إن الصراع السياسي العنيف الدائر في مصر بين القوي السياسية الليبرالية و العلمانية و الأخوان المسلمين, و الذي بدأ بعد خروج ملايين من المصرين في 30 يونيو, يطالبون بعزل الرئيس محمد مرسي المنتخب, و التي يسمونها بالثورة التصحيحية لثورة 25 يناير, و انحاز إليهم الجيش المصري, الذي غلب موازين القوة في المجتمع, و أدي لتغيير السلطة, هذا التحول السياسي في مصر, خلق حالة من الاستقطاب في المنطقة, كان بالضرورة أن يلقي بظلاله علي السودان, خاصة بعد أن قررت السلطة في مصر, فض اعتصام الأخوان المسلمين في عدد من الميادين, في القاهرة و بعض المدن المصرية, الأمر الذي أدي إلي استخدام العنف, و أدي لقتل مئات من المواطنين, خلق حالة من الاحتجاجات وسط الحركات الإسلامية في السودان, و خرجت تعبر عن ذلك في مظاهرات ذهبت للسفارة المصرية تستنكر ذلك, و في الجانب الأخر سكتت القوي السياسية الأخرى في أن تدلي برئيها و السكوت نفسه يعد موقفا سياسيا, و هناك أيضا من أيد التغيير في مصر, نكاية للإسلاميين في السودان, أما الاتحاديون و الذين هم مادة هذا المقال, فجميعهم مع التغيير الذي حدث في مصر, رغم أنهم لم يصرحوا بذلك, و لكن الشيء الملفت هو ذهاب المكتب التنفيذي " للحركة الاتحادي " للسفارة المصرية بالخرطوم ينقلوا تأييدهم و مباركتهم للسلطة الجديدة في مصر, و يعلنوا صراحة أنهم مع التغيير. و الحركة الاتحادية, هي واحدة من مجموعات الاتحاديين التي تشظت, و لكنها الأكثر فاعلية في إظهار موقفها من القضايا المطروحة, و رغم إن المجموعات الأخرى لم تجاهر برؤيتها حول الصراع الدائر في مصر, و لكن لا اعتقد هناك من يريد أن يكون في جانب الأخوان المسلمين في مصر, و إن كان قليل جدا من الاتحاديين يتخذوا مواقفهم استنادا لمرجعياتهم الفكرية, و التي تختلف عن مرجعيات الحركات الإسلامية اختلافا كبيرا, و لكن في القضية المصرية, ليس الموقف و الرؤية مرتبطة بالمرجعية الفكرية, أنما هي أيضا جزء من الصراع السياسي الدائر في السودان, و موقف الحركة الإسلامية القابضة علي السلطة في السودان, من قضية الحريات و الديمقراطية منذ عقدين و نيف, و هذا ينسحب علي كل المجموعات الاتحادية, إن كانت خارج السلطة كالحركة الاتحادية نموذجا, أو الاتحادي الأصل بقيادة السيد الميرغني الذي ليس لديه خيار غير الوقوف إلي جانب التغيير في مصر بحكم علاقته بالمؤسسة الرسمية التي هي في الأصل مؤسسة تستند للمؤسسة العسكرية. إذا كان الموقف في السودان مختلفا علي ما هو عليه الآن, و إن الحركة الإسلامية ليست في سدة الحكم, ربما كان موقف الاتاديين سوف يستند إلي تقييم يعتمد علي المرجعيات الفكرية, و التي تحكم الفكر الليبرالي في عملية تبادل السلطة, أو تقود لحوار بين الاتحاديين وفقا للفكر أو استنادا إلي المصالح اعتمادا علي الفلسفة البرجماتية, الذي يحكم العملية الديمقراطية, و إن كانت النخبة المصرية في تعقيباتها علي بعض مواقف النخب العربية و السودانية الليبرالية, حول تدخل المؤسسة العسكرية في حسم الصراع السياسي, يقولون إن ثورة أكتوبر و انتفاضة إبريل في السودان, أيضا حسمهما الجيش و يطلق السودانيون عليهما ثورة و انتفاضة, فلماذا تغير الموقف في مصر, و المصريون