إن الظروف والأوضاع التي يعيشها معظم أفراد الشعب السوداني تحت ظل حكومة الإنقاذ منذ إنقلابها العسكري على النظام الديمقراطي تعتبر ظروفا استثنائية شاذة وغير طبيعية ينبغي ان يعمل الجميع على إزالة آثارها وذلك بكنس من هم على قمة هرم سلطتها التنفيذية و التشريعية وقادة العمل الصحفي الذين يزينون أعمالها... لا شك أن هنالك اختلاف كبير بين نظريتين تقودان العمل المعارض المؤثر والجاد لهذا النظام ... نظرية تقوم على البصيرة ويقودها وينظر لها الإمام الصادق المهدي وترى في التغيير السلمي والتفكيك الشامل لأجهزة النظام و قيام حكومة قومية تمثل فيها كل القوى السياسية والحركات المسلحة دون عزل لآي جهة هو المخرج العقلاني و الآمن الذي يضمن التغيير و سلامة البلاد من النزاعات المسلحة والإضطراب الأمني والتمزق... بينما النظرية الأخرى تقوم على البصر فقط وترى في المقاومة العسكرية المسلحة وهزيمة المؤتمر الوطني ومليشياته العسكرية و دحرها ومصادرة مواردها الإقتصادية و المالية المخرج الوحيد لوضع نهاية لهيمنة الحركة الإسلامية على مقاليد السياسة والإقتصاد في البلاد.. نظرية البصيرة التي يمثلها الإمام الصادق المهدي و حزبه تقوم على تجارب سياسية ثرة وعلى قياس و مقارنة آنية واعية وقراءة متأنية لواقع محيطنا السياسي حتى قبل أحداث ما يسمى بالريبع العربي لأن حزب الأمة كان قد أقر سياسة الجهاد المدني لتغيير النظام بشكل جماعي في مؤتمره العام السابع قبل خمسة أعوام من الآن... وقد حققت سياسية الجهاد المدني الكثير من النجاحات المحدودة في بداياتها من نشر للحريات العامة رغم التضييق عليها وهامش من الحريات الصحفية وإقرار الحكومة على شرعية الأحزاب السياسية وترتب على ذلك ممارسة العمل السياسي في العلن بعد سنوات طويلة من العمل السري ... ومع مرور السنوات بدأت هذه السياسة تأتي أكلها في التغيير الكبير الذي طرأ على التفكير الجماعي للنظام وتفهمه لضرورة التلاقي القومي والتداعي الجماعي لإخراج السودان و شعبه من عنق الزجاجة فجاءت التعديلات الوزارية الأخيرة بفهم وفكر جديد حيث أبعدت الشخصيات المتعنته والمستفزة من سدة الحكم لتسهيل اتخاذ القرار الحكومي ومن الواجهة الحزبية لحزب المؤتمر الوطني لتليين مواقف الحزب من فكرة التغيير الشامل للحكم... و ظهر جليا ان موقف ضباط الجيش أصبح يسود على الموقف داخل الحكومة وداخل الحزب الحاكم الشيء الذي يمكن أن يسهل تماما مسألة التلاقي مع نظرية البصيرة التي تستوعب الجميع في إطار قومي يحفظ للجميع حق المشاركة و إتخاذ القرار.. لقد تعرض الإمام الصادق المهدي لحملة منظمة ضد سياسته الواضحة تجاه مسألة التغيير .. الغريب في الأمر أن هذه الحملة شنتها مجموعة الصقور في حزب المؤتمر و بعض رموز قوى المعارضة المدنية والمعارضة العسكرية ومن بعض الشباب المتفلتين داخل حزبه... فرغم أن صقور النظام في المؤتمر الوطني وخارجه يدركون تماما لمعنى حملتهم من مواقف السيد الصادق المهدي و حزبه من العملية السياسية في البلاد فإن بعضا من رموز قوى المعارضة المدنية وبعضا من رموز المعارضة العسكرية كانت مواقفهم الصارخة و إتهاماتهم الجزافية بوجود مصالح بين