الراهنة، في أن "الصورة المتخيلة" عنه أنه يعيش بذات "مشتتة" أي ليس لديه هوية تنظم ذاته، روح واحدة متآلفة يمكن الرجوع إليها عبر نظم الوعي الشكلانية التي يفترضها المجتمع. وربما كان هذا أحد الأسباب الرئيسية لكونه لم يجد موطئ قدم في نسيج "النخبة السودانية" سواء كانت سياسية أم مثقفة أم مفكرة، برغم أن عمار له المقومات التي يمكن أن تجعل منه أي من هذه التعريفات: مثقف، سياسي، مفكر، رجل دين، شيخ طريقة صوفية مستحدثة، الخ..
وبتحليل أكثر، فإن المجتمع النخبوي الذي يعرف عمار جيدا لا يرغب فيه إلا وقف ما هو سائد، وفق "الهوية المنمطة"، وسوى ذلك فلا محل له، ولا ينطبق هذا على عمار فحسب، بل نماذج كثيرة كان مصيرها الإقصاء من دوائر "النخبة" فمنهم من التزم الصمت، ومنهم من آثر الدخول في المناظيم المجترة حتى "يحرر" نفسه وفق مفهوم "تحرير الذات" الشائع والمألوف في سياقات الثقافة السودانية.
يفترض المجتمع السوداني أن "الذات السوية" أو "الذات العاقلة" أو "المتعلقة" أو "المسؤولة" هي ذات تحافظ على صورة ذهنية واحدة أمام الآخرين، وتحشد لذلك مبرراتها المنطقية، فلو ثبت في مكان أو زمان معين أن تلك الذات تخالف لحظة تاريخية تنتمي لها، وتمت مواجهتها بهذا الشيء، فهي ببساطة تمضي إلى محاولة خلق المبررات ومنطقة ما فعلته حتى تظل صورتها الخطية قائمة في ذهن الآخر. كما في نموذج الدكتور حسن الترابي الذي هو في واقع الأمر "ذات مشتتة" لكنها تتعامل ب "وعي" في إطار التمظهر ك "ذات متناغمة" خطية وذات مبدأ واحد، وإن كانت مبادئ الذات ثابتة بحد ما، لكنها جزء من أسرارها، التي قد تكون مجهولة حتى للذات نفسها.
(5)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
يرى ميشيل فوكو في "الذات والسلطة"، وهي مجموعة نصوص كتبها في سنة 1986 بعد "أركيولوجيا المعرفة" أن "الوحدة المفترضة للذات ليست وحدة حقيقية، بل هي وهمية ومقررة سلفا بشكل ساذج"، وهو بالتالي يفضح الذين يتحدثون عن "ذات منمطة وخطية"، فالواقع أن الذات "العارفة" أو "المثقفة" هي "ذات مشتتة" لأنها وبتعبير فوكو نفسه هي "تشابك مواقع وأحداث بدونها لا يمكن أن تتصرف". وفي الإطار الأنطولوجي فإن الذات تتشكل عبر عوامل تاريخية وسوسيوثقافية تجتمع كلها لتصوغ خطابا معرفيا، بغض النظر عن نظرة الآخر وتقييمه لهذا الخطاب، إذ أن هذه النظرة متعلقة بحد كبير بدرجة "المبادئ الكلية لمجموع الذوات في المجتمع".
وفي سيرة النبي عليه السلام نلمح هذا الخطاب من قبل معارضي الدعوة الإسلامية في بدايتها، الذين وصفوه بالمجنون والشاعر فكان رد الحق عز وجل "لا ينطق عن الهوى"، لأن "هوى الذات" حتى لو كان معرفيا، يخضع للمجادلة، أما الوحي فهو بتقدير النص القرآني قيمة صحيحة لا تقبل الجدل وحقيقة أزلية.
بالتالي فإن انتقال المجتمعات أو فترات التحولات التي تمر بها تشكل غالبا نماذج لأناس يخرجون عن "تابوهات التنميط" ويصنعون "تابوهات جديدة" لاحقا، وهم يفعلون ذلك استنادا على ذات الإرث القديم والمتناقل عبر الأجيال، وعودة للنبي نجد أن المعارضين قالوا أن ما جاء به محمد (ص) ما هو إلا سير الأولين أو أساطيرهم، فما الجديد إذن؟ وهنا ينكشف خطاب التناقض عند المعارض، أو رافض الخروج عن النمط، إذ أنه لو راجع خطابه لوجده يقوم بالدرجة نفسها التي ينقدها أو يعارضها. فمعارضو النبي يصفونه بالجنون ثم يعودون ليصفونه بإتباع الأمس وإعادة إدراجه في اللحظة الراهنة.
