على مر السنين والأزمان كان المثقفون هم حملة رايات الوعي والفكر المستنير ، وبوصلة الامم يصححون اتجاه مسارها حين تنحرف بها اهواء الحكام والمستبدين و الجهلة . حتى وقت قريب كان المثقفون السودانيون والمتعلمون منهم كانوا مشاعل نور يتقدمون الامة السودانية نحو العزة والوحدة كما فعل علي اللطيف وعبدالفضيل الماظ ، حتى جاء الخريجون وهم ثلة من خيرة مثقفي السودان قدموا للأمة السودانية ما اخرجها من ظلم المستعمر ووحدها على صعيد واحد وفوق تراب واحد ، في وقت عانت فيه البلاد بالاضافة للاستعمار من اضطراب جهوي ، فانبرى الكتاب والشعراء للتصدي لهذا الامر فقال شاعرنا العبادي : جعلي ودنقلاوي ايه فايداني ، غير خلت اخوي عاداني ، يكفي النيل ابونا والجنس سوداني ... ما اشبه الليلة بالبارحة . في الحقب السابقة كان المتعلمون من موظفين وطلاب عندما يأتون للمدن للعمل أو للدراسة تجدهم يندمجون بسرعة في مجتمع المدينة ويكتسبون لكنة الوسط ( اللكنة الموحدة ) وهي نتاج لكل مفردات المجتمع السوداني وتمثل أهم عامل من عوامل وحدته بعيدا عن ابراز جهوية المكان أو القبيلة وهي التي ارتضاها كل الناس . لكن منذ اواخر التسعينات لاحظت مثل غيري تفشي ظاهرة تعمد الكثير من المثقفين والمتعلمين الحديث بلكناتهم المحلية كنوع من التميز في مدينة قومية كالخرطوم رغم انهم كانوا قبل حمى القبلية يتحدثون بلكنة الخرطوم في مكاتبها ومدارسها واذاعاتها. واليوم حتى الجرائد لم تسلم من ذلك فتجد اسم الكاتب فلان الشايقي وفلان الجعلي وفلان الرزيقي و.. ،حتى الفواكه اصابتها سهام القبلية حيث ظهر البرتقال الشايقي والبرتقال الجعلي في الاسواق . ألهذا الحد وصلت بنا الجهوية . أما كان الأفضل أن يسمى باسم المنطقة مثلما كان زمان منقة كسلا ، برتقال الباوقة. المثقف الذي يبحث عن الرفعة والكرامة بالقبيلة وليس بعلمه فقد سقط وسقطت معه أمة كما قال الشاعر : العلم يرفع بيتا لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف [email protected]