قصص النجاح والتميز التي كان أبطالها سودانيون كثيرة، وهي تسعدنا دائماً بوصفنا سودانيين مهمومين بإعلاء شأن الوطن، فتدخل الفرحة في قلوبنا، ويحدث ذلك باختلاف مشاربنا وتوجهاتنا الثقافية، ولعلنا نتفق جميعاً في تقديرنا لهؤلاء الناجحين وإعلاء قيمة الاحتفاء بالتميز ونبتهج به كيفما كان، بل اننا ننشده بشدة ونفاخر به بين الأمم. أقول ذلك وفي بالي هذه الأيام خبر فوز السوداني عمر محمد آدم قطبي بالمركز الخامس لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم في دورتها السابعة عشرة، وإن كانت الجائزة ليست المرتبة الأولى لكنها في مجال يعني لنا وللأمة الاسلامية الكثير، وقبله حصل فريق طلاب جامعة الخرطوم على الجائزة الأولى في مسابقة الخطابة في اللغة العربية على مستوى جامعات العالم. وأن يكون أحد رجال الأعمال الأوربيين أو واحد من أمراء الخليج من أثرياء العالم فهذا شيء غير مستبعد، لكن أن يزاحم ويتبوأ رجل الأعمال ذو الأصول السودانية «مو إبراهيم» مكاناً بين بيل جيتس وزملائه فهذا مثال حي لتفرد الجينات السودانية، فقد احتل الثري ذو الأصول السودانية المرتبة السابعة في قائمة أغنى أغنياء العرب في بريطانيا بثروة تقدر بمبلغ «520» مليون استرليني، واختيار روايات الطيب صالح من ضمن أفضل مائة عمل أدبي في تاريخ البشرية يثبت كذلك قدرتنا الأدبية على الإبداع، هذا بالإضافة إلى فوز السوداني محمد عبد الله عبد الباري بالجائزة الأولى في مجال الشعر في مسابقة الشارقة للإبداع الأدبي. وفي فترات سابقة احتفلنا وابتهجنا مع كل الأخبار التي علَّتْ من شأن بلدنا السودان، فكلنا نذكر فرحة السودانيين بتميز ذاك الاستشاري السوداني في جراحة القلب والأوعية الدكتور محيي الدين محمد محيي الدين ونيله الجائزة الملكية بكندا بعد نجاحه في إيقاف الدورة الدموية لمدة «19» دقيقة لمريض بلغ «82» عاماً من عمره، كما كان لوجود السوداني محمد عثمان بلة ضمن أقوى «500» شخصية تأثيراً في الوطن العربي بعد تميزه واختراعه نظام مراقبة المؤشرات الحيوية لمرضى السكري باستخدام الهاتف، وحصول الدكتور السوداني أسعد خالد محمد على جائزة الاتحاد الإفريقي وأكاديمية دول العالم الثالث القومية للعلماء الشباب لعام 2011م في مجال العلوم الحيوية له قيمة إقليمية ومعانٍ سامية أيضاً، وقصة الدكتور خالد هذا طويلة لكنها حافلة بالتميز والابهار العلمي، فقد كان يقود فريق بحث متميز يتكون من «12» باحثاً يعملون في مجال اكتشاف وتطوير الأدوية من النباتات الطبية السودانية، إذ تتركز الأبحاث حول تثبيط الإنزيمات المرتبطة بالأمراض الاستوائية والمستوطنة مثل الملاريا والسل واللشمانيا والتريبانسوما، حيث تجرى بعض هذه الأبحاث بالتعاون مع بعض المراكز البحثية العالمية بالولايات المتحدة وألمانيا وفنلندا والسويد، وكان قد حاز قبل ذلك على الميدالية الذهبية وجائزة الأكاديمية الباكستانية للعلوم الطبية لأبحاث العلماء الشباب لعام 2005م لأفضل بحث طبي حيوي يُجرى في باكستان، وجائزة الإنجاز المتميز لعام 2005 2006م. وفي مجال الطب أيضاً، اعتلى طبيب الامتياز السوداني «مازن محمد خليل علي» البالغ من العمر «25» عاماً منصة الإبداع