(6)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
"لا ينطق عن الهوى" إذا ما ربطت بسياق المجتمع المتدين، كما في السودان، سوف نجد أنها أسست لفشل جل المشاريع التي حاولت استبعاد البعد الديني في خطابها الفكري أو السياسي، فالأحزاب التي قامت على نفي الدين لم تجد رواجا لدى العامة، ويعترف جون قرنق الذي كان ينادي بفضل الدين عن الدولة بأن الدين أمر جوهري في الثقافة السودانية شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، يقول: "عندما كنا نلتقي نحن السودانيون للتفاوض يأتي أتباع الكجور في جبال النوبة ويصلون لإلههم، ولم أكن أفهم ما يقولون في صلاتهم، ولكني أحترم حقهم في الاعتقاد بما يشاءون، ثم يأتي شيخ مسلم ويصلي بالمسلمين منا، ونحترم خشوعهم لله، ثم نأتي نحن المسيحيين ونصلي للرب" ، مع الإشارة إلى أن قرنق كان يرى أن "الدين من وجهة نظري علاقة بين الخالق والمخلوق، بين الله والإنسان، وليس بين المواطن والدولة. والدولة مثلها مثل السيارة أو أي شيء مصنوع آخر لا دين لها، لا نستطيع أن ندعي أن هناك سيارة إسلامية وسيارة مسيحية، فالسيارة هي شيء مصنوع. والدولة هي إطار نصنعه نحن، والناس لهم أديان ولكن الدولة لا دين لها".
برغم هذا التمييز المجهور به على طريقة قرنق وآخرين، إلا أن الدين بوصفه "حقيقة/لا هوى أنفس" متغلغل في ثنايا الخطاب السياسي، والثقافي والمجتمع بشكل عام، وهذا يجعل ثمة "نمط" في تقييم أي طرح جديد يمكن أن يأتي به أي فرد أو مجموعة معينة، بمعنى أن التعامل مع الطرح أو الخطاب "المستحدث" سيتم وفق "هل هو هوى" أم "وحي"!.. هل هو متمخض عن سياق "لا ينطق عن الهوى" أم أنه "هوى"؟!.. وفي النهاية فإن الخطاب الأكثر اتساعا والمتسلط هو المنتصر في وصف ذاته ب "الوحي" وما سواه "هوى"، مع كون المتضادين شكلانيا هما متأسسين على الجذور والبنى الثقافية نفسها. وبالتالي فإن الرفض ما هو إلا "ذريعة سياسية" أو "ذريعة خطاب سلطوي".
(7)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
هذا الرفض الذي يأتي كذريعة سياسية لا يعني أن رفض الآخر قائم بشكل قاطع، فهو قائم في إطار الخوف من تحول الآخر إلى سلطة على الذات، وهذا تقريبا ما مر به عمار محمد آدم، الذي ينتمي لجيل مفارق للجيل السابق "السلف" من أمثال الترابي ونقد والصادق المهدي وغيرهم. أو بدرجة ثانية جيل الحاج وراق وعادل الباز والنور أحمد النور وغيرهم، رغم أن عمار يقترب من الجيل الأخير في التقييم السني. مفارقته مع الجيل الأول كانت في رفض قيمه بعد أن خاض تجربته ككادر في الحركة الإسلامية وخرج عنها، أما مفارقته مع الجيل الثاني فكانت في "شكل الخطاب" فعمار مباشر، ولا يعني هذا أنه تلقائي، بل واضح وصريح. وهذا النوع من الخطاب غير محبذ بعد أن تسيس المجتمع السوداني نتاج سنوات النميري التي فرضت على الذهن أسلوب الموارة والمواربة.
سئل عمار مرة من تسمع من الفنانين فأجاب: "بحب غناء محمد وردي، لكن ما بحبو هو". وهي إجابة تكشف عن أسلوب عمار المشار إليه والذي لا يتفق مع سياق "السلف" ولا الجيل الموازي لعمار، فعمار استطاع أن يفصل هوى القلب عن هوى العقل، في حين أن الاثنين يندمجان أو يندغمان في خطاب السابقين. وهو ما يسميه نصر حامد أبو زيد بمفارقة "الوعي والخطاب" فالأول – الوعي – يتسم بالمصداقية والمباشرة ويرغب دائما في اكتشاف المناطق المجهولة وسبر أغوارها، فهو فعال ومتحرك وناقد، فيما الخطاب هو نشاط سلطوي ولهذا يتخذ آليات الاحتراز. وهذا يتطلب الانتباه إلى أن "ذات عمار" في طور "الوعي" ليست بالضرورة أن تكون هي نفسها إذا ما تحول إلى "مقام سلطة".
ويشرح عمار هذا الأمر عندما يفسر أنه لو كان قد دخل اتحاد الطلاب بالجامعة عندما رشح لهذا الأمر، ولم يكتمل بسبب أن التسجيل كان قد عطله. لو حدث ذلك، كان سيظل قياديا إلى النهاية، ويوضح أن الذين دخلوا الاتحادات لم يقبلوا بعد ذلك أن يعيشوا في وظائف روتينية أو "مواطنين عاديين".. وما كان عمار ليرتضي دور القيادي أو "المواطن غير العادي" فطموحه كان يتعلق بالزعامة "أعلى مقامات السلطة".. يقول: "الحمد لله ما دخلت الاتحاد كنت ما حأقبل بعد داك إلا أكون زعيم... ودي مشكلة السياسة السودانية". فإذن عمار في طور "الوعي" حتما لن يكون هو عمار في طور "الخطاب/ السلطة".
(8)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
إذن فعمار هو ذلك "الكائن" الذي يؤسطر كل ما حوله ويصبغ عليه صبغة الغرابة استنادا على موروث الناس الشعبي، وهو أيضا ذلك المتقلب في أطوار الوعي وتدل تفاصيل حياته على ذلك بتنقله من درجة معرفة إلى أخرى، يكون فيها ناقدا وناقما على الدرجة الأولى. والاستمرار في مراجعة ظلال سيرته يكشف عن ذلك الأمر بوضوح. فإذا ما عدنا لذلك "الميلاد المؤسطر" سنجد أنه تعلق بسياقين:
سياق الموروث الديني والمخيال الشعبي بهذا الخصوص، كما في مسألة الخروج من رحم الأمر مباشرة إلى الحياة دون حاجة إلى عون إنسان، وكأنه أراد أن يقول إنني إنسان عصامي لا اعتمد على أحد، وأن قوتي الذاتية هي التي تحررني لكي أتنفس وأعمل وأكسب وأقاوم، وهذا الأمر ينطبق فعليا على حياة عمار ومساره في المعاش اليومي، برغم أنه ليس له وظيفة محددة ثابتة، فهو إنسان يكره الروتين حتى لو مارسه بشكل يومي، لكن مفهوم الروتين كما يتضح من خلال مراجعة جدوله اليومي، يبدو مختلفا، فهو قادر على إثارة التفاصيل غير المهمة وجعلها ذات معنى، وهو أيضا متخارج عن الشروط التي توجد التشاؤم والإحساس بالإحباط، حيث أن محيط الطاقة التي يؤثر بها ويتأثر بها، إيجابي في كل الأحوال. كائن يعيش على أن يجعل من كل دقيقة يعيشها معنى للسعادة والفرح كطفل يتنقل بين حدائق وزهور برية.
هذا السياق الأول يمكن ربطه بسيرة الناس المقدسين"الكبار"، كالأنبياء، فهم يولدون بشروط غير عادية، ولابد أن عمار بإدراكه لهذا الشيء، حاول أن يزجه في سيرته المعاد إنتاجها من قبله، فعيسى عليه السلام ولد في سياق أسطوري، حيث لا أب وحيث الكلام في المهد كما تقول الرواية القرآنية، ومحمد كان قد جاء جبريل وأخرج قلبه وغسله ثم أعاده، أما عمار فقد خرج إلى العالم دون أن يتلقفه أحد. وقد انتبه عمار إلى أن إعادة إنتاج أي حدث بشكل مؤسطر لابد أن يقوم على مراعاة لشرط العقل الخارجي الذي سيكون عليه أن يتقبل الرواية المعينة أو يرفضها. لهذا أراد لشرط ميلاده أن يبدو بسيطا لحد ما وجاذبا في الوقت نفسه. لم يرغب في إنتاج سياق معقد على نهج المقدسين في التاريخ، حتى لا يتهم بأنه كذاب أو من نقلوا له الوقائع كانوا كاذبين. أراد قصة بسيطة وتحيل إلى دلالات مفتوحة بشأن صاحبها في إطار مراجعة القصة مع تفاصيل حياته المراقبة من قبل الآخرين. ولا يهتم عمار بأن يكون أثر القصة على الآخر وقتي ومباشر، فلو أنه أخذ بها كان الأمر جيدا وخدم في إطار مشروعه "المستقبلي" الذي لم يفصح عنه، وإذا لم يأخذ ذلك الآخر بالقصة فعلى الأقل سيتعامل مع المسألة في مستوى السخرية التي يصف بها عمار نفسه.
