_119111409__119082842_gettyimages-200487196-001_976549-1    شاهد بالصورة والفيديو.. سوداني يقلد مهارات جندي أمريكي في "الإكروبات" بالكربون ومتابعون: (رغم فارق الإمكانيات والأماكن لكن زولنا خطير)    الخارجية: بيان نظام ابوظبي ردا على قطع السودان علاقاته معها بائس يدعو للسخرية ويعكس تجاهلًا للقوانين والأعراف الدولية المنظمة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول    مقتل وإصابة مدنيين في الفاشر    شاهد بالفيديو.. بعد غياب دام أكثر من عامين.. الميناء البري بالخرطوم يستقبل عدد من الرحلات السفرية و"البصات" تتوالى    شاهد بالفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (أرغب في الزواج من أربعة رجال لأنو واحد ما بقضي)    محمد وداعة يكتب: عدوان الامارات .. وحدة الجبهة الداخلية    الدعامة: يدنا ستطال أي مكان يوجد فيه قائد الجيش ونائبه ومساعدوه    الاتحاد يفوز على الأهلي في دوري الابيض    المدير التنفيذى لمحلية حلفا الجديدة يؤمن على أهمية تأهيل الأستاد    رئيس اتحاد المصارعة وعضو الاولمبية السودانية يضع النقاط علي الحروف..الله جابو سليمان: انعقاد الجمعية حق كفله القانون وتأجيل انتخابات الاولمبية يظل نقطة سوداء لايمكن تجاوزها    شاهد بالفيديو.. قائد قوات درع الشمال "كيكل" يدخل في وصلة رقص "عفوية" مع (البنيات التلاتة)    شاهد بالصورة والفيديو.. خجل وحياء عروس سودانية من عريسها في ليلة زفافهما يثير اهتمام جمهور مواقع التواصل    شاهد بالفيديو.. قائد قوات درع الشمال "كيكل" يدخل في وصلة رقص "عفوية" مع (البنيات التلاتة)    شاهد بالصور.. المذيعة نسرين النمر توثق للحظات العصيبة التي عاشتها داخل فندق "مارينا" ببورتسودان بعد استهدافه بمسيرات المليشيا ونجاتها هي وزميلتها نجمة النيل الأزرق    بهدفين مقابل هدف.. باريس يقهر آرسنال ويتأهل لمواجهة إنتر في نهائي دوري الأبطال    بيان توضيحي من مجلس إدارة بنك الخرطوم    سقوط مقاتلة أمريكية من طراز F-18 في البحر الأحمر    ريال مدريد وأنشيلوتي يحددان موعد الانفصال    ما حقيقة وجود خلية الميليشيا في مستشفى الأمير عثمان دقنة؟    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    في مباراة جنونية.. إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكريات نهضت بجيلها : ابن رشد الذي يصلحك
نشر في الراكوبة يوم 09 - 04 - 2014

(أنشر، أو أعيد نشر، كلمات بمثابة ملامح من سيرتي الذاتية وجيلي آمل أن استكملها يوماً قريباً)
لما اختفيت عن الأنظار للعمل الثقافي التقدمي بأمر الحزب الشيوعي في نحو يوليو 1973 كنت قررت أن انتهز سانحة هذه الخلوة لأصفي ثأراتي الثقافية العاولة. كنت أريد أن أجدد عناية لي سلفت بالفلسفة الإسلامية وانمحقت. وكنت أريد أن أكون تلميذاً للدكتور عبد الله الطيب اتلقى علم العربية على يديه. وهي تلمذة لم أوفق فيه في واقع الأمر وفي أيام أفضل انقضت. وكنت أريد كذلك أن أجرد حساباً قديماً لي مع "إشراقة" التيجاني يوسف بشير. وقد وفقت خلال خلوتي الشيوعية التي أجهضت في 1987 أن احقق أكثر ما طمعت في تحقيقه والحمد لله.
