شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تنصح الفتيات وتصرح أثناء إحيائها حفل بالخليج: (أسمعوها مني عرس الحب ما موفق وكضب كضب)    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    إصابة مهاجم المريخ أسد والنادي ينتظر النتائج    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    إبراهيم عثمان يكتب: عن الفراق الحميم أو كيف تخون بتحضر!    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخوف علي أميرة ... قصة قصيرة
نشر في الراكوبة يوم 21 - 10 - 2013

السماء فوقه زرقاء، الشمس الشتوية مترددة و خجولة، الهواء ساكن و باردٌ نوعٌ ما. هدأت ضجة الراجعين من العمل وانشغلت المدينة بغدائها. لم يكن حمّاد من بين المنشغلين بالغداء في هذا اليوم. فلقد تأخرت بنته أميرة.لم يكن البص الذي استغله مزدحما. كان جميع الراكبين جلوساً.لم يرد حمّاد التفكير في أمر تأخر بنته أميرة فلقد سمع ما يكفي من فتحية زوجته ، سمع ما يجعله يغادر البيت دون غداء و دون أن يغيّر ملابس العمل التي يكرهها .يعمل حمّاد جيلوجيا بوزارة الطاقة "التي احتشد في مشتنقعها اكبر عدد من الانتهازيين و المنافقين" كما كان يقول . لقد كانت فتحية غاضبة من فكرة تأخر بنتها . فتحية مُدَرسة متقاعدة تم فصلها من الخدمة في وزارة التربية دون سبب وجيه فكرهت مهنتها ولم ترد أن تمارسها بالمدراس الخاصة. تذكر حمّاد أن أميرة لم لم تغادر البيت منذ خمسة ايام ، كانت تذاكر و تدرس لأن مواعيد امتحانات تخرجها قد أزفت من مدرسة العلوم الإدارية بجامعة الخرطوم. و علي حسب ما قالت فتحية استقبلت أميرة مكالمة تلفونية و انزعجت، غيّرت ملابسها و عدّلت تسريحتها ثم غادرت البيت دون أن تتناول افطارها. حمّاد ستيني ببيان جسماني معتدل و رشيق. حليق الذقن بشارب أشيب و شعر رأس أشيب خفيف أعلي أذنيه بقليل و مؤخرة الرأس متسق مع رأس أصلع.
أميرة هي اصغر بناته، تزوجت بنتاه سناء و هدي منذ سنوات و غادرتا مع زوجيهما إلي خارج السودان. ظل معهما بالبيت وليد أما الكبيران احمد و محمد صالح فلقد أخذتهما دروب المهاجر إلي كندا تزوج احمد من أجنبية و انفصل محمد صالح عن زوجته التي هي بالاساس إبنة جارهم المهندس يس النجيب. تخرج وليد من معهد الموسيقي و المسرح قبل عامين و يعمل مدرسا للموسيقي و يكسب دخلا اضافيا من المشاركات بالعزف مع كبار المطربين.
لم يرد حمّاد تذكر ما وجده في رسالة الايميل التي وجدها مفتوحة عندما تركت أميرة الكمبيوتر مفتوحاً و نسيت أن تغلق صندوق رسائلها علي الجي ميل، مرت الحروف و الكلمات علي قلبه كمَضي المِدْيَة المسمومة و كانت تلك الكلمات هي أخطر ما قرأه في الآونة الأخيرة و هي كما يبدو أن أميرة كانت تخاطب صديقتها هناء قائلةً:
"يا هناء! لقد عذبني حب ذلك الرجل، عندما أراه أحس ارتعاشا و رجفة في مكان ما أسفل صدري و أعلي المعدة. ارتعاش و رجفة و هزة قلب عاصفة. عندما يكلمني أرد عليه بصوت لا ينتمي إليّ و اسمع كلماته كمشي النمال علي رمل صباحي بارد كبرد روحي التي تتقطع عليه. تعرفي يا هناء، عندما أتذكره يَنْجّم لعاب عسلي الطعم و الجوهر في فمي فأحلم به يمز ذلك الرحيق المتدفق من زهرة جسدي اليانعة".
أميرة في الثانية و العشرين جميلة الوجه و حسنة القوام يشرق في وجهها ذكاء مثابر. وليد يكبرها بعامين تظلل محياه الموهبة و في ملامحه حزم.
ابتسم حمّاد من تذكر تلك الكلمات و قال لنفسه: بنت الكلب! ثم ابتسم و قال لنفسه: لو كان ذلك مقطعا في فيلم،رواية أو قصة قصيرة لكان جميلاً لكن أن تكتبه بنتي أميرة فهذا أمر آخر. دهمته لفحة هواء أكثر برودة فانتبه و لقد اضطربت مشاعره و خشي أن يكون من يجلس إلي جواره في البص قد سمع خواطره أو تلصص عليها. كان حينها البص علي جسر النيل الابيض فاستعد حمّاد للنزول مباشرة بعد الجسر و ليس بعيد عن المتحف القومي. طاف بنظراته علي الركاب و خصّ جاره بالمقعد بنظرة عتاب علي ذلك التلصص و الإنصات لخواطره. تحرك البص منصرفا ليترك وراءه رائحة دخان العادم وصوت الأزيز المثير للاتربة.
لم يكن يعرف إلي أين يذهب و قرر أن يتبع قلبه. عبَر الشارع ليمر علي الجالسين في الحدائق. مرّ علي حدائق المتحف القومي أولاً و كان بها مجموعات من الشباب؛ مجموعة أولاد هنا، مجموعة بنات هناك في أيديهم أوراق و كتب تتحرك كثيراً أثناء كلامهم مع بعض ،كانت الكتب و المذكرات و الدفاتر قلقة في أياديهم، بالمكان عددٌ من الجاسين إثنين إثنين ؛ ولدٌ و بنت و في المكان سيارات الشرطة الزرقاء و مكتوب علي ابوابها شرطة أمن المجتمع أو شرطة النظام العام. رجال الشرطة منتشرون منهم من يجلس جوار بائعات الشاي و يتطلع عليها و علي الفتيات الأخريات بجوع. لم تكن أميرة هناك. غادر المكان مشياً، تعب من المشي و عندما تذكر فكرة الذهاب للعمل غداً تعب أكثر، تذكر سيارته المعطلة منذ شهرين و هو في انتظار مبلغٍ من المال من محمد صالح أو احمد فتكثف تعبه و تحول إلي تقطيبة منهكة في الجبين. عبَر الشارع ليصل إلي منتزه الأسكلا و الميادين حوله.مرّ علي الميادين و كانت سيارات الشرطة الزرقاء المكتوب علي ابوابها شرطة أمن المجتمع أو شرطة النظام العام منتشرة و رجال الشرطة موزعون علي المكان و منهم من يجلس جوار ستات الشاي بتلمظ . شهد حمّاد إرغام رجال الشرطة شاب و شابة علي ركوب سيارة الشرطة بالقوة. كانت البنت باكية و كان رجال الشرطة ينتهرون الشاب و الشابة معاً و ينتهرون المكان حولهما لذلك لم يعترض أحد، هكذا فكّر حماد. تذكر حمّاد تسجيل الفيديو الذي يصور فتاة في عباءة سوداء يتم جلدها في فناء قسم شرطة الكبجاب بود نوباوي في امدرمان . خاف حمّاد و قال لنفسه " حمانا الله". خاف اكثر علي أميرة و جاءت ذكري تلك الرسالة علي الجي ميل فقال لنفسه: "من ابن الكلب هذا ؟". هنا طاف علي خاطره حزن و غم و تخيّل بنته متبهدلة في احضان شاب هو لا يعرفه. تخيلها فاردتدع ذلك الخاطر و إنهمك في المشي. تصبب عرق بارد علي جبينه، بحث عن المنديل في جيبه و مسح وجهه بقلق. أحس حمّاد بالعطش. مشي إلي مقهي منتزه الأسكلا. دخل عبْر موقف السيارات المكتظ خاصة بسيارات الهاينداي آكسنت من نوع جياد، عندما عبَر الباب غشت أنفه رائحة الطعام باهظ الثمن ، القهوة المُعَدّة لتجلب ذكريات أثيوبية لشاربيها و رائحة الفواكه المستوردة.