الإمام و النظام والإرتباك في موقفه تجاه النظام بسبب تلك المصالح ساهم في علو صوت الصقور داخل النظام و سيادة موقفهم على الجو العام داخل المؤتمر الوطني... أما الأصوات الشاذة داخل حزب الأمة من مواقف الإمام تجاه النظام كانت تتازعها عواطف وأشواق كثيره منها حنق هؤلاء الشباب على المؤتمر الوطني و نظامه و نقص تجربتهم السياسية في النظر إلى الأمور بعيدا عن الإنجراف العاطفي والتأثيرات الجانبية السلبية التي ساهم فيها إعلام المعارضة وإعلام الصقور في التشكيك في مواقف الإمام.. الشاهد في الأمر أن نظرية البصيرة تسير بخطى ثابته وواثقة نحو التغيير السلس والتفكيك الشامل للنظام... نظرية البصر التى لا ترى أكثر من أمامها و لا تعترف بماوراء الحجب تؤمن فقط بنظرية الإسقاط بالقوة و تعتمل فيها روح النصر و الهزيمة أكثر من روح الإيثار و الإستقرار السياسي..عكس نظرية البصيرة التى تدرك حقائق الواقع بالبصر وتستوعب حقائق المستقبل وما هو آتي بالبصيرة... نظرية البصر تمثلها الجبهة الثورية المسلحة بكل الحركات التي تنتمي إليها ومن يتلاقون معها في أفكارها من أفراد الشعب المدنيين... لقد ساهم الفكر العنجهي والتسلط الأعور وسياسية التمكين والثراء الحرام والقتل الوحشي والتفرقة العنصرية في إذكاء روح العداء داخل نفوس كثيرين من أبناء شعبنا تجاه القتلة و السارقين من افراد النظام وفي تعميق فكر الإنتقام وثقافة الإنتصار على الآخر لإسترداد الحقوق و تطبيق معيار المعاملة بالمثل على معيار الإيثار... لقد ظلت العبارات الإستفزازية التي دوام عدد من قيادات النظام و المؤتمر الوطني صرفها بالمجان على قوى شعبنا في الصحف الصفراء و عبر القنوات المشبوه الموالية للنظام يتردد صداها في أفق الكثيرين وهي التي أشعلت جذوة الإنتقام في النفوس وحاصرت الفكر العقلاني من كل جانب و ما تركت له من مصير غير إعلاء صرخة الإنتصار بالقوة وإلحاق الهزيمة بالخصم وسحقة وإقصائه من العملية السياسية السودانية... الواضح أنه لو ظلت هذه النفوس معتمره بهذا الكم من الكراهية والحقد و طال بشعبنا المسير وراء تعنت النظام وحربائيته السياسية ووراء هذا الفكر الجامح فإننا بالتأكيد سنكون أمام محرقة عاتية لن تترك ورائها إلا الخراب والدمار ولن يجني منها شعبنا إلا الخسارة والمهانة ولن يكون فيها منتصر بل في كل الحالات والسناريوهات ستلحق الهزيمة والعار بشعبنا .. ومن صعقات الهزيمة ووكزات الخزي تبدأ عملية تقسيم الوطن و تنتهي أسطورة الشعب السوداني للأبد... الأمل في انتصار حملة فكر البصيرة في كل الأحزاب المعارضة والحاكمة والأمل في فهم مآخذ أصحاب فكر البصر للحيطة من صعود أصحاب فكر التمكين والتخوين على مشهد الأحداث وتعطيل مسيرة التغيير التي بدأت مسيرتها بخطى حثيثة وواسعة داخل أسوار الحزب الحاكم أو تغيير مسارها و أهدافها خصوصا وأن كثير من المتنطعين والإنتهازيين والطفيليين و أصحاب النفوذ والثراء الحرام الفاحش يتربصون الدوائر بمن يسعون نحو التغيير.. اتمنى ان يتفهم اصحاب البصيرة أشواق أصحاب البصر و أن يعذر أصحاب البصر تخوف أصحاب البصيره على جراحات الوطن ومصير شعب بين كفتي عفريت.... [email protected]