من حقهم أن يسموا ما حدث ثورة أو انقلاب, و أيضا من حق المصريين علي مختلف تياراتهم السياسية, أن يقيموا ما يحدث في مصر وفقا لمرجعياتهم الفكرية, و موقفهم السياسي, و أيضا من حق الآخرين أن يقيموا ذلك وفقا لمرجعياتهم و مواقفهم السياسية. و الاتحاديون جميعهم رغم اتخاذهم موقفهم المؤيد لما يجري في مصر, لكنهم لم يقيموه وفقا لمرجعياتهم الفكرية, أنما كرد فعل لما يحدث في السودان, و تمشيا مع مصلحتهم في نضالهم من أجل التغيير الديمقراطي. إن خروج المجموعات الإسلامية في السودان تدين التغير الذي حدث في مصر, هو كان خروجا لتأييد الأخوان المسلمين كتنظيم سياسي يتفق معهم في الفكر و التصورات السياسية, و لكن ليس أيمانا بقضية الحريات و الديمقراطية, و هو التناقض الذي وقعت فيه الحركة الإسلامية السودانية, و التي تؤيد دولة الحزب في السودان, و في نفس الوقت تنادي باحترام النظام الديمقراطي في مصر, و هذا الموقف هو الدافع القوي الذي جعل قيادة الحركة الاتحادية أن تعلن بصراحة تأييدها للتغيير الذي حدث في مصر, الذي يجعل تمايز المواقف السياسية واجبا, و لأن مصر في الفكر الاتحادي تعد امتدادا للسودان, و لا يعتبرون مصر دولة أجنبية, أنما هي كما قال تاج السر الحسن عليه الرحمة " مصر يا أخت بلادي يا شقيقة يا حقيقة" و من هنا تجئ مواقف الاتحاديين مؤيدة للتيارات الوحدوية المصرية أينما وقفت, و بالتالي لا تقف في جانب صف الأخوان المسلمين, حتى إن كان موقفه يتعارض مع شيء من فكرهم, رغم إن السلطة في السودان و من خلال جهاز الدبلوماسي, أكدت إن ما يحث في مصر شأن داخلي, و لكنه من باب البرجماتية التي تحكم بعض العقليات الإسلامية. فقيادات الحركة الاتحادية عندما ذهبت للسفارة المصرية, لكي تعلن موقفها المؤيد لعملية التغيير في مصر, كانت تنطلق من مواقفها المبدئية من الأخوان المسلمين من جانب, و موقفها المؤيد للقوي الوحدوية في مصر من جانب أخر, و هذا يتماشي مع الفكر و التطور التاريخي للحركة الاتحادية, و التي لا تستطيع أن ترمي راية وحدة وادي النيل, و بناء علاقات مميزة مع مصر مهما كان التحديات التي تواجهها, و الاتحاديون يعتقدون إن الحركة الوحدوية في مصر, إن كانت متمثلة في حزب الوفد و الناصريون بكل تفرعاتهم و الليبراليون هم الذين يمثلون القبيلة الوحدوية في مصر, و يضمنون مستقبل مصر في هؤلاء, و لا اعتقد أن هناك اتحاديا واحدا يشذ عن ذلك, إلا إذا كان قد تبني فكرا أخر, و بالتالي لا يجب أن يكون ضمن هذا الموقف. و عملية التغيير السياسي في مصر قد خلقت استقطابا حادا, في المجتمع المصري, بين القوي السياسية في جانب و جماعة الأخوان المسلمين في جانب أخر, و بالضرورة أن ينسحب هذا الاستقطاب خارجيا, و السودان جزء من هذا الاستقطاب, و المظاهرات التي خرجت تمثل أحد مظاهر هذا الاستقطاب, و ذهاب الحركة الاتحادية للسفارة المصرية أيضا, و كل يبحث عن التوافق الفكري و السياسي, و إن كانت الحركة الاتحادية قد ذهبت للسفارة المصرية دون بقية المجموعات الأخرى, و لكنها تمثل الخط الاتحادي جله بجميع مكوناته إن كان " أصل أو غير أصل " أحياء أو أموات فهذه هي المواقف الاتحادية لجانب الأشقاء في مصر, و الله الموفق. [email protected]