ستظل ذكرى المفاصلة الشهيرة بين الاسلاميين في السودان عصية على النسيان، لدى أذهان السودانيين بشكل عام والإسلاميين بوجه خاص، منذ أن ظهر رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير على التلفزيون باللباس العسكري معلناً انتهاء أجل المجلس الوطني الذي كان يرأسه الدكتور حسن الترابي، كما قرر إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، لمدة ثلاثة أشهر، وتعليق مواد من الدستور متصلة في الأساس بكيفية اختيار الولاة، وشكلت تلك الاجراءات إعلاناً رسمياً للمفاصلة بين الذين اختاروا البقاء في السلطة ودعم المشير البشير، والآخرين الذين ارتأوا مساندة الفكرة التي يحملها الشيخ الترابي. ووصف البشير وقتها ذلك الإجراء، بأنه استعادة « لهيبة السلطة»، وقال إن "سفينة البلاد لا يمكن أن يقودها قبطانان"، وردّ الدكتور حسن الترابي واعتبر هذه القرارات، «انقلاباً عسكرياً»، ورأى أن البشير تنكر للتنظيم السياسي الذي أعطاه ثقته، وانتهك بشكل فاضح الديمقراطية والحرّيات الواردة في الدستور. الاختلاف الفكري الظاهر للعيان في تلك الفترة هو أن جذور الخلاف بين طرفي الحركة الإسلامية في بداية التسعينات كان مبعثها الاختلاف على إدارة دفة الحكم في البلاد بين الرئيس عمر البشير ورئيس البرلمان والأمين العام للمؤتمر الوطني في ذلك الوقت الدكتور حسن الترابي، وهو اختلاف عبر عنه الرئيس عمر البشير بتشبيهه السودان بسفينة تبحر وسط عاصفة هوجاء تحت قيادة قبطانين متنازعين، بيد أن الطرف الآخر اعتبرها اختلافاً فكرياً يتعلق بالحريات والشورى واحترام، التنظيم، والانصياع للقانون وللدستور. وتفاقم الخلافات بين البشير والترابي ترتبت عليه قرارات البشير في الثاني عشر من ديسمبر عام 1999م، اتبعها في وقت لاحق بقرارات أخرى جمد بموجبها نشاط الترابي كأمين عام للمؤتمر الوطني ونشاط جميع نوابه. في مقابل كل هذا ظهرت في الآونة الأخيرة ومضات في آخر النفق متخطية كل الإشارات الحمراء وتشير الى عودة محتملة بقوة الى الحضن الأول والعناق بين المختلفين والذي وصفه كل معسكر بصفة، فنجد ان الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض الدكتور حسن عبد الله الترابي وصفه بالاختلاف الفكري وخيانة مبادئ الحركة الإسلامية بينما وصف الرئيس البشير ما حدث بالسعي لسلامة البلاد بعيداً عن الازدواجية في السلطة، ويجب ان تؤول الرئاسة والقيادة لربان واحد في ظل امواج متلاطمة، القيادي الاسلامي الدكتور الطيب زين العابدين؛ الذي انزوى مبكراً عن المشاركة في الانقاذ لرفضه مبدأ الانقلاب العسكري، عبر عن رأيه في الاحداث انذاك بقوله إن البشير قصد من تلك القرارات قطع الطريق على الدكتور الترابي في أن يمضي قدماً في التعديلات الدستورية التي كان يناقشها البرلمان، والخاصة بتغيير كيفية انتخاب الوالي، وانتقالها من مجلس الولاية بترشيح من رئيس الجمهورية إلى عامة الناخبين في الولاية، وإلى إمكانية إعفاء رئيس الجمهورية بواسطة ثلثي أعضاء البرلمان، مضيفاً ان الرئيس البشير قصد ايضاً بإعلان حالة الطوارئ إعطاء نفسه صلاحيات الاعتقال التحفظي، وتقليص الحريات السياسية إذا ما أبدى أنصار الترابي أي معارضة لتلك القرارات، وبتعطيل مواد الدستور المتعلقة بانتخاب الولاة استطاع البشير أن يغير من الولاة الحاليين كل من ينحاز إلى جانب الدكتور الترابي، فالقرارات تعني في المقام الأول مواجهة الدكتور الترابي الذي يستغل موقعه كرئيس للبرلمان وكأمين عام لحزب المؤتمر الوطني في تلك الايام في تضييق صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي بدأ يستقل شيئا فشيئاً عن أبوة الشيخ الترابي لسلطة الإنقاذ، واعتبر