الجوس بالكلمات من أفضل المقابلات التلفزيونية التي انفردت بها قناة «الجزيرة» كانت تلك المقابلة التي اجرتها اول أمس المذيعة المميزة خديجة بن قنة مع الرئيس المصري محمد مرسي، فقد اوفى الرئيس الحديث واوفت المذيعة متطلبات الجمهور المشاهد والمستمع، وفي رأيي ان ما كشفه الرئيس المصري في هذه المقابلة يحتاج الى تحليل عبر سفر كبير متعدد الصفحات، ولكن حسبنا مما دار في المقابلة ما نرى انه يهمنا بالدرجة الاولى ثم نترك للآخرين ما يناسبهم منه. قال الرئيس المصري بعبارة واضحة وهو يرد على سؤال المذيعة عن هل باعت مصر قناة السويس الى حكومة قطر او شيء من هذا القبيل تم بخصوص القناة؟ قال: «أرض مصر محرمة علي غير المصريين» ثم تابع القول بأنه لا تفريط في التراب المصري أبداً لكائن من كان لا استثماراً ولا تفريطاً، ثم عاد وشكر القيادة القطرية على ما تقدمه لمصر الثورة من دعم، واذا حللنا حديث الرئيس المصري الخاص بتحريم أرض مصر على غير المصريين ولو عن طريق تمليك الآخرين المشروعات القومية وأرض سيناء، فإن الرسالة تكون قد وضحت بحيث نستطيع القول إن السيد مرسي كان يريد التأكيد على مبدأ أن مصر «وطن ليس للبيع». وإن تكن مصر أرضاً ليست للبيع فذلك أمر محمود طالما تؤمن به الشعوب، ولكن ماذا نستفيد نحن الشعب السوداني الأبي من عبارات الرئيس المصري الوطنية والممعنة في التمسك بالتراب المصري؟ ، فالشعب السوداني لا يمكن أن يرضى لحكومته التفريط في تراب الوطن، لأن الوطن ليس للبيع ولا للاستثمار المذل المبني على التفريط في سيادة البلاد. إن العلاقات الثنائية بين أي بلدين تقوم على التعاون المشترك والاحترام من كل بلد لسيادة الآخر على حدود وتراب الوطن، وحينما يتم التفريط تحت مزاعم العلاقات السياسية ومطلوبات جذب الاستثمارات، فإن ثقافة التفريط هذه تصبح مشكلة حينما يصحو الشعب يوماً ويطالب بحقوقه المهضومة، بل حتى قوانين الاستثمار التي تتم صياغتها لجذب رؤوس الأموال الأجنبية يتوخى المشرع حين صياغتها الزج بالأرض والتراب في مساومة للآخر تستمر عشرات السنوات، ولدينا مشكلة كبيرة تتعلق بمفهوم منح الأرض للمستثمرين، وهي مشكلة تعود أسبابها الى حالة الاستغراق في رهن التراب والمؤسسات وربطها بالمصالح الشخصية للأفراد، وبالتالي يسهل البيع والرهن والاقتطاع والفصل ومنح الحكم الذاتي وغيره من أشكال التفريط. لقد رأينا كيف يحافظ الآخرون على سيادة البلاد على ترابها، وكيف يقاتلون في سبيل محو الشكوك حول أحقية الشعب في تملك الأرض دون غيره من الشعوب والحكومات ولو كانوا أشقاءً وجيراناً، وبرأيي أن جميع العرب والمسلمين الشرفاء لا يختلفون أصلاً حول ضرورة الحفاظ على تراب الوطن، والتفريط فيه يعني التفريط في الدين، وهم جميعاً لا يعرفون سياسة المجاملة في مثل هذه المسائل، ولذلك شنت الصحافة المصرية هجوماً عنيفاً على الرئيس المصري بمجرد عودته من زيارته للسودان، لأن أخبار «حلايب» وصلت إليها بصورة اعتبرتها تفريطاً أو محاولة للتفريط في ما يظنونه تراباً مصرياً. الصحافة