قصة ثأري مع الفسفة الإسلامية قديم وطريف. فلم يمر علينا يوم كماركسيين شباب لم يكن موضوع علاقتنا بتراثنا الإسلامي والعربي شاغلاً ضاغطاً. وربما كان الدكتور محمود أمين العالم، الذي قرأنا له في مجلة الرسالة الجديدة، هو الذي أزعجنا عن مرقد الخمول من هذه الجهة إلى الانشغال الحميم بها. ولكنه كان انشغالاً بغير شيخ. نلتقطه نبأ من هنا وآخر من هناك. نسمع بالمعتزلة وتقليدهم العقلي فنهرع إلى جهتهم. ويطربنا في يوم آخر حديث ثورة القرامطة أو الزنج فنفتش عنهما. أو ننتصح بمن يحدثنا أن حل توترنا مع التراث في قراءة ابن رشد وكان آخرهم روجيه غارودي في "ماركسة القرن العشرين" حتى صار "الزميل" حركة إسلامية. وكنا تحت تأثير عقدية الأخذ بالعناصر الإيجابية من التراث وترك السلبي منه. وهي الصيغة التي زينت لنا أنه بوسعنا ان ندخل دكانة التراث ونلتقط بضاعتنا المزجاة على كيفنا من الرف الذي نريد ونترك ما عداه. وهذه حيلة عاجزة. ولم نعلم أنه لن نقع على بغيتنا من التراث إلا بعد إحاطة كاملة به كإحاطة السوار بالمعصم.
دفعني هذا الشاغل لتسجيل اسمي بفصل الفلسفة بسنتى الأولي بكلية آداب جامعة الخرطوم عام 1960. وكان يدرسها الدكتور شاهين. وبدأ بنا من قعر الفلسفة وهم الإغريق من من مثل إكسماندر وإكسمانس. واسقمني حديث إكسماندر وإكسمنيس. ووددت لو بدأنا بالفقه الإسلامي وكيف استبطن نظر الإغريق ومنطقهم. وهجرت الفصل إلي ما عداه أو أن البروفسير عبد الله الطيب، عميد الكلية، حملني حملاً ل "دكه" لإحساني علم الجغرافيا. وانتهزت فرصة عطلة صيف 1961 لأصفي بعض حساباتي مع الفلسفة. فاستلفت من مكتبة الجامعة كتابين للعطلة كان واحدهما ديوان شعر نسيت أنه لمن. أما الكتاب الآخر فكان تهافت الفلاسفة لابن رشد. وقلت يا صيف ويا فلسفة جاك راجل.
وكان مصير هذين الكتابين طريفاً. فقد كان صيف 1961 في عطبرة ساخناً سياسة وحرارة لم أخلد فيه لو للحظة من وسن للقراءة في مكتبة المجلس البريطاني "الساقطة أم همبريب" كما قدرت. فقد كانت نذر إضراب نقابة السكة حديد تتجمع حتى وقع الإضراب بالفعل في 24 يونيو 1961. وأخذ منا التضامن مع النقابة جهداً ووقتاً أنتهى بي إلى الاعتقال في نقطة السوق الرئيسية والعشش. ورايت بعيني "الذي يصلحك" شاويش بوليس الجلابية. وأعجبني اسمه حتى جعلته عنوان بابي بجريدة الصحافي الدولي في أوائل سني هذا القرن. ولا زلت اذكر مشهدين من ذلك الاعتقال. سمعنا يوماً صوت زميلنا عبد السلام أحمد محجوب (جبسي) في المكتب يرتفع ويحتد لأنهم منعوه من زيارة أخيه عبد العظيم الذي طبلوه معنا. ولم يلبث جبسي قليلاً حتى التحم بشرطة النقطة كلها وبلغنا صوت المعركة غير المتكافئة حيث نحن. وهكذا جبسي. الواحد الذي يشكل أغلبية. اما الواقعة الثانية فهي الرجل الخفير الذي جاءنا مخموراً ليلاً يسب سنسفيل الحكومة. وما لبث أن عرف "قوة" الحكومة حين سمع باب الحديد الغليظ يغلق دونه ودون الحرية. فأخذ يخبط بكلتا يديه صارخاً:" تقبضوني أنا ، ليه. أنا لو . . . أنا شيوعي". ولم يجد الرفيق محمد محمود يوسف إزاء هذا التبشيع بالقضية العزيزة والزملاء سوى القول: "ما فيش فائدة".