كان المكان محتشدا بالجالسين أثنين أثنين. يبدون أكبر سِناً ممن هم في الحدائق العامة و يبدون اكثر ثراءً ، البنات هنا متوردات و انيقات كالمتأهبات لزيجة أو علاقة سريعة العائد و مربحة وكان في خدمتهم جرسونات مهذبون. لم يجد حمّاد كرسيا غير مشغول فمضي إلي الكاونتر و بالرغم من إبتعاده عن صالة الجالسين مازالت رائحة الكريمات الرقيقة و العطور النسوية و الرجالية تزحم أنفه . طلب زجاجة ماء. قال له أحد الجرسونات: عندنا سوبا، اورينتال ، تنوف و داساني. طلب حمّاد زجاجة ماء سوبا و كان سعرها ثلاثة اضعاف السعر في بقالة الحي. دفع حمّاد المبلغ بإعتراض مكتوم و شرب فتعرق اكثر. ظل وافقاً جوار الكاونتر و كان في الطاولة قبالته اثنان يتهماسان و يعبّان من انفاسهما اريج حب و رغبة مبتذلة كما رآها حمّاد فسأل نفسه هل رجال الشرطة بالخارج يعرفون عن هؤلاء؟.غادر حمّاد مقهي منتزه الأسكلا، فرنّ جرس تلفونه فظهرت كلمة home علي شاشة التلفون و كانت زوجته علي الطرف الآخر و قالت:أميرة رجعت إلي البيت. فقال حمّاد: يا فتحية عليك أمك ما تنجضيها. ضحكت! ثم قالت زرزرتها لحدي ما بكت واهي .فقال حمّاد: أعوذ بالله ثم قال: لست ذاهباً للعمل غدا فانا متعب و الليلة عاوز معاك زمن حلو يا ست النسوان. ضحكت فتحية و قالت: طيب جيب معاك عشا من برة.
فتحية في منصف الخمسينات و مازالت تحتفظ بجمال سيخلده حب حمّاد لها لأعوام ستجيء.
خلال انتظاره للبص اتصل حمّاد بصديقه عبد الكريم و هو عقيد بالجيش و طلب منه تدبير مقدار من العَرَقِي. قال عبد الكريم: يا حمّاد انت ود حلال! تخيل اليوم جلب لي ضابط في الشرطة من اولادنا هنا في الموردة جركانة عَرَقِي نضيف. جاء البص إلي حيث ينتظر حمذاد فركبه و نزل في سوق الموردة ثم ذهب إلي منزل صديقه عبد الكريم. طلب منه عبد الكريم أن ينادمه فقال حمّاد: يا دوبك راجع من الشغل و كما تعلم سيارتي متوقفة منذ اشهر، و لن اذهب للعمل غدا ثم عندي رغبة في الشرب في البيت لكنني سأمرُّ عليك مساء الخميس لنشرب و نستمع لعثمان حسين . قال عبد الكريم : حلاص و كما تعلم فأنا لا اشرب خلال ايام العمل لكن جيتك بالدنيا يا حمّاد فقلت دعنا نحتفل.اعتذر حمّاد و قال لعبد الكريم خليها ليوم الخميس ثم غادر بعد السلام و المجاملات مع اسرة عبد الكريم ، غادر وكان بحوزته لتران من العَرَقِي الجيّد. من سوق الموردة اتصل حماد بزوجته و قال: كلمي أميرة و وليد انني سأجلب معي سمك و فول فلينتظراني و لا يأكلان.
في طريقه إلي البيت مرّ البص جوار مسجد الشيخ قريب الله وكان آذان العشاء يجلجل في مساء مُترِب.