(9)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
السياق الثاني يتعلق بعمار دون "قديسين" آخرين – تقريبا – فبعد أكد أن ميلاده جاء بالطريقة المذكورة وأن "الحاجة التي حكوها له مؤكدة أنو من بطن أمه ما في زول استلمه"، يذكر أن ساعة مولده كان عثمان حسين يغني في الإذاعة السودانية وهي الرواية التي ينسبها إلى خالته حواء، التي قالت لمن اجتمعوا حول الطفل القادم للتو: "عثمان حسين يحييكم وبهنيكم بالمولود". ودلالة عثمان حسين متعلقة ببيئة الشمال وبتعلق عمار بأرض أجداده أو أرض "شعب الله المختار"، فهو أو خالته لم يختارا فنانا آخر، مثلا محمد وردي، لأن الموسيقى التي عزفت مع مقدم المولود كطقس أسطوري أيضا، هي موسيقى من عمق البيئة، هي مزيج الأرض وبذرة الميلاد لكائن قادم من المجهول إلى المجهول، يبحث عن الانتماء لشيء ما.
كذلك فإن ربط طقس الغناء والموسيقى مع طقس الميلاد يعبر عن أشواق الذات "عمار" إلى فضاءات الأجداد بوصفهم "شعب الله المختار" في إشارة إلى اليهود، الذين تعلق تاريخهم بالموسيقى منذ "مزامير داود" – عليه السلام – بخلاف المسلمين الذين لم يكن لهم قبل الإسلام أي علاقة بالموسيقى ومن بعده كانت الفكرة السائدة أن الإسلام يحرم الموسيقى. هذا المشهد الذي يمزج بين قدوم كائن جديد إلى الحياة والموسيقى والغناء، هو تلخيص لفكرة الميلاد وفق سياق أهل الكتاب أكثر من كونه يرتبط بالمجتمع الأمي.
فعند اليهود توشجت علاقة الموسيقى مع المعابد والهيكل المقدس ، وقد وردت إشارات جلية في التوراة إلى وجود الآلات الموسيقية وقد غنى موسى عليه السلام مع جيوشه بعد أن عبروا البحر، بعد أن كان "خروجهم"، "ميلادهم" في الأرض الموعودة أو خلاصهم من فرعون وجبروته. وكانت الأغنية كما تشير المرويات اليهودية تحمل الثناء والشكر لله الذي خلصهم من الأعداء. أيضا فإن دلالة الموسيقى في الثقافة اليهودية تشير إلى الملك والعظمة، لأنها شأن الملوك وعلية القوم، فداود كان يعزف في قصر الملك طالوت، ورد في كتاب الحياة "أن داود تناول العود وعزف عليه، فكان الهدوء يستولى على شاول (طالوت) وتطيب نفسه ويفارقه الروح الرديء".
كل تلك الإشارات كفيلة بربط سياق ميلاد عمار بوصفه سياقا أسطوريا، بمساحة أراد بها عمار أن يفتح باب الأمل تجاه تطلعه وحلمه في الحياة، ومثابرته، وكونه قادم من قبيلة عريقة وأن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه بأن يرجع زمن الأشواق المتجسد في عوالم موسى وطالوت وداود وغيرهم من اليهود الذين كان قد تم اختيارهم بعناية من الخالق. وهذا قد يفسر الربط الذي يوجده عمار بين الشايقية والإطار الصفوي الذي أنتجه لهم.