الدكتور الطيب في مقالة نشرت له في موقع "إسلام اونلاين"، ان تلك القرارات تعد خروجاً على الدستور وعودة إلى الإجراءات الاستثنائية التي اتسم بها الانقلاب العسكري قبل تاريخ إجازة الدستور الحالي في يونيو 98م. الحوار الوطني.. أبعاد أخرى الأبعاد الأخرى الموجوده في مشروع الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس البشير تكشفت في الاونة الاخيرة باكثر من موقف واشهرها موقف المؤتمر الشعبي ورئيسه من الحوار الوطني الذي اصابته عثرات كثيرة اعترفت بها قيادات الوطني والقيادات الاسلامية الاخرى فهاهو الزبير احمد الحسن يقر بذلك قائلاً "نعم توجد عثرات تعمل على إيقاف الحوار الوطني". الزبير ذهب الى ابعد من ذلك بدعوته الى قيادة عمل كبير خلف الكواليس قائلا "ان الحوار اذا مضى جيدا يجعل الاسلاميين اكثر رؤية لتنفيذ حلف عام"، وهو ما يعتبر اعترافاً خطيراً وتطوراً مذهلاً في الأحداث على المستوى المحلي وعلى مستوى الحركة الإسلامية التي قارب افول مجدها في السودان نتيجة اخطاء مزدوجة ادت الي واقع اقرب مايوصف بانه متردي بشهادة كل المتابعين للوضع السوداني على المشهد العام، واعلن الزبير في خطوة متقدمة عن استعدادهم في الحركة الاسلامية لتقديم تنازلات والعودة مجددا الى صفوف الجماهير ودفع أي فواتير وذلك عبر ما اسماه تطورهم الفكري والسياسي، قائلاً "نحن مستعدين نلعب مع القوى السياسية لعبة حبل البقرة"، وذهب الزبير بحديثه المتفجر الى دعوة كل القوى السياسية المعارضة والموالية الى ان تفهم ان قواعد اللعبة تقتضي منهم ترك الدعوات في انشطتهم السياسية لاقالة الحكومة الحالية ،وهو مايفسر تمسك الحركة الاسلامية بالمؤتمر الوطني ودعمها له في الاستمرار في دفة الحكم التي استمرت 25 عاما وهاهي تخطو نحو عامها ال 26، مؤكداً أن المؤتمر الوطني اذا خاض انخابات 2015 م سيفوز رغم انفصال الجنوب في عهدها وبروز الازمة الاقتصادية وقال "رغم الانفصال، ورغم ان الحكومة ابلعت المواطن الدواء المر للاسعار في سبتمبر الماضي وثورته وغضبه عليها فانني اتوقع ان تفوز ايضا في الانتخابات، معللا ذلك بان السياسات التي انتهجتها حكومة الانقاذ منذ مجيئها بالناجحة، وقال الزبير إن عضوية الحركة لديها اشواق في تطبيق الاسلام في المجتمع وتفعيل المحاكمات واردف "نحن نشعر بالفخر لاننا حققنا مشروعاً إسلامياً كبيراً في السودان"، وأضاف: "في عام 1989م كان إجمالي الناتج المحلي 10 مليار واليوم أصبح 60 مليار. لقاءت حوارية "البشير، الترابي" هو ما أقر به الامين العام للحركة الاسلامية في السودان الزبير احمد الحسن في تصريحاته الاعلامية في برنامج "قيد النظر " بقناة " النيل الازرق" الذي كشف فيه ايضا عن اللقاءات الحوارية بين الزعيمين "البشير، الترابي" والتي افصح فيها الزبير عن امله بان تحدث وحدة بين الاسلاميين في السودان قائلاً "اذا حصل تقارب فانه سيكون نعمة كبيرة"، ومضى اكثر من ذلك في تفاؤله بوصفه لتلك الوحدة بالامل المرتجى والمخرج الكبير من ازمات الحركة الاسلامية التي تمر بها، وذهب الزبير الي ابعد من ذلك في كشفه لاحصائية للمنضمين الجدد للحركة الاسلامية والذين قدرهم بمليون عضو جديد، ومشيراً لوجود عضوية اخرى من الحركة تجلس على الرصيف ويوجهون لها الانتقادات ويريدونها ان تكون صفوية ويسعون الي توحيدها واصفا هؤلاء الاعضاء بانهم زاهدون في العمل السياسي ويمتنعون عن التصويت والمشاركة حتى في مؤتمرات الحركة الاسلامية غضبا على الانشقاق، السؤال الذي يبرز بشدة هنا هو هل صدقت توقعات المناهضين للانقاذ بأن الحوار الوطني ما هو الا آلية لتوحيد الاسلاميين في السودان بشقيهم (الوطني والشعبي)؟ [email protected]