تأكد حمّاد من أغلاق أكياس العشاء فللسمك رائحة نفّاذة و كذلك زيت السمسم في الفول المصلّح بالشطة الخضراء و الثوم و الجنبة. كانت عبوة الكوكاكولا البلاستيكية التي تحتوي علي العَرَقِي جيّدة الإغلاق. تذكّر حمّاد نص رسالة الايميل التي صار يحفظها عن ظهر قلب
" يا هناء! لقد عذبني حب ذلك الرجل، عندما أراه أحس ارتعاشا و رجفة في مكان ما اسفل صدري و أعلي المعدة. ارتعاش و رجفة و هزّة قلب عاصفة. عندما يكلمني أرد عليه بصوت لا ينتمي إليّ و اسمع كلماته كمشي النمال علي رملٍ صباحي بارد كبرد روحي التي تتقطع شوقاً إليه. تعرفي يا هناء، عندما اتذكره ينجم لعاب عسلي الطعم و الجوهر في فمي فأحلم به يمز ذلك الرحيق المتدفق من زهرة جسدي اليانعة"
فكّر حمّاد وقال لنفسه: من حقها أن تفرح بشبابها ، من حقها أن تحب ، من حقها أن تجد حبيبا يكرم جسدها و يشاركها هناء حياتها. هنا عرف حمّاد أن ما يقلقه هو الخوف عليها من السلطة و من كلام الناس.عرف أنه لا يهتم ببقية الأمور و قال لنفسه هي بنتي نعم! لكنني لا امتلكها و لا يمكنني السيطرة علي مصيرها او التسلط عليها و فرض خيارات محددة عليها.فهذه حياتها وهي من تقرر في كيفية سيرها.
عندما دخل حمّاد بيته قابلته فتحية في لباس منزلي خفيف و كانت منشغلة بترتيب أمور دخّانها و دِلْكَتها. انتشر فرح غامر في نفسه فزال احساسه بالتعب وانعدم تماما احساسه بالغضب من أميرة.
نادي حمّاد علي اولاده قائلا: يا زول يا فنّان وينك؟ و يا بت يا أمورة تعالي انا مشتاق ليكم. ابتسمت فتحية. جاء وليد و كان بيده اللابتوب بصفحة سودانيزاونلاين علي شاشته. لم تغادر أميرة غرفتها و مكثت فيها. سأل حمّاد وين أميرة؟ ضحك وليد و قال : هي غاضبة و باكية و لم استطع الكلام معها لأنها لا ترد. ذهب حمّاد إلي غرفة بنته. كانت حينها تكتب علي اوراق مذاكرتها. حيّاها فسَلّمت عليه بابتسامة و قالت:
المشكلة أن أمي لا تثق فيّ
لا، هي تثق فيك لكنها تخاف عليك.
الخوف من ماذا؟
من الشرطة و البهدلة و الخوف من كلام الناس.
هل يتكلم الناس عن صديقات و زميلات دراسة يتجمعن للمذاكرة؟
هنا دخلت فتحية و جاء وليد.
قالت فتحية: اذا كانت فقط هي مقابلة زميلات لماذا لم تقولي ذلك علناً؟ بكت أميرة من جديد. جلس وليد معها في السرير ليهدأها فدفعته. غادر حمّاد ليعود بزجاجة العرقي و كوب وضعهما في الطاولة و سحب الكرسي ليجلس عليه ثم قال يا فتحية لو كان هذا كلامك فبالله عليك أذهبي لدخانك و تعالي إلينا بعد قليل. غادرت فتحية وكانت تقول" بنات الزمن ما عندهن لا ظابط و لا رابط الفي راسن بيعملنو". ضحك وليد قال يا حاجة هل أميرة من بنات الزمن دا و لا بنتك انت بس؟ قالت فتحية التي أرجعها الغضب: يا وليد انا ما عاوزة مسخرة. هدأها حمّاد بكلمات رقيقة قائلاً: هي بنتك و لقد ربيتها علي مكارم الأخلاق و علمتيها لتكون فتاة ناجحة و سعيدة في حياتها. غادرت دون كلام. صب حمّاد لنفسه كأساً. تحرك وليد ليجلس في السرير الآخر في قبالة أخته.