(10)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
ولعل تعلق عمار بتلك اللحظة التاريخية المرتبطة بميلاده و"تحية" عثمان حسين لهذا المولود الجديد، هي التي أوجدت علاقة وجدانية بين عمار وعثمان حسين، فهو محب لفنه، وعندما توفي عثمان رثاه عمار بقصيدتين مختلفتين، الأولى نشرت بالصحف وكتبها عمار في القرير "مسقط رأسه" في 7 يونيو 2008 في نفس يوم وفاة عثمان حسين، والثانية وجدتها منشورة على الفيس بوك بتاريخ 25 نوفمبر 2009، وإن كانتا فيهما نقاط اختلاف إلا أنهما تحملان روح واحدة تشتاق إلى ذلك الغائب الحاضر، ولعل مجرد قصيدتين في رثاء الشخص نفسه انعكاس لذلك الوجدان المتعلق بعثمان.
ومراجعة القصيدتين اللتين كتبتا بالعامية تكشف أنهما متدثرتان بثيمتين أساسيتين هما: العودة إلى تاريخ الحضارة النوبية القديمة وربط مجد عثمان بذلك التاريخ الضارب في القدم، وهي إشارة تحيل إلى محاولة عمار إرجاع جذور الشايقية "شعب الله المختار" إلى أصول غير عربية، حيث أن عمار له موقف من العرق العربي سنوضحه لاحقا.
أما الثيمة الثانية فهي ربط الموسيقى بالطقس الديني بإشارة إلى رقي الفنان والموسيقي إلى مرتبة القديس، متمثلا في عثمان حسين.
في الثيمة الأول نقرأ:
"ويا هو بعانخي عزى وفات".. إشارة إلى بعانخي الملك النوبي.
" بشوف ترهاقا حضن الزول وما خت".. إشارة إلى ترهاقا.. وهو الملك النوبي، ملك كوش الذي ورد ذكره في الكتاب المقدس، وهو ابن الملك بعانخي، وقد عاش ترهاقا في الفترة من (690 664 ق. م)، وحكم لمدة 26 سنة، واستطاع إبان فترة حكمه أن يسيطر على وادي النيل حتى الدلتا، واتخذ من منطقة البركل عاصمة له. والتي يوردها عمار في القصيدتين:
في الأولى: "تثكلب آمنة في البركل تقالد التومة بت عشه"
وفي الثانية: "من البركل الحاني وجبل مرة"
والإشارة إلى ترهاقا عند عمار وإذا ما ربطت بفكرة "شعب الله المختار" وتاريخ ذلك الملك سوف تحيل إلى دلالة في غاية الأهمية، حيث أن ترهاقا استطاع أن يسيطر على أراضي فلسطين الحالية، هذه السيطرة التي تعني أنه حكم أرض اليهود وتعني أيضا أن أجداد عمار ربما جاءوا فعلا من هناك من فلسطين. ولا نعني هنا بمناقشة صحة ذلك أم عدمه، ولكن نشير إلى السياق الذي يبدو إلى حد ما كأنه نسيج واحد، في إطار علاقة الموسيقى بميلاد عمار بعثمان حسين بترهاقا وفلسطين واليهود
(11)
ظلال السيرة
رجل من "شعب الله المختار"
كما يتعرض عمار إلى الأهرامات التي تمثل إحدى علامات حضارة كوش، عندما قال:
"يعيش عثمانا حي مامات
تكون الحانو أهرامات"
ودلالة الأهرام متعلقة بالخلود والبقاء لأزمان طويلة. وهي مرتبطة بالمكان، أرض الأجداد. والعودة إلى الجذور، الحلم الذي يحن إليه عمار.
أما الثيمة الثانية فتتجلى في قوله:
"غناه بديع وصوتو جميل
مقدس يشبه الترتيل"
وأيضا:
"روح قديس ضمير إنسان"
وهنا يرتقي الفنان إلى مرتبة المقدس أو القديس، الذي هو "إنسان حقيقي" وهنا يبدو عمار متأثرا ببعدين هما الثقافة المسيحية إضافة إلى الثقافة الإسلامية، الأولى تتجلى في استعارة مفردة "القديس" والثانية في استعارة "الترتيل"، أيضا هو يستعير فكرة محمود محمد طه عن الفرق بين الإنسانية والبشرية، فالأولى مرحلة راقية لا يصلها البني آدم بسهولة، وهي مرحلة السمو الحق للكائن البشري، وفي أفكار عمار هذا التأثر بطه والذي يتجلى في أبعاد عديدة سنفصلها فيما بعد.