والنجاح خارجياً، عندما فاز بجائزة الملك عبد الله للإنجاز والإبداع الشبابي، بمشروعه «سوداميد» والتي سلمها له جلالة الملك عبد الله الثاني بالبحر الميت، وجاء مازن ضمن ثلاثة فائزين من الشباب الريادي العربي المبدع مشتركاً «معه شابتان من لبنان ومصر»!! حيث ترشح للجائزة هذا العام «365» شاباً من «13» دولة عربية، تأهل منهم عشرة من الشباب الريادي المبدع من الأردن ومصر والسودان واليمن ولبنان وفلسطين وفقاً لمعايير القيادة والإبداع. ولم يقتصر النجاح السوداني على مجال الطب وحده وانما في كثير من المجالات المختلفة الأخرى، ففي مجال اللغات أبدع سوداني آخر وأحرز الجائزة الثانية في الدورة الثانية عشرة لمسابقة «الجسر الصيني» الدولية للغة الصينية التي أُقيمت أول أمس بمدينة جانقشا بمقاطعة هو نان الصينية وشاركت فيها «177» دولة تمثل خمس قارات، وهو المتسابق السوداني محمد عماد الدين إبراهيم، وقبل أيام قلّد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند البروفيسور السوداني يعمل بجامعة الخرطوم قسم اللغة الفرنسية يونس الأمين جوقة الشرف الأولى بدرجة فارس، وهي من أرفع الأوسمة الرئاسية لدوره المتميز في تدريس اللغة الفرنسية على نطاق العالم وليس السودان وحده، وحتى في السينما اكتسح الفيلم «فيصل هاجي غرب» الذي تعود أصول ابطاله الى السودان مهرجان هوستن للسينما العالمية، ووشح بالذهب، وكان قبل ذلك قد فاز في مهرجان تكساس أيضاً. والنجاح والتفوق السوداني لم يقف عند هذا الحد لكنه وصل الى درجة بعيدة، فقد ذكرت بعض التقارير تميز السودانيين حتى في مهنة الصياغة بعدما حاز الصائغ السوداني على جائزة تصميم تاج الملكة فكتوريا. وسبق السودانيون كل الأمم والشعب في كثير من المجالات الفريدة في تأسيس الاتحادات الرياضية وفي الأنشطة الرعوية والزراعة، وحتى ثورات الربيع العربي التي يتشدق بها البعض هذه الأيام كشف سرها الشعب السوداني باكراً. وبلا شك نحن أمة خلاقة ومبتكرة ورائدة، وما التحليلات التاريخية التي قطعت بأسبقية الإبداع السوداني على الإبداع الفرعوني خاصةً في اسلوب بناء الأهرامات والنقوش والمعابد والحكم وبناء مؤسسات الدول القديمة كممالك علوة وسوبا والفونج، الا مصداق لذلك، فالمنطق السليم يقول إن الاكتشاف دائما يبدأ صغيراً ثم يتطور، وهذا ما حدث عند بناء الاهرامات التي بدأ بها السودانيون في شكل أحجام صغيرة أهرامات البجراوية والبركل وطورها المصريون الى اهرامات كبرى فاشتهروا بسببها بينما ضاع سبق السودان التاريخي في زحمة قوة الاعلام المصري، ومقولة «نقص القادرين على التمام» تنبطبق علينا حقاً لأننا أمة لها جذور وفكر وثقافة وتاريخ، لكنها عجزت عن حل مشكلاتها لأسباب كثيرة لكنها تتلخص بشكل واضح في عدم قدرتنا على بلورة هذه القدرات في مخرجات جمعية وطنية وقومية لخدمة بلدنا، وربما كان افتقادنا النظام وعدم الالتزام بقواعد التربية الوطنية مع عدم تقيدنا باللوائح التنظيمية في كل تفاصيل حياتنا وتعاملنا الأناني أمام الآخر وانعدام الحس الوطني، ربما كان كل أو بعض منه، سبباً مباشراً في ضعف الإرادة وعدم تقبلنا للآخر، وبالتالي وصولنا إلى ما وصلنا إليه الآن. الصحافة