سألهما حمّاد ما رأيكما في الجنس قبل الزواج؟
وقع السؤال عليهما كسيف نازل بالصمت و الدهشة. حلّ بالمكان صمت كثيف لدرجة أن رقرقة الكأس الثاني في الكوب كانت مسموعة. جال حمّاد بناظريه في الغرفة التي تشتمل علي خزانة للكتب، سريران، طاولة مكتب و كرسي ثم ابتسم و قال هل لم تسمعاني؟ ثم قال: الزواج نفسه أعلان للممارسة الجنس بين إمرأة و رجل. هو نوع من الجنس المَرْضِىُ عنه اجتماعيا و فيه عقد بين أولياء الزوجة و الرجل و لقد خفّف السودانيون من غلواء هذه الولاية فجرت العادة بأن يكون للزوج نفسه اولياء و معلوم أنه في الدين يمكن للزوج أن يوقع علي عقد القران بنفسه او أن يصافح ولي الزوجة لتثبيت العقد.
هنا قال وليد: تتحول البنت من ملكية أهلها إلي ملكية رجل آخر فهي في الحالين تابع لرجل.
قالت أميرة:موضوع كلام الناس أو رأي المجتمع هو ما يهمني لأن السلطة و القوانين تتغيران. تتم محاسبة الأسرة التي تمارس فيها البنات حرياتهن محاسبة كاملة و يرذلون اجتماعياً؛ رجال و نساء. و هنا يظهر بجلاء كيف أن البنت جزء من ممتلكات الأسرة او القبيلة.
قال حمّاد: لذلك كان اغتصاب النساء خلال الحروب سلاحا لتأكيد الإخضاع علي المنهزم او المُعْتَدي عليه.
سأل وليد حمّاد قائلاً: ما رأيك في الدعارة؟
قال حمّاد: هي أول مهنة في التاريخ ربما، هي بيع وشراء يتحول فيها جسد المرأة إلي سلعة. نعم ! حرمتها الأديان لكن ليس نتيجة لفهم متكامل لنصرة النساء بل لتأكيد تبعية النساء لعائلاتهن و كل ذلك منطلق من فكرة الحفاظ علي ثروات الرجال. لأن الاسلام مثلاً لا يمانع في أن يمارس ملّاك الإماء و الجواري الجنس معهن دون زواج و من غير ثمن فأين الموقف هنا من الجنس خارج مؤسسة الزواج؟
قالت أميرة: هذا غير فكرة السماح للرجل بالتعدد في الزواج و النصيب المجتزأ في الميراث و نقصان العقل و الدين. و المرا كان بقت فاس ما بتقطع!
عندما دخلت فتحية احتشد المكان بالعطور. هدأت ثائرة أميرة. انتشر الفرح في نفس حمّاد. غادر وليد ليعود بالعود و بدأ يدندن. قالت فتحية من جوف بهائها: يا أميرة أنا فقط عاوزة أعرف حتي تتوفر لي الفرصة لتنبيهك لأمور قد تكون غائبة عنك فنحن في ظرف استثنائي لا اقصد نحن كأسرة إنما كل البلد. و في هذا الزمن لن يسمع الناس مثل الكلام الذي يقوله أبوك. ضحك حمّاد و قال علينا قوله و ممارسته و دفع الثمن ليتغير هذا المجتمع الذي يحرس النفاق و القهر فيه كل هذا التخلف.
تمهّد الليل دربا للحب و جلّلت المساء انغام العود و صوت وليد. ذهبت أميرة لتستحم و رجعت إليهم بجمال جديد و مغتسل. و قال لأبيها أمشي غيّر و استحم و سنكون في انتظارك لتشرب قليلا ثم نتعشي فانا جائعة. غني وليد الحانا عزيزة في ذلك المساء. جلست أميرة جوار أمها في السرير تشملهما العطور و هنّ يستمعن لغناء وليد. توفرت لأميرة فرصة لتحلم بحب أكيد،حرية تامة و احترام يسود المجتمع كله. فرأت نفسها مع حبيبها متماسكان تتشابك اصابع يديهما و تبتسم الفراشات و الطيور لهما بالميادين العامة انيقة التصميم التي يملأاها فرح السودانيين و جمال ملامحهم . رأت نفسها علي كنبة اسمنتية جميلة البناء و نظيفة و هما يطلان علي النهر خلفهمها المتحف و هما يضحكان علي انصراف كوابيس الأمس.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.