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا أمام القارئ أعرض القصيدتين هنا:
القصيدة الأولى
حلات عثمان
القرير .. قوز قرافي
طريت عثمان سرح قلبي وقبيل طشه
تثكلب آمنة في البركل تقالد التومة بت عشه
قطرنا الدابو صفر وجاء تعطل جوه في الورشه
دفنا الزول ترك أحزان جوه الناس بقت غبشه
دحين معقول دفنا الريد رجعنا بلاه
نشوف الدنيا صي وخلا
وأشوفها مهيرة في الباكيات
ويا هو بعانخي عزى وفات
وحي الرب كل الجمال
وانزل ذكرو في الآيات
ربيع الدنيا يا عثمان
مقيم في حضرة الديان
«نفتش ليك في التاريخ»
بترجع لينا مهما كان
لأنك جوه في الوجدان
بأعلى مكان
أمير للحسن بالألوان
مليك الفن في السودان
عشت عزيز ومرفوع رأس
مهذب وكامل الإحساس
عفيف ولطيف .. أنيق وظريف
أبوعفان حبيب الكل
يعطر زي عبير الفل
فنو رفيع ووزنو تقيل
غناه بديع وصوتو جميل
مقدس ويشبه الترتيل
مشاعر ورقة كيف بتسيل
حلات عثمان .. وليد النيل
حلاتو يغني يشجي العود
يوصف في العيون السود
ويكرم بالجمال ويجود
أديب وحبيب
يطيب لي جروحنا طبيب
بريدك في حشا قلبي
وأغنيك للوجود حبي
يا دمعاتي اسكتي كبي
وزيد نعماه يا ربي
طريت عثمان فقد دربي
بقيت مذهول وطاش لبي
طريت يا ناسنا اسماعين
ولاد البركل السمحين
وبينهم نحن ما فارزين
وليد الزيني حد الزين
وزي جنياتنا شوفتو دحين
ملانا الزول جمال وطرب
جميل عثمان حبيب الرب
متيم وصب
عميق وتقيل وزنو دهب
نغم منساب بطرقة باب
حباب وحباب .. نداء الأحباب
حلات عثمان رجل ما غاب
بشوق مشبوب جفاه النوم
وحب ممزوج بهمسة لوم
يمين والله مشتاقين
مشتاقين ومشتاقين
هردنا الشوق مكانكم وين
بريدكم انتو يا الحلوين
أريت الدنيا لو تكبر .. تطول تنشر
نزور عثمان ملاك وبشر
وتنزل مطره في العتمور تزيل الحر
بخور الحاجة في الخلوة يزيل الشر
أشوف في القمره وش عثمان
طيور الجو غزال البر
معاك بطوّل السكه
وأصلك أنت ما أنت
جمالك نوّر الحته
وكلنا في بهاك شتى
بحبك من ضمير مرتاح
وأصلك أنت ياك الصاح
نجم الليل وبرق صباح
وفي الظلمات ضوك لاح
تعيش الحانو في الكلمات
يعيش عثمانا حي مامات
تكون الحانو أهرامات
تطير تتجلي في نبته
بشوف ترهاقا حضن الزول وما خت
ومات عثمان بشي من لا ما حتى
كلامنا الليلة دخل الحوش .. عريق عثمان .. وأصله كوش
القصيدة الثانية
في رثاء عثمان
أعزي مقاشي والناس الهناك ساكنين
وفى السجانة أبكي الزول خرافي حنين
أشوف الناس صفوف واقفين
يصيح الصائح المجروح
يولول زي خروج الروح
زى قمريه باكية تنوح
دموع دفاقة من العين
وقلب حزين
حليل عثمان
حليل الكان زمانو زمان
يحرك في الصخور وجدان
ويبعث فيها ريد نشوان
ويعزف أعذب الألحان
جميل فنان
روح قديس ضمير إنسان
وداعا يا الجميل جوه
وداعا يا البرق ضوه
وداعا يا وليد فاطني
وحبيب عاشه وحفيد الزيني بت حوه
مما قمنا شفنا الزول ملانا شجن
وكيف أنساهو فيني سكن
وحبب لي قليبي الفن
أصيل سوداني كلو وطن
سمعت الحانو قلبي أنا حن
وعطر للوجود صوتو
مغستي أنا ما حضر موتو
فتح فيني مليون باب
يعزف عود أصلو رباب
سيد الفن والآداب
كيف بتهيلو فوقو تراب
حليل عثمان
وداعا يا الجميل بره
جمالك فينا انشره
من البركل الحاني وجبل مرة
وداعا يا حبيب الناس
غناك الطيب الأنفاس
وداعا يا جميل إحساس
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.