قبل أيام من الآن أقدمت أمانة الإعلام التابعة للحزب الحاكم على إنشاء مجموعة لبرنامج (واتساب) الشهير، ضمت فيها مجموعة من الإعلاميين، وتولى الزميل الأستاذ مجدي عبد العزيز أمر الإشراف عليها، وهدفت إلى مد الزملاء بالأخبار والتنويهات المهمة. *المبادرة المذكورة لم تكن الأولى من نوعها، إذ درجت معظم الأسر السودانية على فعل الشيء نفسه مؤخراً، لتمكن أفرادها من التواصل عبر البرنامج المذكور، كما تكرر الأمر في العديد من المؤسسات العامة والخاصة. *لم يكن شباب صحيفة (اليوم التالي) بمعزل عن الاستخدام الإيجابي للتطبيق، إذ سارعوا إلى إنشاء مجموعة مماثلة، ربطت بينهم، وسهلت تواصلهم، بل إنهم استخدموها في تطوير عملهم، وتقديم مقترحات جديدة، وأفكار مهنية مبتكرة، استهدفت تقديم خدمة مميزة للقراء. *هناك مجموعات عديدة تهتم بنشر القيم الجميلة عبر التطبيق المذكور، وتنشر رسائل مفيدة، تحوي ملفات كاملة لسور القرآن الكريم، وشرحاً لآي الذكر الحكيم، وأحاديث شريفة، وشذرات من السنة وسيرة السلف الصالح، ومقاطع علمية وثقافية وفنية مفيدة. *لكل شيء وجهان. *والضد يظهر حسنه الضد. *مثلما توجد تطبيقات مفيدة للواتساب، هناك العديد من الاستخدامات الضارة له، بوجود من ينشطون في نشر الرذيلة عبره. *هناك من يلوثون الهواتف بمقاطع فاضحة، ورسائل بذيئة، ومحتويات غير مفيدة. *مثلما ذكرنا من قبل فإن البرنامج المذكور يمثل وسيلة تواصل، يتحكم في توظيفها من يستخدمها. *إذا صلح المستخدم صلحت الرسالة، وإذا ساءت نفسه طفحت رسالته بالسوء. *لذلك لم نهضم الدعوات التي انطلقت تنادي بحظر البرنامج المذكور في بلادنا، بادعاء أنه تسبب في ظهور حالات انفلات أخلاقي غريبة على المجتمع السوداني، مستدلين بمقطع حادثة الاغتصاب التي ملأت الدنيا وشغلت الناس. *علّل المنادون بحظر الواتساب مطالبهم بصعوبة السيطرة على التطبيق، وذكروا أنه يمثل خطراً داهماً على المجتمع عموماً، وعلى الصغار تحديداً، وذكروا أنه يهدر وقتهم، ويعوق تحصيلهم الأكاديمي، ويصرفهم عن الاهتمام بمراجعة الدروس. *نقول لهؤلاء إن عصر الحجب والمنع قد ولى إلى غير رجعة. *ليعلم هؤلاء أن تطبيقات التواصل الاجتماعي الحديثة ليست حصرية على (الواتساب)، إذ تزخر جعبة المبرمجين بالعديد من البرامج المماثلة، فهل سيتم حظرها أيضاً؟ *حظر (الواتساب) لا يعني أن مجتمعنا سليم ومعافى من التشوهات التي نشرت عبر التطبيق الهاتفي، بقدر ما يستهدف إنكارها بعصب العيون عنها، ودفن الرؤوس في الرمال لتناسيها. *هل سيؤدي حظر (الواتساب) إلى محاربة الرذيلة، ويرفع معدلات التمسك بمكارم الأخلاق؟ *هل سيعني أن كل شيء عندنا عال العال؟ *الإنكار لن يعالج أصل القضية. *إصلاح المجتمع يتم بمحاربة المفاسد، ونشر قيم الخير، وإحكام العملية التربوية لتنشئة الصغار على مكارم الأخلاق، ومحاربة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، وليس بالحظر والبتر والمنع. *عالجوا أصل المشكلة، ولا تنشغلوا بالحواشي. *يمكن للواتساب أن يتحول في غالبه إلى الخير عندنا، إذا ارتفعت نسبة الخير في مجتمعنا، وسيطفح بالشر طالما استمرت التشوهات الاجتماعية التي ظهرت عبره، بل إن ظهورها أفضل من بقائها مكتومةً، لأنه يسهل محاربتها، ويوعي السلطات بمخاطرها، ويدفعها للاجتهاد لمعالجتها. *عالجوا أصل القضية، ولا تكتفوا بدفن الرؤوس في الرمال. *حال من يدعون إلى حظر الواتساب بادعاء أنه ينشر الرذيلة كحال من يحطم مرآته كي لا يرى قبح وجهه. اليوم التالي