بلا انحناء وداعاً نادية.. وآه نادية وألف آه.. كلماتنا في الحزن لا تقتل حزننا عليك أيتها الإنسانة الجميلة خلقاً وأخلاقا.. دموعنا لن تطفئ لهيب الوجع على فراقك المفاجئ.. يا نسمة، يا ملكة الذوق الرفيع، والطبع الحليم، جئتي إلينا هكذا واخترتي أمكنة في القلوب.. وعبرتِ إلى الدواخل بلا استئذان.. يا ضل الغلابة في زمن الضنك، لم ينضب معين عطاءك الإنساني المتفرد، وأنتي تحزمين أمتعة الرحيل إلى زوجك (محمد) في عليائه.. وكانت معينات مهنتك (القلم، الدفتر، المسجل) هم رفاقك لحظة القدر.. تفكيرك مؤشرات مهنتك دائماً يتجه نحو ضيم الغبش، وهموم الفقراء في وطن المعاناة، برامجك التلفزيونية تُعلم الآخرين معنى أن نشعر بوجع البؤساء والمعذبين في الأرض.. نادية العطاء حتى آخر اللحظات، وشهدت لها صحيفة (التغيير) يوم أمس الأول وهي تزدان بآخر تقرير كتبته قبل الرحيل. النسمة الراحلة نادية.. تتقنين توليف العلاقات الإنسانية مهما تباينت الطباع وتصنعين مناخاً للإلفة مهما احتدم النقاش.. هذا ما تعلمناه من نادية التي ربطتنا بها مريم الصادق المهدي وبوثاق قوي في مجموعة (تواصلنا) – للصحفيين- على موقع التواصل الاجتماعي ال (وط ساب)، فكانت نِعم الأخت والصديقة.. في الماضي كنت أعرف نادية عثمان مختار مراسلة صحيفة (الخرطوم) من القاهرة المتميزة جداً، وكم أثرت الصحافة السودانية بثقافتها وشعرها، وأخبارها وحواراتها، وتقاريرها من على البعد، وظلت في الذاكرة كصحفية متميزة في الوسط إلى أن التقيتها ذات يومٍ في قاعة الصداقة، فكان التعارف التقليدي ولكن شدتني إليها عبارة خرجت منها ببساطة (خلينا نتواصل مع بعض بصورة قوية) تبادلنا أرقام الهواتف، ومن وقتها لم تضع بيني وبينها حواجز لدرجة أنها تهاتفني في أمورٍ خاصة بي، تارةً مستفسرة أو ناصحة، أو مُجبرة للخاطر.. فكانت تناديني بنت خالي وأناديها بنت عمتي، هكذا كانت مناداتنا لبعضنا في المجموعة حتى عُرفنا ببنت الخالة وبنت العمة، وهذه المناداة أول ما خطر ببال الزميلة عفراء فتح الرحمن حينما أرسلت إليَّ كلمات التعازي (نادية رحلت.. تاني منو البناديك يا فاطمة بي بنت الخال؟!!) فكان الدمع أبلغ من الكلمات فانقطع الاتصال بيننا. كلما كان التلاقي مع نادية في التغطيات الصحفية كانت الحميمية والأنس الجميل والحوار الهادف، وهي عادة ما تكون في غاية اللطف حتى وسط عنفوان النقاش، وارتفاع درجة حرارته.. شفافة إلى حدٍ كبير أحياناً ترسل لي رسائل عبر نقاش مجموعة (تواصلنا) أفهمها وحدي.. ولو شعرت أن الرسالة سلكت طريقاً خارج إطار مزاجي العام سرعان ما تستدرك الموقف بلطفٍ خرافي يقود الأشياء إلى حوار سلسل دون أن نرهق بعضنا.. نادية كانت نوارة (تواصلنا) الذي خلق حميمية بين الزملاء فكانت اللقاءات الاجتماعية على شارع النيل وأجملها جلسة جمعتنا بالشاعر محجوب شريف التي نظمها الأستاذ عادل شريف بعل مريم الصادق.. واحتفال المجموعة بأفراح الأعضاء.. وآخرها الاحتفال بعقد قران الزميل ضياء الدين عباس بالنادي الأثيوبي.. نادية نسمة المجموعة (سموحة، شمائل، عفراء، طلال، ريم، بكري، دقش، محي الدين، البوني، ساتي، عماد، مجاهد، وعلم، طاهر المرضي، سعد الدين، الأبنوسي، وأبو عرفان ومحمد المكي، خالد، ومجدي، وضياء من الدوحة) نعم نادية نسمة المجموعة في عز هجير الأحداث، دائماً تقود المبادرات لإعادة أي عضو أصابه الكسل من التواصل، وهي السباقة في الرد على السلام والتحايا. صدق المحبة والإخوة والصداقة التي جمعت بيننا في مجموعة (التواصل) التي أسستها مريم الصادق وحدها جاءت بمريم لأن تكون بجوار نادية وهي بالمشرحة لتقرأ لها القرآن والمحبة نفسها جعلتني أقولها لها وداعاً نادية من على القرب. وداعاً يا من تركتي فينا الأشياء جميلة وذكراك الطيبة.. لك الرحمة.. ولتواصلنا، والأهل، والزملاء والزميلات كل العزاء.. في فقدنا الجلل. الجريدة فاطمة غزالي [email protected]