ولم نكد نخرج من الحراسات حتى اندهجنا في عمل الحزب. وكلفونا في قطاع الطلبة بكتابة شعارات بشارع الدامر عطبرة ليلة افتتاحه بواسطة الفريق إبراهيم عبود. ورتبنا كل شيء. وجيئنا للمكان والموعد المضروبين بعجلاتنا. وتركناها في دغل شجري وتحركنا نحو الشارع لننقش احتجاجنا بالفرشة والبوهية البيضاء على زيارة زعيم عصابة 17 نوفمبر على أسفلت الشارع. وكنا مرهوبين ولا شك تجاه تحالف الوحشة والظلمة وخطر المهمة في مكان قفر. ووسوسنا مرة بعد أخرى. سمع أحدنا اصوات. بدا لآخر أن هناك من يتبعنا. ولما بلغنا الشارع كنا قد استنفدنا شجاعتنا واستولى الخوف على أقطار نفوسنا. فما كدنا نبدأ الكتابة حتى بدا لنا ان هناك من كاد يقبض علينا فولينا الأدبار نحو عطبرة. ولم نتذكر حتى أننا جيئنا إلى حتفنا بعجلات.
صارحت الوالد رحمه الله صبيحة اليوم التالي بجلية ما حدث. ولم أفاجأ بأنه لم ينبس ببنت شفة من لوم أو تقريع وهما من امتيازات الآباء في يوم كيومي ذاك. وكان حذرني بلباقة من الشيوعيين على أنه كان يدفع اشتراكي الشهري في مجلة "قضايا السلم والاشتراكية" الإنجليزية بغلافها الأصفر الباهت من مكتبة الفكر الشيوعية بالمدينة. ولا زلت اذكر باب التضامن بالمجلة وفيه دعوات لهفى للتضامن مع شيوعيين في بلاد تركب الأفيال. لم يرتج على الوالد وذهب بوقار وثبات إلى لب المسألة. أشرف بنفسه على حرق جلبابي الذي تركت البوهية عليه بصمات لا أزعم أننا تركنا مثلها على أسفلت الشارع. ثم جاءني في آخر النهار بوصل مبايعة امتلك الدراجة بمقتضاه شخص آخر. وفي مساء نفس اليوم طرق الباب الزميل عبد الحميد علي، السكرتير التنظيمي الحالي للحزب الشيوعي، ونزل من عجلتي ذاتها التي لا تغباني. وقال بهدوئه المعهود وضحكة موؤدة: "لقد بعث الحزب من جاء بالعجلات. لقد أربك شعاركم قوى الأمن أمس."
عرض علي الوالد أن اقضي بقية العطلة مع عمي بالبلد وهي قرية القلعة بعمودية جلاس بمركز مروي. وقَبلت وحزمت شنطتي وفيها ديوان الشعر وكتاب تهافت الفلاسفة لعلي أجد فسحة من الوقت في البلد أطلع عليهما. ولما أخطرت الحزب بالرحلة جاءني عبد الحميد بقفة فيها منشورات أو مطبوعات لتبلغ الرفاق بكريمة. يقول السودانيون في مثلي: يسلوها من الطين تقع في الروب. ولما بلغت بندر كريمة اتصلت بالزميل المعلوم بمخزن البضاعة بالسكة حديد على شط النهر وسلمته أمانة عبد الحميد. ولا أعرف مدينة استثمرت النيل مثل كريمة. تبدو لي دائماً أنها في خفض من النيل كمثل قولنا إن الكاتب في خفض من اللغة. قضيت فيها شطراً من طفولتي وفيها الزونيا أيضاً للماشي والغاشي.
وفي البلد تركت ابن رشد وديوان الشعر لسافيات تحمل روثاً من زريبة غنم عمي إلى المنضدة التي عليها الكتب. ورحت أزرع القرى بغير رحمة. ولا أذكر ابن رشد اليوم بغير هذا الطيف من رائحة البلد. وهذا حديث ليوم آخر.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.