تستحق إدارة تلفزيون السودان وبجدارة جائزة "آلية تطفيش المشاهدين" فهذا التلفزيون لا يحترم أبدا عقول السادة المشاهدين ويظل يحرق في البخور حتى يحرق البخور من يُحرق له البخور..! العاملون بتلفزيوننا الهمام يعتقدون أن الشعب السوداني يشاهد فقط "القناة الطاهرة" ولا يدرون بأن أصغر طفل في السودان يعرف "حاجة" اسمها الريموت كنترول ويجيد الإنتقال من قناة إلى أخرى ما بين غمضة عين وانتباهتها. وإذا غضينا الطرف –عمدا- عن البرامج المقصودة والموجهة فإن نشرة الأخبار فيها "العجب العجاب" ويتم عبرها ضرب كل معايير العمل الإعلامي بقوة لتصبح – النشرة- عبارة عن إعلانات غير مدفوعة الثمن! وتحتوي هذه النشرة عادة على تقارير (مقصودة)، تريد أن تؤكد للعالم ان بلادنا قادرة على رد كيد الأعداء والمغرضين بالانتاج، وتركز التقارير على عمليات انتاج وهمية سواء بالجزيرة أوالولاية الشمالية، أو القضارف التي تمتد مشاريعها الى الحدود الإثيوبية ! تغفل نشرة الأخبار – وأتحدث هنا عن نشرة العاشرة مساء-عن عرض أي قضايا متعلقة بالمزارعين وكلنا يعلم أن المزارعين يشكون لطوب الأرض من معيقات أساسية تهدد الموسم الزراعي ،فيطل عليك مراسل من مشاريع القضارف ليؤكد لك أن العالم كله سوف يأكل من "عيشنا". مراسل آخر يطل من وسط (تفاتيش) مشروع الجزيرة ويقدم تقريراً من طرف واحد يؤكد من خلاله أن إنتاج مشروع الجزيرة سوف يصل الى ولاية كلفورنيا، ومثل هذا النوع من التقارير يعرف في الصحف بالمادة التسجيلية وهو عبارة عن (حب من طرف واحد)...! لا يوجد الرأي الآخر أبدا في تلفزيون السودان ،وقد فشلت كل عمليات التجميل التي حاولت أن تجعل شاشتنا مقبولة للجميع فالمذيع الموجود في الاستديو يستضيف ضيفاً ويوجه إليه حزمة من الاسئلة،ويتبرع المذيع (نفسه) بالاجابات على طريقة (حبيبي قشر لي وانا آكل ليك)، وفي تقديري ان الضيف نفسه يتضايق من هذه العملية، حيث تم التعامل معه بطريقة (حضرنا ولم نجدكم).. يحدث هذا في الوقت الذي تنقل فيه الفضائيات احداث السودان بمهنية عالية واحترام تام لعقول المشاهدين مع مزيد من الابهار والتشويق والإثارة الحميدة. في نفس الوقت إذا انتقلت الى قناة الشروق ،وهي قناة محسوبة على المؤتمر الوطني ولا نقول مملوكة عديل له،لكنها تتوخى الدقة والمهنية بقدر الإمكان وبقدر ماهو متاح في دولة مثل السودان يتقلص فيها هامش حرية التعبير حتى يكاد يختفي ،والسؤال هنا ما الذي يجعل إدارة الأخبار والشؤون السياسية بتلفزيون السودان الموصوف بأنه قومي ،ما الذي يجعلها ملكية أكثر من الملك نفسه؟. إن الاخوة في ادارة الاخبار بالتلفزيون القومي في أشد الحاجة لإعادة النظر في طريقة إعدادوتقديم نشرات الأخبار، خاصة، أخبار العاشرة، وهذا لا يعني أننا نطلب منهم محاكاة القنوات الخارجية واستضافة المتمردين وإلقاء اللوم على الحكومة.. نحن نريدهم فقط أن يحترموا عقولنا.. فهل هذا مستحيل؟! [email protected]