فكرة القائد المنقذ فكرة قديمة جديدة تسيطر علي عقول ووجدان الشعوبوهذا ما رسخته قصص الحبوبات وحكاوينا القديمة . والمنقذ دائما ما يكون من أوسط الناس ويحمل أحلامهم ويحقق طموحهم وهو بالطبع لا يطمح في القيادة ولكن يحمل لواءها متي ما دفعت به الجماهير وهذا ما يجري في مصر تلميعا للسيد عبد الفتاح السيسي. فعند إندلاع ثورة25يناير المصرية تلفت الثوار يمنة ويسرة ليجدوا منقذا يجتمعون حوله ويفوضونه أمرهم فلم يجدوا وعندما تصاعدت وتيرة الأحداث في 30يونيو وتدخل الجيش3/يوليو إعتبره البعض هو ذاك البطل الذي يبحثون عنه فخرجوا يمنحونه التفويض اللازم لمحاربة الإرهاب والعنف الذي يقوده أنصار الرئيس المعزول علي حسب ما صور لهم منقذهم حيث قال لهم ( بكرة تشوفو مصر تبقي كيف) ولكن وتيرة الاحداث تصاعدت بصورة مرعبة مربكة غيّرت مواقف الكثيرين الذين خرجوا ضد التيار الإسلامي لفشله في إدارة البلاد ولخوفهم من سيطرته علي مقاليد الحكم (أخونة الدولة)وإقصاء الأخر خصوصا وأن هذا التيار يتحدث بإسم الإسلام وربما يخرج عليهم ذات يوم بفتوى تبقيه في الحكم إلي الأبد وحينها سيخسرون ثورتهم التي دفعوا ثمنها دماء طاهرة وزكية..وما خشيوا أن تفعله تيارات الإسلام السياسي وقع من المنقذ ذات نفسه لذا اليوم يتحركون في الشوارع منددين بالإنقلاب العسكري الذي أجهض فكرة المنقذ في نفوسهم بعد إستخدامه العنف في فض الإعتصامات والتظاهرات المؤيدة للرئيس المعزول والمنادية بعودة الشرعية. فهل يا تري يستطيع مروجوا فكرة المنقذ إعادتها للأذهان وتلميع الفريق السيسي من جديد؟ أم سيستبدولن بأخر؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمات فهي حبلي بكل ما هو جديد. ولعل حالنا في السودان قريب من المشهد المصري (فكلا البلدين تحت وطأة حكم العسكر) وربما يتطابق الحال بصورة أكبر إذا ما خرجت تظاهرات شعبية مكافحة للزيادات التي عزم النظام علي القيام بها برفعه الدعم عن المحروقات. ففي الأونة الأخيرة بعد فشل النظام وعجزه في إلجام سعر الصرف للجنيه السوداني مقابل الدولار والذي تصاعد في الهبوط ،وبعد فشله في إنهاء الإقتتال في دارفور، وعجزه عن منع الجبهة الثورة من الزحف شمالا ،وتعقيدات إتفاقيات السلام مع الجنوب وعدم المقدرة علي تنفيذها، وظهور الإصلاحيين بداخل الحزب الحاكم وتململ شبابه وطلابه وعزوفهم عن المشاركة في العمليات الاخيرة والحديث الهامس عن تحالف معظم هؤلاء مع المجاهدين السابقين تحت إمرة سائحون والتي أخذت شكلا تنظيميا، وإتفاق المعارضة التقليدية علي ضرورة التغيير بإسقاط النظام، كل هذه العومل وغيرها جعلت عباقرة النظام يبحثون عن منقذ قبل أن يدركهم الطوفان.فحبكوا خطة هي تسويق الرئيس علي أنه هو ذلك المنقذ الذي تتطلع له الجماهير وهي أخر ما في جعبتهم من سهام يدفعون بها حتمية السقوط. حيث نشرت الصحف في الفترة السابقة إعترافات للرئيس بالخطأ الذي تم في معالجة قضية دارفور كما نشرت عكوفه علي إجراء تغييرات جزرية في الوجوه التي ظلت تتنقل من وزارة لوزارة وتدير شئون البلاد ل24عاما مضين من عمر النظام .وهذه التغييرات ستكون في الأشخاص والسياسات وسيعتمد فيها علي عنصر الشباب. كما وعد المنقذ بإنفراج في العلاقات مع دولة الجنوب وحلا قريبا لحروب جنوب كردفان وحسما نهائيا لقضية دارفور. وقد بدأ السيد الرئيس جولة تشاورية مع قيادات الأحزاب التاريخية من أجل الخروج من العتمة والنفق المظلم الذي دخلت في البلاد بفعل سياسات دولة الحزب الواحد. لكن هنالك أناس من داخل النظام لا تروق لهم هذه الفكرة لأنهم سيكونون ضحايا هذه التغييرات التي تطمح لتجميل صورة النظام وتسويق فكرة المنقذ. وبدأت هذه المجموعات الضاغطة تنشط وما الحديث عن رفع الدعم إلا خطوة واحدة من هذه الخطوات الهادفة لإفساد فكرة المنقذ. فالشعب الذي زهد في المطالبة بحقوقه في الحرية و الحياة الكريمة وصبر حتي لم تبقي فيه بقية من صبر لم يكن ذلك إستكانة منه أو رضوخه للواقع المفروض ولكن يعد نفسه للمواجهة والتي يعتقد الكثيرون أنها ستكون باهظة الثمن .تشبث هذا الشعب المقهور بقشة التعديلات الوزارية في السياسات والأشخاص وأصبحت له أملا ضئيلا عسي يأتي من قبلها الفرج ولكن بدلا من أن تخرج عليه الحكومة بقرارات تدعم فكرة المنقذ كما عباقرة النظام خططوا لها.خرجت عليهم بفكرة الزيادات التي ستقضي علي ما تبقي من بصيص أمل في الإصلاح وستفجر الأوضاع بصورة ربما يعجز النظام عن محاصرتها خصوصا أن الشعب منحه كل الفرص المستحيلة والممكنة ولكنه مازال غير مهتم بمعاناة المواطنين الذين أرهقهم الغلاء وأدخل في نفوسهم الهلع ولا يجدون من يلوذون به غير بقية من إيمان ستكون حافزا لهم للثورة القادمة حتما سواء نجحت فكرة المنقذ أم لم تنجح. فهل ستستخدم الدولة القوة المفرطة ضد المتظاهرين؟ وهل تستطيع الشرطة السودانية قتل المناهضين لقرارات الزيادات ؟ كما نشاهد في بلدان عربية إسلامية من حولنا .وهل سيسكت الجيش السوداني علي مزابح بشرية ستجري في البلاد إن وقف متفرجا أو شارك لجانب النظام في الكبت والقمع؟ إن إقدام الحكومة علي مثل هذه الخطوة سيزيد من معانات الجماهير المكافحة ليلا ونهارا من أجل لقمة العيش وربما يعجل بسقوط النظام كما يري الكثير من المراقبيبن.فهذه الزيادات تعد خطوة إنتحارية تؤكد عدم مبالاة النظام بما سيحدث وتقتل فكرة المنقذ في مهدها وتبرهن للجماهير أن لا خيار سوي التغيير فلم يعد في واقع حالنا أملا في الصبر أو التصبر. [email protected]