سكان ما تسمى مجازاً بالعاصمة عادوا من الأقاليم أستعداداً لموسم المدارس ، فوجدوا صنابير المياه في منازلهم تغط في شخير الى درجة الغيبوبة العميقة بعد أن جفت الدمعات في أعينها الصدئة من العطش ! هذا يحدث في أعرق أحياء أم درمان فتيح أبوسعد وقد رفد نيلها الأبيض على مدى العصور كل الخيران وهي التي ترقد اقدامه عنده الآن وقد تشققت جفافاً وغبشاً ! منذ عامين أو نحو ذلك قامت الدنيا ولم تقعد بالتهليل والتكبير و التغني بإنجاز الإنقاذ العظيم وهي توفر المياه وتبلل الشفاه عند إفتتاح محطة المياه بالفتيحاب ، فأنشدوا فيه وداعاً لجفاف العروق في جسد و قلب العاصمة الوطنية التي غنى لها حسين شندي ..كيف حالك وازيك يا كل الناس ما زيك ! عاصمتنا تتراجع الى مستوى قرية كبيرة دون عواصم أفقر الدول و ابعدها عن مصادر المياه ليصبح ريها وسقياها بالدواب في القرن الواحد وعشرين في عهد الوالي الذي يحارب الفساد بتقديم صغار الضحايا الى مذبح التحللوبنفد بجلده من سلخ العدالة إن هي وجدت في سلخانة الإنقاذ ! و هو الذي لا يكذب على شبابها العطالى ويفر هارباً من مكتبه لتتولى قوات الأمن المركزي نيابة عنه الترحيب الحار بضحايا الكذبة التي فاقت في شناعتها كذبة محمود الذي أكله النمر ! فهل نتوقع أن يزحف سكان الأحياء الذين باتوا لا يجدون حتى مايملاء الأباريق للوضوء إستعداداً لصلاة الغائب على طيبة الذكر المياه.. ويتوجهوا من بعد ذلك لأداء صلاة الشكر جماعة حمداً للمولى على إهتمام الإنقاذ بهم كبشر مفترشين البروش عند ظلال مكتب الوالي الذي لن ينتظرهم لكثرة مشاغله في مزرعته الخاصة مهتماً بسقاية مواشيها من قناني مياه الصحة النيلية المعدة للتصدير و يناشدوا طاقم سكرتيراته بدلاً عنه .. منشدين في نغم شكل كورالي ..! (عطشان يا صبايا دلوني عالبرميل ) والحمار لامؤاخذة والبرميل باتا من الأهمية بمكان إذا ما تملكهما سقاة الناس في عهد الخضر..وآخر الأنباء الواردة من عاصمة العطش أن سعر برميل المياه قد بلغ الثلاثين جنيها لاغير..هذا إذا توفرت فرصة الحجز عبر الهاتف النقال أو تكرم سائق العربة التي تقل البرميل بالتكرم وردّ على زبائنه العطشى ولم يقم بتحويل المكالمات لكثرتها إلى من يعاونه في جر العربة والبرميل ..! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected]